مساعي لإحياء مشروع الدستور الأوروبي بعد عام من الجمود السياسي
٣٠ مايو ٢٠٠٦في التاسع والعشرين من شهر مايو/آيار 2005 أعلن 55 بالمائة من الفرنسيين عن رفضهم للدستور الأوروبي في الاستفتاء العام الذي تم آنذاك، مقدمين بذلك أول ضربة للاتحاد الأوروبي، تبعتها صدمة رفض الدستور في هولندا. وأدى هذا الرفض إلى توقف مشروع الدستور تماماً، حيث أن تطبيق الدستور يتطلب إجماع الدول الـ25 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. رفض فرنسا، إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، كان بمثابة صدمة للاتحاد كله وأحدث شرخاً في التعاون الألماني الفرنسي. وبعد مرور عام على أول "لا" تلقاها الدستور الأوروبي، يجد الكثير من المراقبين أن الوضع أسوأ مما يتوقع السياسيون. فبالرغم من التوسع الأوروبي المستمر، لا يشهد الوضع الاقتصادي تقدماً ملحوظاً، وقد وصل عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 20 مليون شخص، كما أن الرأي العام يشكك في فعالية المؤسسات الأوروبية المشتركة. ومما يزيد من صعوبة الأمر هو عدم تمكن الدول الأعضاء الـ25 من الاتفاق على خطة بديلة فيما يخص الدستور الأوروبي بهدف تحسين عملية اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى اقتراب موعد إجراء الانتخابات في كل من فرنسا وهولندا العام القادم. ويعد التوصل إلى دستور مشترك أمراً ضرورياً في ظل التوسعات المستمرة للاتحاد الأوروبي.
هل هددت الـ"لا" الوحدة الأوروبية؟
ماركو إينسيرتي أحد الباحثين في المركز الأوروبي للعلوم السياسية في بروكسل يؤكد أن الأزمة أكبر مما تصور البعض ويضيف: "الاتفاق على الخطة البديلة يسير جيداً كما كان من قبل وبنفس الفاعلية، إلا أن شيئاً ما قد تغير، فلقد تدهورت الأجواء السياسية داخل أوروبا، مع زيادة الاهتمام بالمصلحة الوطنية على حساب المصلحة العامة". أي أن أوروبا مازالت تتحرك نحو الاتحاد، لكنها قد فقدت روح الاندماج وروح العائلة، على حد تعبيره، حيث انشغلت كل دولة بقضاياها الداخلية ومصالحها الخاصة. ويبدو أن باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، وحيد في سعيه إلى اتخاذ مبادرات فيما يخص أوروبا، فالدول الكبرى منشغلة بمشاكلها الداخلية. ومن المرجح أنه لن يتم أي تغيير جذري في المشاريع الأوروبية قبل الانتخابات المنتظرة في كل من فرنسا وهولندا العام المقبل 2007. ووسط هذه الأجواء غير الواضحة ترفض كل دولة أن تترك جزءاً من سيادتها لبروكسل، فكل دولة تبحث عن مصلحتها أولاً. الدول الخمس وعشرين مازالت ترفض اتخاذ سياسة موحدة فيما يخص الطاقة أو الصناعة وهو الأمل الوحيد لجعلها قوة سياسية ذات وزن في الساحة الدولية. كما الـ"لا" الفرنسية قد أدت إلى إيقاف المسيرة الأوروبية ونوع من البرود في العلاقات الفرنسية الألمانية مازال مستمراً، فموقف برلين من الدستور، الذي يناسب مصالحها لم يتغير، بينما مازال الرأي العام الفرنسي رافضاً لهذا الدستور. " لقد توقف المحرك الألماني الفرنسي. ألمانيا تبحث الآن عن تحالف جديد" هذا ما يراه الدكتور ارنست شتيتر، مدير معهد فريديريش ايبرت للدراسات الاجتماعية والديمقراطية في ألمانيا.
فرنسا تخسر مكانتها في الاتحاد الأوروبي بعد الـ"لا"
أما الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان فيرى أن فرنسا قد فقدت الكثير من تأثيرها في الاتحاد الأوروبي بعد رفض الدستور. "لم يرفض الفرنسيون نص الدستور نفسه، لكنهم رفضوا سلطة سياسية لم تكن آنذاك شعبية كما رفضوا انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي"، كما يقول ديستان. ويحمل ديستان رئيس الوزراء السابق وأحد المرشحين للانتخابات الرئاسية في 2007 لوران فابيوس مسئولية هذه الخسارة لأنه كان على رأس الحملة الدعائية الرافضة للدستور. ويتهم ديستان فابيوس بخديعة الفرنسيين بإدعائه أن هناك خطة بديلة لنص الدستور لكن هذه الخطة لم تظهر أبداً. إلا أن الفرنسيين الرافضين لهذا الدستور مازالوا يمثلون الأغلبية كما ظهر في استطلاع للرأي قامت به جريدة "لوباريزيان". ويقول فيليب دي فيلييه رئيس "حركة من أجل فرنسا" إن القادة الفرنسيين قد خانوا شعبهم، حيث أن المحادثات فيما يخص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مازالت مستمرة بالرغم من الرفض الشعبي الفرنسي لها كما أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك لم يلغ التوقيع الفرنسي على مشروع الدستور: "أعتقد أن الشعب الفرنسي قد قال كلمته بوضوح، إلا أنها لم تسمع من قبل القادة السياسيين. لقد خذل السياسيون شعبهم وخانوهم". ويضيف دي فيلييه أن وزير الداخلية ساركوزي وأحد المرشحين المتوقعين للانتخابات الرئاسية 2007 يريد أن يمرر الموافقة على الدستور خلال الباب الخلفي عن طريق الاكتفاء بالتصويت على المشروع في البرلمان. أما جريدة "ليمانيتي" فقد عبرت عن تشجيعها لرفض الدستور، حيث أن شيئاً لم يتغير، فالفرنسيون قد رفضوا من قبل صورة أوروبا الحالية "غير العادلة وغير الإنسانية وغير الديمقراطية".
محاولة إحياء المحادثات في فيينا
إلا أن الاتحاد الأوروبي غير"خامل" ومستمر في التقدم كما يؤكد الكثيرون ومن بينهم وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازيه الذي أكد في حديث تلفزيوني: "ليس من السليم أن نفترض أن أوروبا خاملة أو أن الاتحاد معطل اليوم، لأن الأمر على العكس من ذلك تماماً، وأوروبا مستمرة في التقدم وهذا هو المهم" وأضاف فيليب دوست بلازيه أن الكل يعرف أنه لا يمكن القيام باستفتاء جديد حول الدستور الأوروبي في العام المقبل " إلا أن هذا ليس أساسي، إنما الأهم هو أن تعرف أوروبا هل هي تتصرف اليوم كوحدة سياسية قادرة على مواجهة الأمريكيين والسوق الأمريكية الجنوبية المشتركة واتحاد دول جنوب شرق آسيا". ورغبة في إعادة الحركة للاتحاد الأوروبي، دعت النمسا وزراء الخارجية الأوروبيين للقاء في فيينا في عطلة نهاية الأسبوع للحديث عن مستقبل الاتحاد الأوروبي واستراتيجية التوسع استعداداً للقمة الأوروبية التي ستعقد في حزيران/يونيو القادم. وقالت أورسولا بلاسنيك وزيرة الخارجية النمساوية ورئيسة المجلس: "لقد نجحنا في إعطاء دفعة للمناقشة حول مشروع الدستور"، بينما عبر رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو عن عدم وجود اتفاق كامل بين الدول الأعضاء حول ما يجب عمله فيما يخص الدستور، لكنه أضاف: "يجب التقدم عبر مشاريع عملية واضحة، بدلاً من الإصابة بالشلل."
ألمانيا تتولى مسئولية خطة الدستور
أما وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير فقال" يجب أن نحترم ما يقوله أصدقاؤنا الفرنسيين والهولنديين" ووافقه في الرأي وزير خارجية لوكسمبورج جون أسلبورن الذي قال أكثر وضوحاً: "يجب أن نجد صيغة جديدة بدلاً من تلك الموجودة، لأنه لا يمكن مطالبة الفرنسيين والهولنديين التصويت على نفس النص". وقد أكد العديد من وزراء الخارجية الأوروبيين أثناء اجتماعهم في فيينا في عطلة نهاية الأسبوع على أهمية تأجيل التصويت على الدستور الأوروبي والذي تأجل لمدة عام بعد الرفض الفرنسي والهولندي، وكان من المفترض أن تنتهي المهلة في يونيو/حزيران من هذا العام. لكن الوزراء أجمعوا على ضرورة مد هذه الفترة حتى يمكن إيجاد الوسيلة للتوصل إلى صيغة مشتركة جديدة. وستصبح ألمانيا، التي ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في الأشهر المقبلة، المسئولة عن تقديم اقتراح وسيلة عملية لطريقة وضع مشروع الدستور في منتصف 2007 كما أكد شتاينماير. كذلك اتفق الوزراء على ضرورة التوصل إلى اتفاق على الدستور بشكل حاسم قبل 2009، إلا أن الكثير من المحللين السياسيين يشككون في إمكانية حسم الأمر بهذه السرعة.