مركز "الحياة" في مواجهة التطرف
٨ يونيو ٢٠١٥
DW: بالإشارة إلى إنشاء مركز "الحياة" للإرشاد في مدينة بون التي تعد معقلا لناشطين سلفيين. ما الهدف من هذا المركز؟
كلوديا دانتشكه*: نريد مساعدة الأسر، وغالبا ما الوالدين، لمساعدتهم في إبعاد أبنائهم من مثل هذا الوسط المتطرف. نسبة 70 في المائة من الحالات التي عالجها تمت بعد حضور الأمهات إلى مركز "الحياة" لطلب إرشادات بشأن التطرف السلفي.
السلطات تقول إن نسبة 50 في المائة من الشباب الذين اعتنقوا الإسلام متطرفون. ما هي خصوصية الأسر التي تتصل بكم لطلب المساعدة؟
الأسر من شرائح اجتماعية متعددة، فهي أسر ألمانية وأسر مهاجرة مسلمة أوغير مسلمة ومنها أسر علمانية وأخرى محافظة. ليس هناك من شريحة اجتماعية لم يتأثر أبنائها بالتطرف. ونحن نأمل في مدينة بون أن نتوفق بمساعدة موظفينا، الذين يعتنق بعضهم الإسلام، من اختراق هذا المحيط، لأن أغلب المتطرفين يثقون بإمام مسجد ما ولا يفضلون التعامل مع مؤسسة إدارية أو التعامل مع منظمة غير حكومية غير مسلمة. كما إن الأسر المتضررة تخشى على أبنائها وتخشى أيضا ترديد شعارات مناهضة للإسلام، وهي متأكدة من ضرورة العمل على بناء الثقة وتكثيف الجهود بين جميع الأطراف لمعالجة هذه الظاهرة.
ما الذي يجعل هؤلاء الشباب عرضة للاستقطاب من طرف متطرفين إسلاميين؟
لاحظنا أن التطرف يلحق الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و27 عاما، في سن يبدأ فيها الشباب في الانفصال عن ذويهم. فالكثير منهم لا يستطيع إثبات مكانته في المجتمع ولهم شعور بالتهميش والإقصاء. اللجوء إلى وسط متطرف أو إلى مايسمى بــ"تنظيم الدولة الإسلامية" والرغبة في المشاركة في القتال في سوريا يتم من أجل إفراغ مشاعر الكراهية وتبرير الاحباطات، حيث يمنحهم ذلك إحساسا بالانتماء إلى محيط يتسم بنوع من الدفء الاجتماعي. ورغم أن إيديولوجيا الانزلاق إلى التطرف أوالذهاب إلى سوريا للقتال تبدو وكأنها غير فعالة، فإن مخاطرها على الشباب تبقى قائمة بشكل قوي.
كيف يتم جذب واستقطاب هؤلاء الشباب؟
خلال السنوات الأخيرة تَمَيَّز أداء دعاة السلفية المتشددة في أعمال الاستقطاب، كما نهجوا وتفننوا في خطابهم الديني فأصبح هؤلاء الشباب يرون في الدعاة إخوة كبارا لهم، حيث إن هؤلاء الدعاة سلكوا أيضا نفس الطريق في التطرف الذي يرغب هؤلاء الشباب سلوكه أيضا. هؤلاء الدعاة يتحدثون لغة الشباب وهم عالمون باحتياجاتهم أشد المعرفة وبكيفية تسويق عرضهم العالمي المتمثل في هوية واحدة، ألا وهي هوية "المسلم" دون قيود ومفارقات. ويؤكد هؤلاء الدعاة أيضا على أن الحسب والنسب لا يلعب أي دور في تنظيمهم بقدر ما يلعبه الشخص نفسه من أهمية في هذه المعادلة. عرض لا يكاد الشباب الحصول عليه حاليا في أي مكان آخر. ويقدم هؤلاء الدعاة عروضا جذابة للشباب، مثل مواجهة المجتمع. لذلك "يجب علينا نحن أيضا أن نقدم للشباب عروضا وإمكانيات لانتقاد المجتمع ولكن بشروط يتم فيها احترام الديمقراطية".
ارتفاع نسبة التطرف في صفوف الفتيات. ما الذي يجعل هؤلاء الفتيات عرضة للاستقطاب في نظركم؟
30 في المائة من الحالات التي نعالجها متعلقة بفتيات وشابات. 10 في المائة من الفتيات توجهن إلى سوريا ولازالت هذه النسبة في ارتفاع مستمر. وهي بمستوى 15 بالمائة وقد تصل 20 في المائة. وتنتمي هؤلاء الشابات لشرائح اجتماعية مختلفة، وهناك من يرغب منهن في صنع التاريخ من خلال نشر هذا الفكر.
ولدينا أيضا فتيات مراهقات يرون في المقاتلين الجهاديين في سوريا نجوم هذا العصر، فتيات لم يعد المغني الكندي "جوستين بيبر" نجمهم المفضل بل المقاتل السلفي ومغني الراب السابق "ديزو دوغ" وغيرهم من "المقاتلين الحقيقيين" الذين تعرفوا عليهم في الشبكة العنكبوتية.
هناك أيضا فتيات من أوساط مسلمة محافظة، يتمتع فيها الإبن بحرية شاملة بعكس ما تتمتع به الفتاة من حقوق، مما يدفع بها إلى الانتفاضة على ذويها والبحث عن البديل الذي تجده في مثل تلك الأوساط المتطرفة. المتطرفون من بين السلفيين يغتنمون مثل تلك الفرص، فيصفون الأب بجهل "الإسلام الحقيقي" لأنه وجب على الأب أن لا يسمح لشقيقها بالذهاب إلى المراقص الليلية والمشاركة في الرحلات المدرسية أو دخول مدارس بفصول مختلطة. ويعطي خطاب السلفيين المتشددين الانطباع للفتاة بأنها تتمتع بحقوق وواجبات تسمح لها بتلقين "الإسلام الحقيقي لعائلتها ".
وهناك نوع آخر من النساء اللواتي اتسمت حياتهن دائما بالتحرر ولكن يتصورن بأن المرأة لن تحصل على الاعتراف المستحق إلا من خلال عيش حياة تقليدية كربة بيت ودون العمل خارجه. وترى هؤلاء النساء أن دور المرأة يكتمل من خلال الزواج والاعتناء بالزوج وإنجاب الأطفال حتى يمكنهم الحصول على الاحترام الكامل . هناك إذن أنواع مختلفة جدا من النساء اللواتي يغادرن باتجاه سوريا.
هل يجب على العائلات التي يتم إرشادها تغيير نظرتها للأشياء؟
نعم وبشكل كبير، هناك استشارت مع العائلات، حيث نعالج سلوكياتهم. فإذا كانت هناك رغبة لدى هؤلاء الشباب أو الشابات باتجاه الدين فعلى الوالدين مرافقتهم إلى الأماكن التي يقصدونها والاستماع إلى العروض المقدمة وأخذ مبادرة النقاش والتواصل معهم. ومن الخطأ مقاطعة كل شيء له طابع إسلامي واعتباره سيء للغاية. ننصح بمرافقة الشباب والفتيات إلى المسجد والتعرف على الأجواء هناك، وعلى الآباء أيضا الإفصاح عن رأيهم الخاص بصراحة إذا لم يعجبهم موقف معين هناك. وينطبق ذلك أيضا على المعلمين وأولياء الأمر.
عندما يعبر الشاب أو الفتاة عن الرغبة في التعرف أكثر وأكثر عن بعض الأمور الدينية فيجب علينا إن نعودهم على كيفية طرح الأسئلة والتمعن في الإجابات، لأن مثل ذلك سيدفعهم مستقبلا إلى التعامل مع جميع المؤثرات بشكل نقدي والبحث عن إجابات خاصة بهم، وهذا ما ينبغي أن نسعى له حقا. ويجب على الأسر دمج الشباب والفتيات في الحياة اليومية ومنحهم المزيد من الفرص وليس فقط داخل الأسر وإنما أيضا داخل المجتمع والمدارس والجمعيات المرتبطة بالمساجد أيضا.
* كلوديا دانتشكه: مديرة مركز "الحياة" للإرشاد في ألمانيا، مركز يقوم بتقديم نصائح للآباء والأمهات وأولياء الأمور ولمن تم استقطابهم من طرف دعاة التطرف أو بعض العائدين من الحرب في سوريا إلى ألمانيا. وقررت الحكومة الاتحادية تمويل فرع جديد لمركز "الحياة" للإرشاد في مدينة بون التي تعتبر أحد معاقل السلفيين في ألمانيا.