مشاكل الهجرة إلى الدول الغنية والحلول الممكنة
أفاد تقرير اللجنة الدولية للهجرة GCIM إلى أن عدد المهاجرين في العالم وصل في الوقت الحاضر إلى 200 مليون نسمة مقابل 75 مليوناً قبل ثلاثين سنة. ويتوقع التقرير الذي تم عرضه في برلين قبل أمس الأربعاء اتساع ظاهرة الهجرة خلال السنوات القادمة. وفي هذا الإطار برز التزايد المضطرد في عدد المهاجرين من الدول الأفريقية والعربية منذ أكثر من عقدين. ويشير إلى هذه التوقعات في الوقت الحاضر توجه آلاف الأفارقة يومياً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط الشمالي قاصدين أوروبا ومتحملين عناء الصحراء الكبرى الذي يؤدي بعدد منهم إلى الهلاك. أما الاتساع المذكور فيعود بالدرجة الأولى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول على خلفية غياب الحريات وانتشار الفساد والتسلط السياسي والدكتاتوريات.
مشكلة الاندماج
يتوجه معظم المهاجرين في عالمنا إلى الدول الغنية وفي مقدمتها دول شمال أمريكا واستراليا والاتحاد الأوروبي. ويعود اختيارهم لهذه البلدان إلى سعيهم لإيجاد فرصة عمل تساعدهم على تحسين مستواهم المعيشي. غير أن غالبيتهم تعاني هناك من صعوبات كثيرة على صعيد الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة وفي سوق العمل فيها. ويبرز من بين هذه الصعوبات ضعف مستوى التأهيل مقارنة بالمستوى السائد في الدول الصناعية الغنية. ويزيد من تعقيد الأمور ظاهرة التمييز العلني والمبطن ضد المهاجرين وأبنائهم بسبب ازدياد حدة البطالة في هذه الدول. ولعل خير مثال على ذلك ألمانيا التي تعاني هذه الأيام من نسبة بطالة عالية وصل تعداد الذين يعانون منها إلى خمسة ملايين. ونظراً إلى صعوبة إيجاد عمل حتى بالنسبة للألمان، فإن الكثيرين منهم ينظرون إلى المهاجر أو أبنائه كمنافسين لهم في سوق على فرص العمل الآخذة بالتراجع. ومن شأن ذلك أن يولد حساسيات ويساعد على شيوع أحكام مسبقة تقف عائقاً أمام اندماج القسم الأكبر من المهاجرين في مجتمعهم الجديد وتنميته.
الاندماج يتطلب ضمان الحقوق ...
تزايد أعداد المهاجرين والمشاكل التي يواجهونها بسبب التمييز وغيره، كانت وراء الأسباب التي دفعت واضعي تقرير اللجنة الدولية إلى مطالبة الدول الغنية بوضع سياسة هجرة تضمن للمهاجرين حقوق العيش والعمل والاندماج في مجتمعاتهم الجديدة. ومما يعنيه ذلك توفير فرص التعليم والتأهيل لهم أسوة بغيرهم من الفئات الاجتماعية. كما تعني منحهم حقوق الإقامة التي تسمح لهم بالعمل دون قيود بدلاً من إقامة مؤقتة تحد من حريتهم ولا تساعد على اندماجهم. ويزيد من أهمية دمج المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة حاجة معظم الدول الصناعية الغنية إلى العمالة الشابة بسبب تراجع الولادات فيها لصالح زيادة نسبة كبار السن. وفي المدى المنظور يتوقع أن يخل هذا الأمر بالتركيبة السكانية في العديد منها، مما يهدد أنظمة التقاعد والضمان الاجتماعي فيها.
... وأكثر من تعلّم اللغة
غير أن مشكلة اندماج المهاجرين لا تقع فقط على عائق مجتمعاتهم الجديدة وسلطاتها. فهناك تقصير أيضاً من قبل عدد هام منهم أنفسهم. ويتجلى هذا التقصير في صور عديدة لعل أبرزها ضعف الجهود التي يقومون بها من أجل تعليم أنفسهم وتأهيل أولادهم بما يتناسب ومتطلبات سوق العمل في البلدان التي يعيشون فيها. كما يتجلى في موقفهم السلبي إزاء عادات وتقاليد وقوانين أبنائها. ومما يثير الاستغراب مطالبتهم إياهم باحترام عاداتهم وتقاليدهم دون أن يقوموا هم أنفسهم بالمثل. ومن باب المثال لا الحصر ينطبق هذا الأمر على عدد لا بأس به من أبناء الجاليات العربية والإسلامية في ألمانيا. وعليه فإن المطلوب منهم ليس تعلّم لغة مجتمعهم الجديد فقط، وإنما العمل على اندماج حقيقي ينطوي على التفهم والاحترام المذكور من جهة وعلى مشاركة أبناء مجتمعهم الجديد سرائهم وضرائهم من جهة أخرى.
مطلوب حل عالمي
مما لا شك فيه إن مشاكل المهاجرين وتزايد أعدادهم لا تلقي بظلال سلبية على البلدان الصناعية الغنية فحسب. فهي تعني على الجانب الآخر استنزاف العقول المبدعة في بلدانهم الأصلية، لاسيما وأن عدداً لا بأس به منهم من ذوي الكفاءات الجيدة. وعلى ضوء حرمان هذه البلدان منهم وعدم الاستفادة من كفاءاتهم كما ينبغي في الدول التي هاجروا إليها، يبدو استيعاب الهجرة العالمية تواجه مشكلة كبيرة هذا الأيام. وعلى طريق أيجاد مخرج يطالب أشخاص كالأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على حق بحل عالمي لمواجهة تحدي هذه الهجرة. ومما يعنيه ذلك فتح أسواق الدول الصناعية أمام المنتجات الزراعية والحرفية للبلدان الفقيرة والنامية بدلاً من مطالبتها تارة وإجبارها تارة أخرى على ترك أبواب أسواقها مشرعة أمام الصناعات والبنوك الأوربية والأمريكية واليابانية. ومما لا شك فيه أن خطوة كهذه ليست كافية، غير أنها تشكل بداية طريق طويل يساعد على الحد من تدفق المهاجرين بأعداد متزايدة، لكن سلوك هذا الطريق يتطلب تضحيات جريئة من قبل الدول الغنية.
ابراهيم محمد