مدونة ومؤرخة ألمانية تنتحل تاريخاً عن الهولوكوست
٤ يونيو ٢٠١٩في أيلول/ سبتمبر عام 2013 عبّأت الألمانية ماري صوفي هينغست الاستمارة الخاصة بالناجين واللاجئين من المحرقة النازية التي تطلبها مؤسسة "ياد فاشيم" في إسرائيل لتوثيق تاريخ ضحايا الهولوكوست. هينغست، الحاصلة على درجة الدكتوراه في التاريخ والتي تعيش في إيرلندا، قدمت معلومات عن 22 شخصاً قالت إنهم من أقاربها، زاعمة أنّهم قتلوا في المحرقة النازية.
لكن تحقيقاً أجرته مجلة "دير شبيغل" الألمانية واسعة الانتشار كشف أنّ كل الأشخاص الذين تكلمت عنهم هينغست لا وجود لهم!
أشد مزاعمها زيفاً كان ادعاءها أنّ جدها كان يهودياً معتقلاً في معسكر الإبادة "آوشفيتس"، وهو زيف كشفته دراسة لأرشيف نفوس مدينة شترالزوند قامت بها "دير شبيغل" وبينت فيه أنّ والدها كان راعي أبرشية مسيحي بروتستانتي. كما لم يُعثر على أي معلومات عن الأشخاص الاثنين والعشرين الذين زعمت هينغست أنّهم ضحايا الهولوكوست، لا في المجموعة الرقمية للخدمة الدولية لتقصي الحقائق، ولا في أرشيف "آوشفيتس" التذكاري، ولا في الكتاب التذكاري للأرشيف الاتحادي لضحايا اضطهاد اليهود في ألمانيا، كما أكد تقرير "دير شبيغل".
وبالإضافة إلى إدراجها أسماء مزعومة إلى أراشيف مؤسسة "ياد فاشيم"، فقد اعتمدت ماريا صوفي هينغست في نشر التاريخ المكذوب لأفراد عائلتها على طرق عديدة، من خلال محاضرات نظمتها في تجمعات يهودية، ومن خلال محادثات مع زملائها الطلبة. وكان اعتمادها الأكبر على مدونتها المسماة "اقرأ، عزيزي، اقرأ"، والذي كان يحظى بـ240 ألف قارئ منتظم، والذي أوقف بعد أن نشرت المجلة نتائج تقريرها.
وحازت هينغست على مساحة اهتمام واسعة بعد أن أنشأت مدونتها على ادعاء أنها ألمانية ذات أصول يهودية، فقد منحها فريق "غولدن بلوغرز" لقب "مدونة العام" لعام 2017. وفي العام التالي حازت على جائزة "فايننشال تايمز" لسلسلة مستقبل أوروبا للمقالات. وكانت هينغست قد قارنت مصير أهلها اليهود المزعومين بمصائر ألوف اللاجئين الذين يرسون على شواطئ أوروبا.
وبعد الفضيحة، أعلن فريق "غولدن بلوغرز" على موقعه أنه طلب من المدونة إيضاحاً، ثم أعلن تجريدها من الجائزة. كما كشفت مؤسسة "ياد فاشيم" الإسرائيلية لوكالة الأنباء الألمانية أنها قد أحالت ادعاءات ماري صوفي هينغست إلى خبير سيتولى التحقيق في القضية، مشيرة إلى أن المزاعم التي تصلهم في العادة تخضع للتحقيق، ولكنهم اعتقدوا أن القصص التي أرسلتها لهم حقيقية، وهذا ما ضللهم حسب وصف المتحدث الرسمي للمؤسسة.
من جانبها، اعترفت هينغست لمجلة "دير شبيغل" عبر محاميها أن النصوص على مدونتها "لم تكن صحفية، بل أدباً محضاً تحصّنه حرية البلاغة الأدبية". وعادت لتقول إنّها "لم تنشر لدى مؤسسة ياد فاشيم أكاذيب حول أقاربها اليهود من جهة أمها، بل اعتمدت على معلومات تخص أشخاصاً حقيقيين، لكنها لم تتأكد شخصياً من صحة تاريخهم".
ليست الوحيدة
وليست ماري صوفي هينغست المثال الوحيد على سوء استخدام التاريخ المأساوي لليهود إبان الحرب العالمية الثانية، فقد سبقتها أمثلة أخرى، أبرزها فولفغانغ زايبرت، رئيس تجمع بينه بيرغ اليهودي بولاية شليزفيغ هولشتاين الألمانية، الذي ادعى أن أصوله يهودية، ومن ثم كُشف أن والديه بالتبني كانا بالفعل يهوديين، أما والده الحقيقيان فلم يكونا كذلك.
وبغضّ النظر عن الموقف القانوني مما فعلته هينغست وغيرها من مزوري التاريخ، فإن جريرتهم الأكبر هي أنهم خدعوا الجمهور، مظهرين عدم اكتراثهم بثقافة الذكرى التي تليق بضحايا الهولوكوست.
بتينا باومان/ م.م