مرتزقة واختراق وتضليل.. ما سر حرب روسيا الهجينة ضد أوكرانيا؟
٢٢ فبراير ٢٠٢٢تسود مجدداً حرب دامية على طول الجبهة في شرق أوكرانيا، وسط إطلاق قذائف الهاون والقنابل اليدوية. هذا ما أكده مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، هناك سلسلة من الأحداث التي تسير بشكل واضح وفق سيناريو محدد.
ففي البداية نشر الانفصاليون الموالون لروسيا في ما يسمى بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد مقطع فيديو لرئيسهم دينيس بوشيلين، يعلن فيه التعبئة العامة. وبعد ذلك نشرت لقطات فيديو لإجلاء أشخاص -بواسطة حافلات- من المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون بدعم عسكري روسي.
وبعد يومين تم نشر مقطع فيديو آخر، يهدف إلى إظهار كيف يقوم جنود من وحدة خاصة باعتقال محرضين مزعومين تابعين للحكومة الأوكرانية، دون أن يتم إظهار وجوه المعتقلين. وفجأة ظهر مقطع فيديو آخر يهدف إلى إظهار تفجير محطة حدودية بين مناطق المتمردين المواليين لروسيا في أوكرانيا والحدود مع روسيا.
ومن بين مقاطع الفيديو هذه، فإن فيديو بوشيلين مثير للاهتمام بشكل خاص. فقد كشف تحليل البيانات الوصفية لملف الفيديو أنه تم تسجيله قبل ذلك بثلاثة أيام. في ذلك اليوم، حذرت الإدارة الأمريكية مرة أخرى من حرب وشيكة واسعة من قبل روسيا ضد أوكرانيا، مستشهدة بمعلومات استخباراتية.
وقبل ذلك، كان هناك هجوم إلكتروني ضد وزارة الدفاع الأوكرانية وأكبر مؤسستين ائتمانيتين في البلاد، وهما مصرفا "بريفات بانك" و"أوشاد بانك". وبشكل مؤقت، لم يتمكن العملاء من استخدام بطاقات الدفع الخاصة بهم، كما تعطلت الخدمات المصرفية عبر الإنترنت. وقد تم تنفيذ مثل هذه الهجمات الإلكترونية بشكل متكرر ضد أوكرانيا في السنوات الأخيرة.
لكن قبل التصعيد الحالي، بالكاد كان العالم يلاحظ هذا. إلا أن كل هذه العمليات هي جزء من حرب روسيا الهجينة ضد أوكرانيا. إنها الحياة اليومية للناس هناك! وهي كذلك منذ ثماني سنوات! تقول مارغاريته كلاين، الباحثة في شؤون أوروبا الشرقية في "المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن" في برلين (SWP): "في مبدأ الحرب الهجينة، تعتبر الوسائل غير العسكرية ذات أهمية خاصة".
وتوضح كلاين: "لا يتعلق الأمر في المقام الأول بالاحتلال العسكري للأراضي، بل يتعلق بتأمين النفوذ. إن إظهار القوة العسكرية مثل نشر القوات، والمناورات العسكرية في بيلاروسيا، ولكن أيضاً الاتصالات المتطابقة زمنياً، على سبيل المثال عند الإعلان عن الانسحاب، هي جزء من صندوق أدوات أوسع. الأمر يتعلق أيضاً بتحديد الروايات (طريقة السرد)"، مشيرة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتقن ذلك "ببراعة".
توتر في العالم وسكينة في كييف!
من يستمع إلى الشبكات الأوكرانية ويتحدث إلى الناس هناك خلال هذه الأسابيع، قد يلاحظ ما يدهشه! فبينما تناقش السياسة العالمية العدوان الروسي على أوكرانيا بتوتر وحماس، يبدو أن الكثير من الناس على الأرض يشعرون بالسكينة بشكل مدهش!
بالتأكيد، هناك أيضاً عائلات تشعر بالقلق وتفكر الآن في مغادرة البلاد للانضمام إلى أقاربها في ألمانيا أو بولندا، كما تستعد إسرائيل لحملة إجلاء مكثفة لليهود في أوكرانيا، وافتتحت نهاية الأسبوع الماضي القنصلية في كييف خارج ساعات العمل العادية. لكن في كييف نفسها تسود السكينة. من الواضح أن الناس قد اعتادوا على الحرب الهجينة التي تشنها روسيا ضد بلادهم، وربما اكتسبوا المرونة بسبب ذلك. فالأمور على هذا النحو منذ ثماني سنوات: منذ ما يسمى بـ"ثورة الكرامة" في الميدان في العاصمة كييف.
تقول كلاين: "إنها استراتيجية استنزاف تُستخدم لمحاولة الضغط على أوكرانيا، داخلياً بشكل أساسي، وبالتالي إعادتها إلى نهج مؤيد لروسيا على المدى الطويل"، وتضيف: "أحد الأهداف هو بالتأكيد جعل الغرب يشعر بالتعب إزاء أوكرانيا". هذه هي الطريقة التي تشرح بها الخبيرة صعود وانخفاض التصعيد.
فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه حصل على موافقة بوتين على عقد قمة أمريكية روسية، وذلك بعد مكالمتين هاتفيتين مع زعيم الكرملين، استغرقت كل منهما عدة ساعات. لكن بعد ذلك بوقت قصير، أعلنت موسكو أن المحادثات لم تتقدم إلى هذا الحد!.
وتوضح كلاين أن الامر يتعلق بالانطباع الذي يتم تكوينه و"خصوصا تصوير الإدارة الأمريكية على أنها مصابة بجنوب الارتياب". ويشمل ذلك أيضاً، بحسب كلاين، الإعلان عن الانسحاب خلال زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى موسكو، والذي تبين فيما بعد أنه (الانسحاب) غير صحيح. وتتابع كلاين: "حتى الآن لم نر أدلة كافية على انسحاب كبير"، خاصة من قبل تلك الوحدات التي جاءت من بعيد، مثل سيبيريا أو الشرق الأقصى. انسحاب هذه القوات فقط سيكون في الواقع بمثابة إشارة تراجع، وفقاً لكلاين.
بوتين يريد أن يضرب اقتصاد أوكرانيا
العرض العسكري له تأثير ملموس على اقتصاد أوكرانيا. فبسبب خطر الحرب - سواء أكان ذلك حقيقياً أم لا- لحقت أضرار كبيرة بشركة الطيران الوطنية "أوكرانيا الدولية"، واضطرت الحكومة إلى دراسة إنشاء صندوق أمان لشركة الطيران بقيمة نصف مليار يورو. كما أعلنت شركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" أنها ستعلق رحلاتها إلى كييف.
تقول كلاين إن مسار أوكرانيا المؤيد لأوروبا يتلقى دعماً اقتصادياً من الغرب، وخاصة من الاتحاد الأوروبي. لذلك فإن أحد أهداف بوتين في الحرب الهجينة هو "ضرب الاقتصاد الأوكراني" بحسب الباحثة.
وترى كلاين أن روسيا لا يهمها في المقام الأول وجود حاجز أمني ضد دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الناتو، بل إنهاء توجه أوكرانيا نحو الغرب تماماً، وتوضح: "الحرب الهجينة تخلق حالة من عدم اليقين تهدف أيضاً إلى تخويف المستثمرين".
التعافي السريع من تداعيات كورونا
من الناحية الاقتصادية، تحقق أوكرانيا نجاحاً مفاجئاً في توجهها نحو الغرب. في العام الماضي، تعافى حجم التجارة بين ألمانيا وأوكرانيا وحدهما من صدمة جائحة كورونا، وذلك خلال عام واحد فقط. لقد عاد الآن إلى 7.7 مليار يورو. قال رئيس غرفة التجارة الألمانية الأوكرانية، ألكسندر ماركوس، خلال مؤتمر عبر الإنترنت في شباط/فبراير: "يتنامى الانطباع بأن أوكرانيا يمكنها إدارة أمورها بمفردها". وحول حرب بوتين الهجينة قال: "لا أعتقد أن ذلك سينجح"، وأضاف أنه يرى في البلد قبل كل شيء "شباباً يريدون تحقيق شيء ما".
إن روح "ثورة الميدان" المؤيدة لأوروبا هي التي تجعل أوكرانيا مثيرة للاهتمام للغاية بالنسبة للمستثمرين الغربيين. فالكثير من الأوكرانيين كانوا وقتها من التلاميذ والطلاب- لكن عدداً غير قليل منهم الآن من مؤسسي الشركات الناشئة ورجال الأعمال الشباب. وكتبت إحدى المراقبات مؤخراً على تويتر أنها كانت تسمع من مراسلين متحمسين يفكرون في الحرب أنهم مندهشون من "محبي صرعات الموضى والموسيقى" في كييف!
وبالنظر إلى ذلك، يتضح سبب تصعيد الكرملين حالياً للحرب الهجينة بهذه الطريقة. وبالاختباء وراء مسألة عضوية أوكرانيا في الناتو، أظهر بوتين أنه تتم مراقبة النجاحات المؤيدة لأوروبا في أوكرانيا في الكرملين. فقد قال بوتين: "إن لم تُقبل أوكرانيا غداً، فمتى سيتم قبولها؟ يُقال عندما تكون مستعدة"، وأضاف: "عندها يكون الأوان قد فات بالنسبة إلينا"!
فرانك هوفمان/م.ع.ح