دور ألمانيا العالمي الجديد
٢٩ أكتوبر ٢٠١٦كان بوتين يخطط لزيارة فرنسا في الأسبوع الماضي إلا أنه توجه إلى برلين عوضاً عن ذلك وهذه الزيارة هي الأولى منذ أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم إلى روسيا في بداية عام 2014. كان موضوع النقاش يتمحور حول النزاع في أوكرانيا، إذ قادت ألمانيا وفرنسا جهوداً دولية لاحتواء هذه الأزمة في السابق.
إلا أن اتفاقية مينسك التي وقعتها أوكرانيا وروسيا وتنص على وقف إطلاق النار ضمن مساعٍ جدّية أخرى لتهدئة الوضع، تبدو عديمة الجدوى. تمثل القمة التي جرت بين المستشارة ميركل والرئيس أولاند وبوتين وبيترو بروشينكو رئيس أوكرانيا، مثالاً حديثاً عن دور ألمانيا العالمي الجديد. يتبلور هذا الدور من خلال الدبلوماسية والوساطة والحوار.. والتهديد إن لزم الأمر.
ضد استخدام القوة
لخص وزير الخارجية فرانك والتر شتاينماير هذه الفكرة من خلال مقال لمجلة (فورن افيرز) كتب فيه :" لا يعتقد الألمان أن بإمكان المحادثات على الطاولة المستديرة حل أي خلاف، كما لا يمكن لاطلاق النار حلها أيضاً"، بمعنى آخر، تسعى ألمانيا لتحقيق التوازن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.
كما قال ماركوس كيم، خبير في الشؤون السياسية الأمنية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، " تصيغ ألمانيا الآن السياسة الخارجية عوضاً عن تنفيذها فقط".
دور جديد في السياسة الخارجية
يرى كيم بأن دور ألمانيا الجديد على المسرح العالمي تطور نتيجة التغيرات التي حدثت على النطاق العالمي. قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي ونهوض اليمين الشعبوي وحزب الجبهة الوطنية المناهضة للعولمة في فرنسا، ترك فراغاً يتطلب تواجد قوة قيادية في أوروبا. وفي الوقت نفسه، لم تعد الولايات المتحدة ترغب بلعب دور (شرطي العالم) فقد سئم الأميركيون الحرب.
لهذا السبب برز دور ألمانيا المحوري على الساحة العالمية في السنوات الأخيرة، إذ ساهمت بشكل ملحوظ في محادثات السلام لحل نزاعات متعددة حول العالم منها أوكرانيا، وسوريا، وكولومبيا، وليبيا، ومالي والعراق، ودول البلقان.
أخذت على عاتقها مزيدا من المسؤولية
وعدت ميركل بزيادة الإنفاق الدفاعي في السنوات القادمة ليصل إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي وهي النسبة التي حددها حلف شمال الأطلسي. وتلقى قرار ألمانيا بنشر كتيبة من القوات بليتوانيا في إطار مبادرة منظمة حلف شمال الأطلسي ترحيباً من القيادات اوروبا الشرقية التي اعتبرته" اختراقا".
تترأس ألمانيا هذه السنة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا كما تسعى إلى أن تصبح عضوا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاتخاذ مسؤوليات إضافية على الصعيد العالمي.
برلين تمثل أوروبا
"حدث تغيير في الدبلوماسية الألمانية" هذا ما قاله توبياس بونده، رئيس السياسة والتحليل في مؤتمر ميونخ للأمن، وأضاف: "لقد رأينا هذا من خلال النزاع في أوكرانيا، حيث لعبت ألمانيا دوراً بارزاً بتحديد الجهود الدبوماسية الغربية. وللمرة الأولى تتراجع الولايات المتحدة عن دورها القيادي".
وبينما ينسحب الآخرون، كانت ألمانيا تنتهز الفرصة للمضي قدماً. وتضاعف عدد السياسيين الذين زاروا برلين خلال العامين الماضيين. ولا يقتصر الأمر على واشنطن فقط برؤية ألمانيا في هذا الدور القيادي.
وقال كيم : "في الدوائر الدبلوماسية عندما تذكر الصين أوروبا فهي بالتأكيد تقصد برلين".
جديدةعلى هذا الدور
هينينغ هوف، رئيس تحرير "مجلة سياسة برلين" التي تنشر من قبل المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، قال:"التوقعات من ألمانيا عالية جداً، ولكن علينا أن نفهم هذا الأمر هنا في برلين".
"مازالت ألمانيا لا تعترف بأنها تلعب دوراً هاماً أساسياً في السياسة الخارجية، نحن غالباً نتحدث عن أهمية الوساطة، ولكننا لا نلاحظ أهمية المشاركة الفعلية بذلك". غير أنّ المشاركة بشكل أكبر وخصوصاً فيما يتعلق بالتدخل العسكري تثير جدلاً كبيراً في ألمانيا. إذ يواجه كل انتشار عسكري ألماني تدقيقا عاما مكثفا بالإضافة إلى موافقة برلمانية.
الطلب سيرتفع
كما قال توبياس بونده: "عندما يتعلق الأمر بمسارح استراتيجية خارج المنطقة الأوروبية الأطلسية، على سبيل المثال: سوريا، أو شمال أفريقيا، نجد بأن التدخل الألماني يصبح محدوداً". كما أضاف :" وعندما تتحدث مع الناس في فرنسا مثلاً، ستجد بأن الكثيرين يرغبون بتدخل ألماني أكبر، وهذه المطالب بالتأكيد ستصبح أكبر مستقبلاً مما يفرض تحديات كبيرة جديدة على عاتق السياسيين هنا".
أصبحت السياسة الخارجية موضوعاً مثيراً لمعظم النقاشات بين السياسيين والموطنين الألمان على حد سواء. كما وضح هينينغ هوف :"فضّل السياسيون الألمان لسنوات طويلة العمل على القضايا الداخلية عوضاً عن السياسة الخارجية، إذ لم يجدوا فيها ضرورة تعود بالنفع على بلادهم".
قضية الانتخابات
تغيرت العقلية الآن، وباتت السياسة الخارجية محط اهتمام الساسة الالمان، خصوصاً بعد ظهور أزمة اللاجئين التي وضعت سوريا على جدول الأعمال الوطني. وسيكون دور ألمانيا العالمي نقطة جدلية هامة في الانتخابات الاتحادية المقبلة في الخريف القادم. وكما يعتقد العديد من خبراء الأمن بأن هذا الجدل ضروري جداً لتعريف دور ألمانيا على الساحة الدولية بشكل اوسع.
شارلوت بوتس/ ريم ضوا.