مخاوف أم تهويل؟ الإسلاميون وتقييد حرية الفن في المغرب
٢٢ ديسمبر ٢٠١١رغم التطمينات التي ما فتئ عبد الإله بنكيران، الأمين لحزب العدالة والتنمية، يبعثها بين الفينة و الأخرى، من خلال تصريحاته حول الحريات الفردية وحرية الإبداع الفني، إلا أن هذه الرسائل لم تنجح تماماً في طرد مخاوف البعض من أن يؤثر فوز الحزب ذي المرجعية الإسلامية على حرية الإبداع الفني في المغرب، خصوصاً السينما المغربية، التي بدأت في الآونة الأخيرة تتناول موضوعات ما زالت تعتبر من المحرمات في المجتمع.
لكن عدداً من الفنانين والنقاد يعتقدون أن هذا الفوز لن يكون له أدنى تأثير على مستوى حرية الإبداع في المغرب، أولاً لأن الحزب لن يكون صاحب القرار النهائي في هذا الشأن، وسيكون عليه احترام توجهات الأحزاب الأخرى المشاركة في الائتلاف الحكومي، وثانياً لأن الدستور المغربي "يضمن للفنانين حرية الإبداع و التعبير".
"إن منعونا سنقف لهم بالمرصاد"
وتعتقد الفنانة لطيفة أحرار، خلال لقاء لها مع دويتشه فيله، أن "المخاوف على حرية الإبداع بعد فوز الإسلاميين تم تضخيمها كثيراً". وتشير الممثلة، التي كانت قد أدت مشهداً مسرحياً أثار جدلاً ساخناً في المغرب، ودفع ببنكيران آنذاك إلى أن يدعو الله أن "يهديها"، بعدما ظهرت على خشبة المسرح بلباس البحر، إلى أن "المغاربة مسلمون على اختلاف مهنهم، بمن فيهم الفنانون، والاختلافات مع العدالة والتنمية تندرج ضمن الاختلافات مع الأحزاب المغربية الأخرى". لذا فالحل، بحسب أحرار، هو أن يحترم كل طرف قناعات وحساسيات الطرف الآخر.
وفي معرض تعليقها على مواقف الحزب من بعض المهرجانات والأعمال الفنية في السابق، تقول الفنانة المغربية: "هم يعبرون عن آراءهم وهم أحرار في ذلك. لكننا يجب أن نترك لهم الوقت لنرى ما سيفعلونه بعد تسلمهم السلطة". وتؤكد الفنانة المغربية على أهمية ما نص عليه الدستور المغربي من حرية الإبداع والتعبير، مشيرة إلى أنها تحترم برنامج الحزب وهنأت أمينه العام على فوزه. لكن ينبغي احترام قناعاتها أيضا "لأني لا أقوم بما هو خارج عن الأخلاق".
وتوضح أحرار بأنها "مطمئنة" على حرية الإبداع الفني في بلدها، لأنه "عندما يحاول أحدهم منعي من ممارسة حريتي في مهنتي فإني سأواجهه باسم الدستور وحرية التعبير"، مضيفة أن بنكيران هو رئيس حكومة لجميع المغاربة على اختلاف توجهاتهم.
الحرية مرتبطة بالمسؤولية
أما محمد يتيم، القيادي في حزب العدالة والتنمية، فيرى أن المخاوف من فوز حزبه على حرية الفن في المغرب "لا مبرر لها"، ويفسر هذه المخاوف، في حديثه مع دويتشه فيله، على أنها نابعة من عدم الاطلاع على برنامج الحزب، الذي لا علاقة له بتقييد حرية الإبداع.
ويشير القيادي الإسلامي إلى أن حزبه لا يسعى إلى الحد من الحريات الفردية، ألا أنه يؤكد بأن الثقافة ينبغي أن تخدم المجتمع وتحترم قيمه، مضيفاً أن لا أحد "يمكنه التدخل في الإبداع الشخصي. لكن ينبغي احترام حقوق الجماعة كذلك". ويتابع محمد يتيم بالقول إن القانون يحمي "الذوق العام" في كل الدول، ليس في المغرب فقط، وإن الحرية مرتبطة بالمسؤولية كذلك، "وإذا قرر البعض أن لا يكون مسؤولاً تجاه احترام الذوق العام، فالقانون هو من سيحكم عليه وليس نحن".
كما انتقد يتيم بعض الفنانين الذين "ينصبون أنفسهم شهداء حرية الإبداع الفني من أجل الشهرة وتطبيق مقولة خالف تعرف"، مشيراً إلى أن حرية الفن يمكن احترامها دون الإساءة إلى "قيم المجتمع"، معتبراً أنه "ليس من الضروري التعبير عن علاقة حميمة من خلال تجسيد علاقة جنسية كاملة وفي وقت الذروة". وأشار يتيم إلى بعض المواضيع التي يجب تفادي تناولها في الفن المغربي، مثل قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال أو تقديم المرأة على أساس أنها جسد فقط، معتبراً أن "هذا واقع لكنه ليس القيم التي نحاول نشرها في المجتمع".
فزاعة الإسلاميين
من جهته يقول محمد ناجي، وهو باحث في علم الاجتماع ويدير عدة مهرجانات فنية في المغرب، لدويتشه فيله، إن المخاوف على حرية الإبداع بعد فوز العدالة والتنمية هو تلويح "أكثر من اللازم بفزاعة الإسلاميين". ويعتقد ناجي أن المخاوف هذه مبالغ فيها، فالحزب لا يحظى بأغلبية مطلقة ولن يكون له مطلق الحرية للتصرف وفق إرادته، "لذا لن يفعل أكثر من التهديد فقط". ويضيف الناقد المغربي أن المواطنين ينتظرون من الإسلاميين التصرف في مجالات أخرى تحظى بالأولوية، مثل مكافحة الرشوة، وتحسين مستويات التعليم والصحة، ومحاربة الفقر.
وعلاوة على ذلك، يشير الناجي إلى أن أحد أسباب عدم تخوفه من الإسلاميين هو أن وصولهم إلى السلطة "يصادف مرحلة تراجع ثقافي تام، فالسينما والأدب والإبداع بشكل عام تفتقد لشروط العمل الملائمة". كما أن الحقل الثقافي، بحسب قوله، تم تهميشه من خلال السياسة التعليمية التي نهجتها الأحزاب السابقة، ما ادى إلى "تراجع الإبداع وغياب المواهب".
إلا أن هذا الاطمئنان يقابله تخوف المعطي قبال، وهو ناقد وكاتب مغربي، ويشرف على فعاليات"خميس" للحوار الثقافي بمعهد العالم العربي في باريس. ويكشف قبال لدويتشه فيله خشيته من أن يطغى الآن "نقاش (الأخلاق) بمعناه الشعبوي" على المشهد الفني، بدل مناقشة القضايا الحيوية. ويضيف الناقد المغربي أن "الفن بمختلف أشكاله (يبقى) دائماً عرضة للطعن والتنديد في أعين أولئك الذين لا يقدرون أهميته ولا يعترفون بفاعليته في حياة الإنسان". ولا يسلم الإسلاميون في المغرب من هذا التصور، إذ يتوقع المعطي قبال أن تعرف بلاده نقاشاً حول مسألة "الحد من آثار الفساد و الانهيار الأخلاقي"، مبدياً تخوفه من أن "يسود اللغط بغرض التشويش، مما قد يؤثر على إبداعية وإنتاجية الفن المغربي".
ويقترح الناقد المغربي بدائل لحماية حرية الإبداع في بلاده، تتمثل في اتباع المهنية والجرأة، وتوفير الإمكانيات للمبدعين والمخرجين بالأخص لكي ينتجوا صوراً جديدة عن مجتمعاتهم وشعوبهم بكل ما تحمله من طموح وتناقض. ويقول في هذا السياق إن "الفنان المحترف لا يخاف، بل هو قادر على فرض احترام الآخرين له، وبالأخص الإسلاميين منهم".
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: ياسر أبو معيلق