مستقبل مجهول.. DW عربية تلتقي طلبة عرب فروا من أوكرانيا
١٨ مارس ٢٠٢٢لم يفصله عن تحقيق حلمه سوى عام واحد، فبعد نحو ستة أعوام قضاها الطالب التونسي علي في دراسة الطب في إحدى الجامعات الأوكرانية، بدأ حلمه يتبدد مع الغزو الروسي. فالحرب التي لم يتوقع حدوثها، أصبح دوي مدافعها يهز نوافد وأبواب غرفته بالسكن الجامعي، كما روى لـ DW عربية.
غادر علي رفقة عدد من الطلبة الآخرين مدينتهم متوجهين إلى الحدود الأوكرانية البولندية، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث "قضينا أربعة أيام متواصلة معظمها كانت مشيا على الأقدام. لم نذق خلالها طعم الزاد ولا النوم". يقول علي، ويتابع "عشت هذه الفترة وأنا لا أعلم إن كنت في كابوس لا أستطيع الاستيقاظ منه، أم أنه الواقع المر. قلة النوم والتعب والخوف، كل ذلك أثر على نفسيتي".
بعد رحلة المعاناة هذه، وصل علي ألمانيا. لكنه لم يستقر في أحد المراكز المخصصة لاستقبال اللاجئين الفارين من أوكرانيا، بل وجد صديقه في انتظاره. فاخر، شاب تونسي ومهندس، فتح باب بيته لعلي والعديد من الطلبة الآخرين عبر منشور على "فيسبوك". فاخر وعلي أصدقاء منذ طفولتهما وقد تقاسما مقاعد الدراسة في تونس. فاخر ذكر في حواره مع DW عربية: أنه يسعى إلى تقديم المساعدة بكافة الوسائل المتاحة لهؤلاء الطلبة، لكنه لا يريد أن يكون متشائما، ويأمل " ألا يعود علي وباقي الطلبة من الدول المصنفة على أنها آمنة إلى بلدانهم الأصلية. في هذه الحالة يجب تغليب الإنسانية على أية اعتبارات أخرى".
رغم شروده وهو يفكر في مستقبله الغامض، يبتسم علي بين الحين والآخر، ويأمل في مواصلة دراسته هنا في ألمانيا، وأن لا تضيع خمسة أعوام من عمره قضاها في دراسة الطب بعيداً عن عائلته ووطنه.
مستقبلهم على المحك!
قبيل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أوصت سفارة المغرب في كييف، جميع الطلبة المغاربة بمغادرة أوكرانيا. ياسمين كانت واحدة من هؤلاء، وتقول في حوارها مع DW عربية "كل المؤشرات كانت تدل على أن الحرب باتت قريبة منا لا محالة". ياسمين كانت تدرس طب الأسنان في السنة الثالثة. وعن توجهها إلى ألمانيا بالتحديد، أوضحت: "اخترت ألمانيا لأن لدي أقارب في مدينة فرانكفورت، كما تعرفت على البلد أكثر من خلال زياراتي المتكررة من قبل أثناء فترة العطلات".
قبل ستة أعوام أنهت ياسمين دراسة المستوى الأول من اللغة الألمانية وكانت تخطط للانتقال إليها بعد إنهاء دراستها بأوكرانيا من أجل متابعة دراستها في إحدى تخصصات طب الأسنان. لكنها تجد نفسها الآن في حيرة من أمرها، بعد رفض منحها ما يعرف بـ "الحماية المؤقتة" ومطالبتها بمراجعة سفارة بلدها، على حد قولها.
في حين حصلت صديقتها سهام، التي تدرس طب الأسنان منذ أربع سنوات في أوكرانيا، على حماية مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر. وذلك بعد أن تم استقبالها وفارين آخرين من أوكرانيا بأحد الفنادق في مدينة ميونيخ الألمانية. وعن اختيارها التوجه لألمانيا بدل المغرب، أوضحت سهام لـ DW عربية: "قصدنا ألمانيا لأن مستقبلنا في المغرب قد يكون أكثر ضبابية من هنا" وتابعت: "رغم الحرب، نحاول متابعة الدراسة بجامعاتنا في أوكرانيا عن بعد، لكن تواصلنا مع الأساتذة صعب للغاية في ظل الظروف الحالية، لكن مازلت مصرة على نيل شهادتي وتحقيق حلمي".
مثل باقي الطلبة، كانت سهام تحلم أيضاً بإكمال دراساتها العليا بأي بلد أوروبي آخر، لكن الحرب بددت هذا الحلم وبات كل ما تتمناه اليوم، هو "الحصول على إقامة هنا في ألمانيا من أجل دراسة اللغة وإيجاد فرصة عمل. لكن بعد إنقضاء الـ 90 يوماً من تصريح الحماية المؤقتة، لا أعلم ماذا سيحل بنا!".
طريق مسدود أمام الطلبة من هذه البلدان!
مستقبل سهام وغيرها من الطلبة المغاربة الذين قصدوا ألمانيا، بات غامضاً بعد إنقضاء هذه الفترة الزمنية. إذ وفق المادة 24 من قانون الإقامة الألماني، يمكن للأشخاص الفارين من أوكرانيا ولا يحملون الجنسية الأوكرانية، مثل الطلبة الأجانب، التقدم بطلب للحصول على إقامة مؤقتة لمدة 90 يوماً. يسمح القانون للمواطنين من دول أخرى أو الأشخاص عديمي الجنسية بالتقدم بطلب للحصول على الحماية المؤقتة في ألمانيا، لكن في حالة كانوا "لا يستطيعون العودة بأمان وبشكل دائم إلى بلدانهم الأصلية". وهو ما يعتبر مشكلة كبيرة للعديد من الطلبة الذين قصدوا ألمانيا وينحدون من الدول المغاربية، التي تصنف وفق القانون الأوروبي على أنها "بلدان آمنة".
من جانبها حذرت منظمة "برو أزول" الألمانية الإغاثية، الطلبة من تقديم طلب اللجوء للحصول على الإقامة والطعام. ففي حوار نشر على موقع المنظمة مع ديرك مورلوك، أحد المسؤولين عن الإستشارات في المنظمة، أوضح أن الإشكالية التي تواجه بالأخص الطلبة الأجانب في ألمانيا هي أن "إجراءات اللجوء تعد طريقاً مسدوداً للطلبة، لأن معظمهم لم يتعرضوا للاضطهاد في بلدهم الأصلي، إذ غادروا البلاد للدراسة".
بحسب أرقام رسمية حديثة نشرتها وزارة التعليم الأوكرانية، احتل الطلبة المغاربة المركز الثاني بعد الطلبة الهنود من حيث عدد الطلبة الأجانب في أوكرانيا القادمين من 158 دولة حول العالم، وبلغ عدد المغاربة المسجلين في الجامعات الأوكرانية إلى عام 2021 أكثر من 8200 طالب وطالبة. يضاف إلى القائمة الجزائر التي تحتل المرتبة الرابعة، بحسب موقع وزارة التعليم العالي الأوكرانية، بالإضافة إلى وجود طلبة من بقية الدول العربية مثل تونس والأردن ولبنان وسوريا وغيرها. يتركز الطلبة المغاربة في جامعات ومدن مثل زباروجيا ودنبرو وخاركيف وعلى الأغلب يدرسون الطب والصيدلة والهندسة.
يوصي ديرك مورلوك، الطلبة الفارين من أوكرانيا إلى ألمانيا، بالتواصل مع الجامعات أو ممثلي الطلبة خلال الأسابيع القليلة القادمة والبحث عن أماكن وفرص للدراسة.
ضوء في آخر النفق!
سارعت عدة جامعات ألمانية إلى تقديم الدعم الممكن للطلبة الذين فروا من أوكرانيا، كما أشار المتحدث باسم جامعة "هاينرش هاينه " في دوسلدورف، وفي رد على سؤال منDW عربية قال "نقوم حاليا بتطوير تدابير مختلفة (دورات اللغة، وبرنامج يدعى Buddy Program حيث تساعد الجامعة الطلبة في إيجاد صديق يكون طالباً من نفس الجامعة ولديه خبرة في الجامعة والمدينة أيضاً، بالإضافة إلى تخصيص أوقات مفتوحة للإستشارات والرد على تساؤلات واستفسارات الطلبة الفارين من الحرب في أوكرانيا". كما نشرت الجامعة على موقعها الإلكتروني معلومات حول برامج الدعم والإستشارت باللغتين الألمانية والإنجليزية، بالإضافة إلى اللغة العربية".
ناشطون من أصول مغاربية و وبعض منظمات المجتمع المدني في ألمانيا، بادروا إلى تقديم الدعم للطلبة الفارين من أوكرانيا. دنيا القرشي بوخارت، رئيسة الجمعية الألمانية المغربية للتبادل الثقافي والتواصل بمدينة هامبورغ الألمانية، توضح العمل الذي تقدمه رفقة العديد من الناشطين والمتطوعين الآخرين، في مقابلتها مع DWعربية وتقول "بصفتنا جمعيات المجتمع المدني، عملنا هو توضيح الخطوات الصحيحة التي على هؤلاء الطلبة اتباعها. نحاول أن نشرح لهم مثلا الحيثيات القانونية في ألمانيا، ومنها نقطة تعتبر إشكالية كبيرة حاليا وهي أن هؤلاء الطلبة، لا يطبق عليهم نفس القانون مثل باقي الأوكرانيين.وفي حالة تقديمهم طلب لجوء، ظناً منهم أنهم بهذا قد يستطعون البقاء في ألمانيا ومتابعة دراستهم أيضاً، قد يواجهون خطر الترحيل إلى بلدانهم الأصلية. نحن نحاول أن نشرح لهم الفرق بين الحماية المؤقتة واللجوء، كما نقدم لهم معلومات كافية عن الحياة والقوانين في ألمانيا، وكذلك الفوارق داخل جميع الولايات الاتحادية ".
إضافة إلى عملها بالجمعية، تدعم دنيا القرشي بشكل تطوعي لاجئين عرب قادمين من أوكرانيا، وجدوا أنفسهم بمفردهم في ألمانيا، كما ذكرت في حديثها، لأن "هذا الأمر له تأثير إيجابي على نفسيتهم. أحاول القيام بأنشطة مختلفة معهم مثل تناول وجبة الغذاء في الخارج أو الذهاب للتنزه في الطبيعة، لإدخال القليل من الفرحة إلى قلوبهم وإشعارهم بأنهم ليسوا بمفردهم في محنتهم".
إيمان ملوك، مدينة دوسلدورف