محنة حرية الصحافة في المغرب العربي
٢٧ مايو ٢٠١٠قد يختلف الأسلوب بين دول المغرب العربي خاصة الكبرى منها (الجزائر والمغرب وتونس) لكن الهاجس المهيمن داخل كل تجربة هو تنامي الرغبة القوية للسلطة لفرض وصايتها على هذا القطاع الحيوي باعتباره منافسا لها في صناعة جزء من الرأي العام. طبعا لن نتحدث عن تجربة دولة مثل ليبيا يحكمها نظام ديكتاتوري لم يسمح طوال أربعة عقود من حكم الفرد بوجود شيء اسمه صحافة حرة. كما أن كثرة الانقلابات العسكرية التي هزت الحكم في موريتانيا وتفاقم المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها، لم تفسح المجال طيلة زهاء نصف قرن من الاستقلال لبروز صحافة، كيفما كان جنسها، في هذا البلد.
أما تجارب الدول التي ازدهرت فيها صناعة الصحافة مثل المغرب والجزائر وبدرجة أقل تونس، فإنها تتفاوت في نسب تطور هذه الصناعة وتتوحد في فرض هيمنة السلطة على هامش حرية التعبير داخلها. فعندما تأهلت الجزائر إلى نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا تجاوز طبع صحيفة "الشروق" (صحيفة توصف بأنها مقربة من السلطة) مليون نسخة، متجاوزة بذلك الأرقام القياسية التي كانت تسجلها صحف عريقة في دول مثل مصر وجنوب إفريقيا. وحسب أحدث المعطيات في مجال النشر فإن الصحف الجزائرية تحتل اليوم الصدارة على المستوى الإفريقي من حيث عدد قرائها، لكن هل يعني هذا أن حرية الصحافة في هذا البلد توجد في أحسن حال مما هي عليه في باقي دول الجوار؟
الجواب عن هذا السؤال نجده في تقارير المنظمات المعنية بمراقبة حرية الصحافة في العالم. إن احتلال الجزائر لمراتب متأخرة في تصنيفات حريات التعبير في تقارير هذه المنظمات، يعد مؤشرا دالا على تدهور حرية الصحافة في هذا البلد بعد اثنين وعشرين سنة من تخليه عن نظام الحزب الواحد. فالصحفيون المستقلون أصبحوا يفرضون على أنفسهم رقابة ذاتية صارمة، والسلطة لا تتواني في مضايقة الصحف الجادة من خلال حجب المعلومات عنها، ومنعها أو عرقلتها من الوصول إلى مصادر الخبر، وإغراق السوق بصحافة مبتذلة ترعاها السلطة وتوظفها في خدمة أغراضها السياسية الرخيصة، وفي التضييق على الصحافة الجادة المعارضة، من خلال التحكم في سوق الإعلانات، وتخصيص نسب أعلى من مواردها للصحف التي تدخل بيت الطاعة.
الوضع في المغرب يبدو مختلفا، فبعد عام 1999، وهو عام تولي الملك محمد السادس الحكم خلفا لوالده الذي حكم المغرب طيلة 38 سنة بقبضة من حديد، اتسع هامش الحرية داخل المجتمع، وظهرت صحافة حرة ومستقلة ومؤثرة في الرأي العام. ومع توالي السنين سعت السلطة التي فشلت، أو لم تكن ترغب في إقامة نظام ديمقراطي حقيقي إلى ضرورة ضبط هامش هذه الحرية المتاحة للصحافة المستقلة التي أصبحت مزعجة.
وهكذا بدأ مسلسل التراجعات بالتضييق على هذه الصحافة بأساليب مختلفة وملتوية في أكثر من مناسبة لإعادة ضبط هامش الحرية "الممنوحة". ونجحت السلطة من خلال المحاكمات الموجهة، والمضايقات المختلفة، والتحكم في مصادر التمويل عبر تسييس سوق الإعلانات، وأخيرا الاستثمار في هذا المجال وفرض منافسة غير نزيهة وغير شريفة وغير متساوية على آخر المقاولات الصحفية المستقلة لحملها على تحويل خطها التحريري أو إجبارها على الموت البطيء.
أما في تونس فإن حكم الرئيس زين العابدين بن علي لم يسمح لوجود صحافة مستقلة في بلاده منذ أن نصب نفسه حاكما مطلقا على التونسيين عام 1987. لكن هذا لم يمنع من وجود صحافيين مستقلين وشجعان أمثال توفيق بن بريك الذين يناضلون من أجل كسر الحظر المطلق الذي تفرضه السلطة على مجال تريده أن يبقى حكرا عليها.
الكاتب: علي أنزولا صحفي مغربي، مدير نشر "الجريدة الأولى" / الرباط
مراجعة: حسن زنيند