محارق النازيين للكتب شكلت ذروة محاربة الفكر والإبداع
١٠ يونيو ٢٠٠٧في عام 1933، ومع وصول أدولف هتلر إلى الحكم، انطلقت حملة منظمة لحرق الكتب في عدد من المدن الألمانية. لم تكن هذه الحملة من تخطيط وزارة الدولة للشئون الدعائية، لكنها كانت من تخطيط وتنفيذ المنظمات الطلابية الألمانية الموجهة من الحزب النازي. بدأت هذه المنظمات الطلابية في شهر أبريل/ نيسان حملةً "ضد الروح غير الألمانية" استمرت على مدار أربعة أسابيع، وتوجتها بمحارق الكتب على مرأى من الجماهير يوم 10 مايو/آيار في ميادين وجامعات إحدى وعشرين مدينة ألمانية على رأسها برلين.
كانت فكرة الحملة الشعواء التي دعا إليها النظام النازي هي محاربة كل ما هو مخالف للفكر النازي كالفكر الليبرالي أو الماركسي. وحضر الوزير جوبلز محرقة برلين، حيث أعلن في نهايتها عن أن ألمانيا "تطهر نفسها من الخارج والداخل أيضاً من كل ما هو ليس ألماني".
ضياع مئات الكتب
وأحرقت آلاف الأعمال لكتاب كثيرين من أمثال زيجموند فرويد، وكورت توخولسكي وتوماس مان وهاينريش مان وهاينريش هاينه وكارل ماركس. كثير من الكتب والأعمال الأدبية فقدت تماماً خلال هذه الحوادث المستمرة، ومازال الكثير من المنظمات والجمعيات الثقافية يسعى إلى إيجاد هذه الأعمال في محاولة لإنقاذ درر فكرية أنتجها كتاب لهم ثقلهم. وظلت ذكرى محرقة الكتب حاضرة في أعمال بعض الكتاب مثل إريش كيستنر، الذي حضرها بنفسه ورأى كتبه وهي تحرق فيها، ثم كتب فيما بعد أعمالا سجلت هذه اللحظة.
ولم تكن محارق الكتب هي أول ما تعرض له الكتاب الذين عارضوا ما نادت به النازية من مبادئ شمولية تريد السيطرة حتى على أفكار المواطنين. فقد منعت كتب هؤلاء الكتاب واختفت من فوق أرفف المكتبات ومن التدريس في الجامعات، كما مات بعضهم في معسكرات الاعتقال النازية، ولوحق بعضهم الآخر أو سحبت منهم الجنسية واضطروا إلى الهجرة من البلاد.
"أرجوكم، احرقوا كتبي"
أما الكاتب أوسكار ماريا جراف، فطالب بحرق كتبه، فقد غضب الكاتب المؤمن بعمله لأن كتبه لم تمنع من قبل النظام النازي، بل على العكس، فقد كان النازيون ينصحون بقراءتها. وكتب مرة يقول: "أنا لا أستحق هذا العار! بعد كل ما عشته وما كتبته، فأنا أستحق أن تطهر كتبي في النيران الطاهرة على أن تقع في الأيدي الملوثة بالدماء لعصابة القتلة الفاسدة العقل". كما كتب مرة أخرى قائلا: "احرقوني!! أنا لا أستحق أن أصبح مثل بقية الناس!! ألم أقل الحق دائماً؟؟". في عام 1934 تحققت أمنيته أخيراً ومنعت كتبه من النشر.
هل تعد الرقابة اليوم وسيلة لحرق الكتب؟
ويبدو أن الحكومات على مر العصور قد لاحظت قوة تأثير الكتابة على القراء، لذلك فقد سعت دائماً إلى قمع الكتاب، إن لم يكن باعتقالهم أو حرق كتبهم، فعن طريق الرقابة والحد من تعبيرهم بحرية عن أفكارهم. وقد لاحظ الكثير من الكتاب أهمية الكتب وقوتها حتى أن فيرنر ميش قد وصفها بأنها نوع من الأسلحة اليدوية ضد الغباء. أما جونتر جراس فقد ألقى هذا السؤال المهم عند حصوله على جائزة نوبل عام 1999، حيث تساءل جراس بجرأة عما يجعل الأدب خطراً؟ وأخذ يعدد الأدباء والشعراء الذين تمت ملاحقتهم منذ فجر التاريخ، وألقى بعدها بملاحظته المفاجئة، حيث قال: "معظم الكتاب الذين لوحقوا لم يخالفوا الدين أو الدولة أو المبادئ السائدة بشكل مباشر، لكنهم أوضحوا حقيقة واحدة وهي أنه ليست هناك حقيقة واحدة، لكن هناك عدة أوجه للحقيقة".