صلاح أفضل لاعب إفريقي .. نجم من صناعة مصرية بمواصفات عالمية
٤ يناير ٢٠١٨لم يبدأ محمد صلاح لعب الكرة في أكاديمية "لاماسيا"، التابعة لبرشلونة ولا أكاديمية أياكس، ولا حتى في ميت عقبة، حيث الزمالك ولا الجزيرة، حيث الأهلي، وإنما بدأ في شوارع و"أجران" قريته نجريج، القريبة من طنطا، عاصمة محافظة الغربية.
صلاح، المولود في منتصف يونيو/ حزيران عام 1992، بدأ لعب الكرة، وهو صبي في سن ثماني سنوات. لعب لمركز شباب نجريج، ثم انتقل إلى نادي اتحاد بسيون، القريب من قريته. وكعادة كثير من الموهبين لا يجري تقدير موهبتهم في البداية، تعرض صلاح لتجاهل من أندية لها تاريخ كروي في مصر: طنطا وغزل المحلة وبلدية المحلة، غير أن نادي "اتحاد عثماثون" بطنطا منحه الفرصة.
ولأن "عثماثون" هو فرع لنادي المقاولون العرب، انتقل صلاح بسرعة، وهو في سن 14 عاما إلى النادي الأم في القاهرة. وأظهر الجلد والصبر، على تحمل مشاق السفر، وقال بنفسه إنه كان يصعد ويهبط بين وسائل المواصلات، تصل أحيانا لخمسة، في رحلة تستغرق في اليوم الواحد أربع ساعات حتى يصل لناديه بحي مدينة نصر، ثم يحدث نفس الأمر عندما يعود إلى قريته.
ثماني ساعات يوميا في وسائل المواصلات وذلك لخمسة أيام في الأسبوع، تعب لا يقدر عليه سوى الكبار، وإن كانوا صغار السن. كما أنه لم يضع هباء. ففي المقاولون تألق الفتي الريفي وصعد إلى الفريق الأول عام 2010، ليلفت إليه الأنظار بمهاراته الكروية وسرعته كجناح أيسر في الدوري المصري. وكانت أول أهدافه في فريق النادي الأهلي العريق، ليدشن مولد نجم جديد.
"مثقف ونموذج للاعب المحترف"
بعد عامين مع الفريق الأول في الجبل الأخضر (معقل المقاولون العرب) انتقل صلاح في 2012 إلى بازل السويسري وأحرز معه لقب الدوري السويسري عام 2013، ثم فاز بلقب أفضل لاعب في الدوري السويسري 2013. ومن سويسرا ظهر على الساحة الأوروبية بقوة خلال الدوري الأوروبي، عندما سجل في مرمى تشيلسي ذهابا وإيابا، ما دعا مورينينو مدرب الفريق آنذاك إلى طلب ضمه، وهو ما حدث في بداية 2014.
غير أنه ظل في لندن على مقاعد البدلاء معظم الوقت، فرحل بعد عام إلى فيورنتينا الإيطالي على سبيل الإعارة 2015 ليظهر أكثر نضجا، وينتقل إلى روما في نفس العام ويبقى به عامين خاض خلالها 69 مباراة سجل فيها 29 هدفا ويصبح موضوع الحديث في إيطاليا.
في صيف 2017 انتقل صلاح إلى ليفربول، بطلب من المدرب يورغن كلوب. وقد انتقد البعض كلوب على هذه الخطوة لأن مشكلة ليفربول "هي الدفاع"، وليس الهجوم. لكن صلاح لم يخذل المدرب الألماني، وتطور وأصبح أحد أبرز اللاعبين في إنجلترا والعالم كله، وتتغنى جماهير "الريدز" كل مرة هاتفة "مو مو"، وهو الاسم الذي يطلقونه على صلاح، الذي ظل حتى فترة قريبة هداف الدوري الإنجليزي، قبل أن يلحق به ويتخطاه النجم هاري كين.
وكان علاء نبيل، رئيس قطاع الناشئين في المقاولون العرب قد قال لقناة "سي بي سي" المصرية، قبل نحو عام، إن محمد صلاح "نجح في الاحتراف الخارجي لأنه لاعب مثقف.. يعرف ما الذي يأكله وما الذي يشربه ومع من يتواصل.." وأضاف نجم منتخب مصر السابق "إنه لاعب مثقف ولذلك واصل (مشواره) فهناك لاعبون لم يكملوا (المشوار) لأنهم ليس لديهم ثقافة. إنه (صلاح) لاعب يتطور فنياً ولذلك فهو نموذج للاعب المحترف".
حامل آمال مصر
انضم صلاح لمنتخب الشباب المصري تحت 20 عاما، وبرز خلال كأس العالم للشباب بكولومبيا عام 2011، وحصد الفريق المركز الثاني في مجموعته خلف البرازيل بفارق الأهداف. لكنه بعد ذلك برز بقوة مع منتخب مصر خلال أولمبياد لندن 2012 وواجه البرازيل، وحلت مصر ثانية في المجموعة خلف البرازيل أيضا.
ولا ينسى أحد من المصريين صورة صلاح، والدموع في عينيه ونجم مصر آنذاك، المعتزل حاليا، محمد أبو تريكه يواسيه، بعد الخسارة التاريخية لمصر أمام غانا 1-6 في المباراة قبل الأخيرة في التصفيات المؤهلة لمونديال البرازيل 2014. وكان من بين ما قاله أبو تريكه لصلاح إن المستقبل أمامه "وستقود مصر للصعود لكأس العالم".
كانت كلمات أبوتريكة، ربما حافزا أو نبوءة من شخص يحبه. فبعدها بأربع سنوات افتتح صلاح التسجيل لمصر في مباراة الكونغو على ملعب برج العرب (الثامن من تشرين الثاني/ أكتوبر 2017) في المباراة قبل الأخيرة أيضا لتصفيات مونديال روسيا. وكان فوز مصر يعني صعودها بغض النظر عن مواجهتها مع غانا في نهاية التصفيات.
لكن في لحظة ما دب اليأس في نفوس ملايين المصريين بعد تعادل الكونغو في الدقيقة 87، قرب نهاية المباراة. ارتمى صلاح على الأرض من هول الصدمة، لكنه نهض بسرعة وأخذ يحفز زملائه والجماهير، ليحصل تريزيغيه على ركلة جزاء، فيسددها نجم ليفربول في شباك الكونغو بكل ثبات وتنطلق صافرة الحكم معلنة فوز مصر 2-1 بهدفي صلاح، والصعود للمونديال لأول مرة منذ عام 1990.
لقد فاز محمد صلاح بلقب أفضل ناشئ في إفريقيا عام 2012، وها هو الآن حصد جائزة افضل لاعب في إفريقيا لعام 2017، متفوقا على السنغالي ساديو مانيه، زميله في ليفربول، والغابوني أوباميانغ نجم دورتموند، ليكون المصري الثاني بعد الأسطورة محمود الخطيب، الذي أحرزها عام 1983.
ملايين المعجبين والجوائز والألقاب وملايين الدولارات، التي يحصدها صلاح منذ سنوات لم تنسه قريته في دلتا النيل، ولا مصر كلها، فقد تبرع بملايين الجنيهات لجهات ومشاريع خيرية كثيرة. وكان ومازال على صلة قوية بمسقط رأسه ويزوره دائما ويقضي به أوقاتا طويلة يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم.
صلاح شرارة