مثليون مغاربة يختارون مناهضة "إرهاب" المثلية الجنسية
١٨ مايو ٢٠١٤يعتبر يوم 17 آيار/ مايو من كل سنة هو اليوم العالمي لمناهضة إرهاب المثلية الجنسية، وهو اليوم الذي اختارته مجموعة من الشباب المغاربة من أجل إطلاق حملة للاحتجاج على ما أسموه "الانتهاكات التي تلحق بالأقليات الجنسية في المجتمع المغربي"، لتكون بذلك أول حملة علنية تدعو إلى الدفاع عن حقوق المثليين في مجتمع محافظ كالمجتمع المغربي. في مجتمع مازال الدين والعادات حاضرة فيه بقوة كالمجتمع المغربي، فإن مجرد الحديث عن المثلية الجنسية يعتبر من الأمور المحظورة التي يجب عدم الاقتراب منها، وهو ما يجعل المجاهرة بالمثلية الجنسية وإعلان أي شخص عن ميوله المثلية أمراً محفوفاً بالمجازفة.
بيد أن "مجموعة أصوات للأقليات الجنسية" في المغرب اختارت أن تخرج للعلن وتعلن رفضها للطريقة "الظالمة التي يتعامل بها المجتمع المغربي مع الأقليات الجنسية"، وهو الموقف الذي يعلم أصحابه أنه لن يمر بسلام على أعضاء هذه المجموعة المكونة من 15 شاباً مثلياً، تقودهم فتاة تبلغ من العمر 21 سنة تدعى غيتة ر. وتقول الشابة المغربية في حديث لـDW عربية بأنها اختارت أن تقود هذه المجموعة لأنها لم تعد قادرة على السكوت "على الحيف الذي يطال المثليين في المغرب"، غير أن غيتة، التي رفضت ذكر اسمها العائلي، أكدت أنها واعية لصعوبة المهمة التي تقوم بها، "لكن هذا الأمر لن يثنيني عن المضي قدماً في هذا المشروع".
الخروج للمطالبة بالتسامح
وترى الشابة المغربية أنه كي "يتطبع المجتمع مع المثلية الجنسية" يجب الخروج للمطالبة بالتسامح مع المثليين في المغرب، لا شك أنه لن يروق لفئة واسعة من المجتمع المغربي، ذلك أن حادثة زواج المثليين في مدينة القصر الكبير شمال المغرب مازالت عالقة في الأذهان حين خرج سكان المدينة عن بكرة أبيهم للاحتجاج على هذا السلوك، وكادوا أن يزهقوا أرواح هؤلاء المثليين.
وهذا السلوك الرافض للمثلية الجنسية في المجتمع المغربي تحول في نظر البعض إلى حالة من "الرهاب والخوف"، عن ذلك تضيف الشابة المغربية بالقول: "الانتهاكات التي تلحق بالمثليين والأقليات الجنسية بصفة عامة وصلت إلى مرحلة خطيرة لا يمكن السكوت عنها"، كما ذكرت غيتة بأن هؤلاء المثليين هم من أفراد المجتمع ولهم نفس الحقوق التي يتمتع بها باقي الموطنين "ولا يجوز التمييز بين المواطنين بسبب ميولهم الجنسية".
رفض المجتمع المغربي للمثليين ليس العائق الوحيد أمام منح المثليين حقوقهم وأولها المجاهرة بميولهم الجنسية دون التعرض لأي مضايقات معنوية أو جسدية، بل هناك العائق القانوني والمتمثل في القانون الجنائي المغربي، الذي يعاقب في عدد من مواده كل من أقدم على "ممارسات جنسية شاذة". لذلك ترى غيتة أن "هذه المواد القانونية تعزز أعمال العنف والاضطهاد الذي يمارسه المجتمع ضد الأقليات الجنسية، إنكاراً وتنكيلاً لفئات كانت وما تزال وستبقى جزءا من واقعنا ونسيج مجتمعنا". يُذكر أن المادة 489 من قانون العقوبات المغربي تنص على أن "كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات".
ودعت غيتة إلى "المشاركة في هذه الحملة والإسهام بنشر رسالة احترام الأقليات الجنسية في كل مكان"، مضيفة بالقول: "في الوقت الذي يريد فيه المغرب التقدم بحقوق الإنسان مازال منطق الانتقاء مع الحقوق لا يمكن الاستمرار في عزل حالات دون غيرها ننطلق من مبدأ كونية حقوق الإنسان".
"في الصمت السلامة"
بعد ساعات من النقاش ومحاولة إقناعه بالحديث عن تجربته، قرر الشاب حميد ش.، الذي ينحدر من مدينة فاس، أن يتحدث لـDWعربية عن معاناته وكيف أنه مضطر لإخفاء مثليته حتى على والديه. "لا أستطيع مصارحة والدي بالموضوع لأنني على يقين بأنهم سيطردونني من البيت بل من المحتمل أن أتعرض للأذى الجسدي".
يقول الشاب المغربي البالغ من العمر 25 سنة وقد اغرورقت عيناه بالدموع: "عرفت ميولي الجنسية للمرة الأولى عندما كنت في مرحلة الثانوية وفي الوقت الذي كان أصدقائي يتسابقون على مرافقة الفتيات لم أكن أشعر بأي انجذاب نحوهن قبل أن أقرر البحث في الموضوع وأفهم بأنني مثلي. ومنذ ذلك اليوم وأنا أخفي هذا السر عن أقرب المقربين مني باستثناء صديقين لي لهم الميول الجنسية ذاتها".
ويبرر حميد قراره إخفاء ميوله الجنسية "بكون المجتمع لا يتقبل مسألة المثلية الجنسية إضافة إلى العقوبات القانونية"، ويتذكر الطالب في كلية الحقوق في فاس بأنه يوماً ما حاول جس نبض والده وسأله مازحاً ماذا لو علمت أن ابنك مثلي الجنس، فما كان من الأب إلا أن أجابه "حينها أفضل أن أتخلص منك وأموت على هذا العار". ومنذ ذلك اليوم قرر حميد عدم مصارحة عائلته بحقيقة ميوله الجنسي مكتفياً بالصمت "لأن في الصمت السلامة".
هذه المقولة تعبر أيضاً عن اختيار عدد من المثليين المغاربة الذي لا يريدون مواجهة المجتمع، لذلك يرى حميد في حملة التضامن مع المثليين بأنها حملة "لن تأتي بأي نتيجة إيجابية لأن كسب تعاطف المجتمع لا يتم عبر تحديهم وإنما بالمراهنة على تطور وعي الناس".
قضية تتقاذفها الأعراف والمبادئ الحقوقية
وإذا كان حميد يعلم أن معركة الاعتراف بحقوق المثليين لا تتم عبر الاحتجاج بخلاف غيتة التي ترفض منطق الصمت لأن المسألة تتعلق بحقوق الإنسان. من جانبها ترى خديجة حياني أستاذة علم الاجتماع المتخصصة في الجنس بأن مسألة المثليين في المغرب يجب مقاربتها من منطلقين الأول حقوقي والثاني ثقافي. وتقول الخبيرة السوسيولوجية في حديثها لـDW عربية: "أنا كمواطنة أعترف بحقوق المثليين لأنهم مواطنون كذلك، والمواطنة هي الاعتراف بحق حرية الآخر في اختيار حياته الجنسية"، مضيفة بأن الدستور المغربي اعترف بحقوق الإنسان بمفهومها الكوني "لذلك يجب حذف كل المواد التي تعاقب المثليين".
أما المنطلق الثاني الذي أشارت إليه الأستاذة المغربية فهو المنطلق الثقافي، ذلك أن المجتمع المغربي "مازال الدين حاضراً فيه بقوة وله سلطة كبيرة على أفراد المجتمع وفي وعي المغاربة، ولذلك يرى أن المثلية هي سلوك حرام وينبغي رفضه ولعن صاحبه".
ومن ناحية أخرى فإن العامل الثقافي مؤثر في هذه القضية "لأنه في مجتمع مغربي مازالت الأمية فيه حاضرة بقوة فإن العلاقة الجنسية الوحيدة المقبولة لدى المغاربة هي العلاقة بين الرجل والمرأة وغير ذلك يعد خروجاً عن قوانين الطبيعة وصدمة لوعي المواطن المغربي البسيط"، وهو ما يفسر حالة "الرفض القوية" التي تعبر عنها فئات واسعة من المغاربة"...