مسيّرات ومحاربة النار بالنار!.. طرق مكافحة حرائق الغابات
١٠ فبراير ٢٠٢٤تعود حرائق الغابات إلى مئات الملايين من السنين، لكنها تزايدت بوتيرة غير مسبوقة مؤخرا بسبب ارتفاع الاحترار العالمي وطول أمد مواسم الجفاف كأحد تداعيات ظاهرة تغير المناخ.
ويقول الباحثون إن انخفاض معدلات هطول الأمطار مع تزايد مواسم الجفاف يساهمان في جفاف الغابات لدرجة أن صواعق البرق العادية يمكن أن تتسبب في حريق صغير سرعان ما يتحول إلى حريق كبير.
ويكافح رجال الإطفاء في الوقت الراهن حرائق الغابات التي تجتاح منطقة فالبارايسو بوسط تشيلي في "أكبر مأساة" عرفتها البلاد منذ عقدين وأسفرت عن مقتل أكثر من 122 شخصا في حصيلة مرشحة "للازدياد بشكل كبير".
وشهدت كندا العام الماضي موجة من حرائق الغابات العنيفة التي أتت على أكثر من 18 مليون هكتار وتسببت في سحب دخانية وصلت إلى حدود الولايات المتحدة. وسبق ذلك نشوب حرائق في مساحات كبيرة من الغابات في إيطاليا واليونان وإسبانيا.
وعلى الجانب الآخر من العالم، تسببت حرائق غابات "الصيف الأسود" بأستراليا بين عامي 2019 و2020 في احتراق 24 مليون هكتار لدرجة أن الغابات الرطبة المقاومة للحرائق اشتعلت فيها النيران.
ومع استمرار البشر في حرق الوقود الأحفوري ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الاحترار العالمي، يتوقع العلماء تفاقم ظاهرة حرائق الغابات ما يعرض المزيد من التجمعات البشرية والكائنات البرية للخطر.
وفي تعليقه، قال هاميش كلارك، كبير باحثي كلية علوم البيئة والغابات بجامعة ملبورن في أستراليا، "لسنا على المسار الصحيح للحد من المخاطر. نحن بحاجة إلى تغيير المسار بشكل عاجل وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل جذري."
وشارك كلارك في كتابة مقال نُشر مطلع عام 2022 حول مخاطر حرائق الغابات في أستراليا وهو الأمر الذي دفعه إلى التحذير من أن "تغير المناخ يتجاوز قدرة أنظمة البشر البيئية والاجتماعية على التكيف. وصلت إدارة حرائق الغابات عند مفترق طرق".
تقرير DW يسلط الضوء على ثلاث طرق رئيسية لإدارة حرائق الغابات في إطار التكيف مع الواقع المناخي الجديد.
محاربة النار بالنار
تساعد عملية "الحرق الموصوف" أو المُتحكم فيه في أغلب الأحيان خلال الأشهر الباردة في تقليل مخاطر حرائق الغابات في الصيف عن طريق تقليل كميات الفروع اليابسة والأوراق الجافة القابلة للاشتعال خلال فترات حرائق الغابات.
وكانت هذه التقنية ضمن استراتيجيات إدارة حرائق الغابات في الدول المعرضة للحرائق مثل الولايات المتحدة وأستراليا والبرتغال وإسبانيا وكندا وفرنسا وجنوب أفريقيا.
وفي ذلك، قال فيكتور ريسكو دي ديوس، الأستاذ المشارك في مجال هندسة الغابات بجامعة ليدا في إسبانيا، إن هذه التقنية تعد "فعالة في تقليل ضراوة حرائق الغابات"، لكنه شدد على ضرورة أن تتم عملية "الحرق الموصوف" ضمن ظروف باردة مع خضوعها للرقابة والكثير من التحضير والاستعداد واليقظة.
ومع تعرض أوروبا وخاصة البلدان المحيطة بالبحر المتوسط مثل اليونان، لحرائق غابات صيفية أكثر شدة، يشير ريسكو دي ديوس إلى أن "الحد بشكل كبير من هذه المخاطر" سيتطلب حرائق موصوفة في نطاق 1.5 مليون هكتار.
وعقب تحول عملية حرق موصوفة خاضعة للرقابة في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية في مايو / أيار عام 2022 إلى واحدة من أسوأ حرائق الغابات في تاريخ الولاية، أعلنت السلطات الأمريكية تعليق مؤقت لهذه التقنية في جميع أنحاء البلاد.
الاستفادة من تجارب السكان الأصليين
يقول الباحثون إن سكان الولايات المتحدة وأستراليا الأصليين استخدموا شكلا من أشكال "الحرق الموصوف" الخاضع للرقابة لتقليل النباتات القابلة للاشتعال على مدار آلاف السنين قبل الاستيطان الأوروبي.
واستخدموا القبائل البدائية عمليات حرق "متكررة ومنخفضة الشدة" في الأشهر الباردة للحد من خطر حرائق الغابات ما أدى إلى إنشاء تضاريس مشجرة تشبه المتنزهات التي حافظت بدورها على التنوع البيولوجي.
وقال الباحثون في التقرير الذي نُشر مطلع عام 2022 إن إهمال تقنيات إدارة الحرائق التي كان السكان الأصليون يعتمدون عليها "جعل غابات أستراليا تمتلك الآن كميات من الوقود القابل للاشتعال أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الغزو الأوروبي".
ومنذ استعادة السكان الأصليين ملكية أراضيهم في تسعينات القرن الماضي، نجحوا في ممارسة إدارة تقليدية للحرائق في منطقة كيمبرلي في شمال أستراليا خلال موسم الجفاف البارد.
المسيّرات على خط النار
ويرى الباحثون أن المسيرات قد تكون وسيلة جديدة وفعالة في كبح جماح حرائق الغابات خاصة أن صور الأقمار الصناعية تساعد رجال الإطفاء على تتبع مسار حرائق الغابات.
وفي هذا السياق، تقوم فنلندا بدراسة مشروع يتضمن مراقبة 75% من مساحة الغابات عن طريق مسيرات بهدف تتبع مسار حرائق الغابات حال حدوثها.
وقالت إيجا هونكافارا، الأستاذة في المعهد الفنلندي للبحوث الجغرافية المكانية وعضو المجموعة البحثية التي تتولى الإشراف على المشروع، "نحن نعمل على تطوير تقنية جديدة للطائرات بدون طيار تعتمد على الذكاء الاصطناعي للكشف بسرعة عن حرائق الغابات وتوفير الوعي المكاني عند إخمادها".
ويتوقع فيكتور ريسكو دي ديوس أن بلدان وسط أوروبا الأكثر حرارة وجفافا وحتى الدول الإسكندنافية "ستعاصر موجات من حرائق الغابات ستكون ضارية في العقود القليلة المقبلة"، مضيفا أنه في عام 2019 قضت حرائق الغابات على 400 ألف هكتار في أوروبا، لكن هذا المعدل ارتفع بنسبة 25 في المئة العام الماضي.
وقالت إيجا هونكافارا إن الطائرات بدون طيار يمكن أن "تساعد في توفير معلومات مهمة في الوقت المناسب عن مسار الحرائق ومدى ارتفاع وسخونة النيران فضلا عن قدرة المسيرات في رصد الحجم الدقيق للحريق نظرا أنها مزودة بأجهزة استشعار عن بعد".
بيد أن الباحثين شددوا على ضرورة وجود اتصال قوي بالإنترنت لضمان نجاح العملية.
غابات مقاومة لظاهرة تغير المناخ
وأقر فيكتور ريسكو دي ديوس بأن "حرائق الغابات موجودة على الأرض منذ 420 مليون سنة، وقد تكيفت النباتات معها"، لكنه شدد على خصائص الغابات المتجددة ربما لم تعد كافية.
وقال الباحثون إن النظم البيئية للغابات المعرضة للخطر في حاجة إلى التكيف مع حرائق الغابات المتكررة من خلال زراعة المزيد من أنواع النباتات المقاومة للمناخ والجفاف.
وقال ريسكو دي ديوس "يجب علينا أن نفكر في النماذج المناخية المستقبلية مع زرع نباتات في الأماكن الجافة، لكن لا يجب أن يقتصر الأمر على زرع نباتات من نفس البيئة بل يمكن زراعة نباتات تنمو في المواقع الأكثر دفئا حتى تنمو تتكيف مع المناخ مطلع القرن وأن نبدأ التخطيط لذلك".
وشدد على ضرورة الأخذ في الحسبان "الظروف المناخية وأن تكون مناسبة لنمو العديد من النباتات والأشجار بما يتطلب إدارة دقيقة للغابات المتجددة في المستقبل قبل احتراقها."
وقال "إذا زرعنا أشجارا ثم نسيناها، فإننا نزرع غابات سوف تحترق في المستقبل".
أعده للعربية: محمد فرحان