مسابقة دولية لجمع المفردات الألمانية المهاجرة
١٥ ديسمبر ٢٠٠٦الأمم كالأفراد كائنات اجتماعية لا تقوى على العيش دون الحاجة إلى الآخرين، مما يسمح بإنشاء علاقات تأثر وتأثير تشمل ميادين مختلفة، الاجتماعية والسياسية واللغوية على سبيل المثال. وعلاقة التأثر والتأثير هذه تعتبر في الكثير من الأحيان جدلية فكرية تخضع لاعتبارات مختلفة كالقوة الحضارية والنفوذ السياسي والحضور الثقافي. ولعلّ أشكال التلاقح الثقافي والتواصل الحضاري والعلاقات اللسانية بين الشعوب قد تعد صورة مشرقة في رحلة الثقافة عبر القرون والحضارات. ولذا فلا غرابة أن تكون هجرة الألفاظ والاقتراض المعجمي من الظواهر اللغوية الطبيعية الحتمية التي تنشأ نتيجة لاحتكاك الحضارات والثقافات. كما أنه عبر رحلة الألفاظ والانتقال من بيئة لغوية إلى أخرى فإن تغييرا ما قد يطال هذه المفردات سواء في التراكيب البنيوية المقطعية أو الجوانب الصوتية أو الدلالية.
طبيعة المسابقة
واللغة الألمانية في هذا الإطار تشكل أنموذجا يحاكى من حيث القدرة على التأثر والتأثير والتواصل مع لغات أخرى. ورغم ذلك فإن اللغة الألمانية تبقى لها خصوصيتها التي قد تتجلى في حقيقة أن العديد من الطلبة الأجانب الذين يتعلمون اللغة الألمانية في بلدانهم يشقون طريقا صعبا في التعامل مع قواعد اللغة الألمانية وتراكيبها. كمأ ان هذه الصعوبة أيضا تطال عملية نظم الجمل ونطق الأصوات بطريقة صحيحة التي طالما يجد العديد من الدارسين صعوبة في نطقها وضبطها. ولكن عندما يصل هؤلاء إلى ألمانيا فإنهم يرون صورة مغايرة للغة التي كانوا يتعلمونها. فهم يرون ذلك التلون اللغوي والنطقي بين أبناء اللغة الألمانية الأم. وعلى الرغم من أن عصر المعلومات الرقمي في معظمه مصبوغ بصبغة أمريكية إلا أن هناك لغات أخرى لها حظوظ ووجود في هذا الشأن. وحرصا من المؤسسات اللغوية على الحفاظ على اللغة الألمانية وتتبع جذورها فقد نظم مجمع اللغة الألمانية مسابقة دولية، شارك فيها أشخاص من أكثر من سبعين دولة. هذه المنافسة تقوم في أساسها على رصد الألفاظ الألمانية التي هاجرت إلى لغات مختلفة، حيث تم جمع أكثر من 6000 كلمة تعود في أصولها إلى اللغة الألمانية.
استجابة دولية
لقيت هذه المنافسة استجابة دولية واسعة الانتشار، كما أوضح رادولف هوبيرخ ، أحد القائمين على تنظيم هذه المسابقة. لقد أوضحت نتائج هذه المسابقة أن اللغة الألمانية ليس لها حضور عالمي على مستوى الألفاظ التقنية والفلسفية فحسب، بل أيضا في مجال التسلية والدعابة. ومن البدهي أيضا أن تكتسي الألفاظ دلالات مختلفة بتلون الشعوب والثقافات، فهي تلبس لباسا جديدا في اللغة التي هاجرت إليها غير الذي كانت عليه في اللغة الأم. وعن تجربتها حول هذا الموضوع تروي لنا سوسانا بيتر كيف أنه في زيارة لها إلى فنلندا عندما شاهدت على لوحة الكترونية لأحد حافلات النقل كتب عليها Kaffepaussi، فظنت أن سائق الحافلة يأخذ استراحة، ليتبين لها في نهاية الأمر أن اللغة الفنلندية قد أضافت إلى هذه الكلمة دلالة جديدة وهي أن الحافلة خارج نطاق الخدمة.
نتائج مدهشة
لقد استطاعت اللغة الألمانية أن تجد طريقها إلى العديد من اللغات العالمية الواسعة الانتشار كاللغة الإنجليزية، في كلمات مثل Kindergarten وSauerkraut التي مازلت تستخدم في اللغة الإنجليزية بصورتها الألمانية. ولكن في الوقت نفسه فإن المشروع الذي أطلقه مجمع اللغة الألمانية لا يهدف إلى إحصاء الكلمات الألمانية الوافدة إلى لغات أخرى فحسب، بل يهدف إلى دراسة السياقات التاريخية والاجتماعية التي واكبت عملية هجرة هذه الألفاظ، ليكون الهدف الأكبر دراستها دراسة تأريخية تأصيلية دلالية. وعن المفهوم الشمولي لهذا المشروع يقول اللغوي هوبيرج: "نريد أن نعرف ما السياق الذي دخلت فيه الألفاظ الألمانية إلى هذه الدول وما الدلالة التي اكتستها في كل بلد ومدى تقاربها أو تطابقها أو اختلافها مع الاستخدام الألماني لها." ومن الأمثلة على التقارب اللغوي استخدام أهل الكاميرون لكلمة Banop في إشارة إلى الكلمة الألمانية Bahnhof والتي تعني محطة القطارات المركزية. وفي هذا السياق يقول هوبيرج: "مفردات اللغة الألمانية معروفة في العالم بشكل لم نكن في يوم ما نتصوره."
ومهما يكن من أمر فإن هذه المسابقة اللغوية الدولية كشفت عن مدى التواصل الثقافي بين الحضارات واللغات الذي لا تستطيع الحواجز الجغرافية والسياسية صده وأن اللغة أشبه بنحلة تنتقل من ريحانة إلى ريحانة ومن ثقافة إلى ثقافة، لتجد فيها ضالتها ودلالتها الجديدة التي مهما ابتعدت في صورتها عن اللغة التي وفدت منها إلا أنها تبقى تحمل في طياتها جينات اللغة الأم.