1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصر – أي تأثيرات لاتفاقية "رأس الحكمة" على أسعار السلع؟

٢٨ فبراير ٢٠٢٤

بعد توقيع مصر والإمارات اتفاقاً للاستثمار بمنطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي بمصر، سادت أجواء إيجابية بعد الإعلان عن قرب دخول 35 مليار دولار للسوق المصري خلال شهرين.. فكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حياة المصريين اليومية؟

https://p.dw.com/p/4cxSd
أحد محال البقالة بمحافظة الجيزة ، مصر ، 21 مارس 2022
يتوقع خبراء قرب انخفاض أسعار الغذاء والمواد الأساسية مع دخول مليارات الدولارات إلى مصر لكنهم حذروا من الإفراط في التفاؤلصورة من: Mohamed Farhan/DW

يسود تفاؤل كبير الأجواء في مصر بعد توقيع اتفاقية رأس الحكمة بين مصر والإمارات وتشمل استثمارات بنحو  500 مليار دولار خلال 15 عاماً  لتطوير المنطقة الساحلية القريبة من مرسى مطروح.

بعد الإعلان عن الصفقة واقتراب تدفق مليارات الدولارات الي السوق المصرية المتعطشة للعملة الأجنبية، بدأ سعر الدولار في الهبوط أمام ا لجنيه المصري وخصوصاً في السوق الموازية (السوق السوداء) حيث انخفض من 72 جنيهاً تقريباً الى 53.35 (وقت كتابة الموضوع).

تدفقات دولارية ضخمة خلال شهرين

ستتسلم مصر وفقاً للصفقة مبلغ يقدر بحوالي 35  مليار دولار خلال شهرين على دفعتين، ما يعني إتاحة الدولار أخيراً لاستيراد مستلزمات الإنتاج والسلع الاستراتيجية والإفراج عن البضائع المحتجزة في الموانئ وتلبية احتياجات المستوردين وغيرها من الإجراءات التي يُتوقع أن تؤدي لإنتعاشة كبيرة في السوق المصرية.

وبعيداً عن الجدل السياسي الدائر حول تضخم الاستحواذات الإماراتية في مصر والتحذيرات من تأثيرات ذلك سياسياً واقتصادياً، يدور السؤال الكبير: ما هي تأثيرات تلك الصفقة على أسعار المواد الأساسية المشتعلة في مصر خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان؟.

أزمات في سلع أساسية

تعاني مصر من أزمة دولارية بسبب تراجع عائدات قناة السويس نتيجة هجمات الحوثيين على السفن في جنوب البحر الأحمر وانخفاض تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 30% تقريباً وتراجع عائدات السياحة، كما تشهد الأسواق عدم استقرار نسبي في حجم المعروض من الغذاء منها سلع استراتيجية كالأرز والسكر، كما تضاعفت أسعار الكثير من المواد الغذائية بشكل جنوني ترجعه الحكومة لأسباب خارجية، وسط تضخم حاد وتدهور في قيمة الجنيه المصري.

وبحسب بوابة الأسعار التابعة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بمصر، فقد وصل سعر كيلو اللحم 400 جنيه (12.95 دولار)، وسعر كيلو الدواجن 110.58 جنيه (3.58 دولار) وسعر كيلو السكر المعبأ 42.74 جنيه (1.38 دولار) فيما وصل سعر البيضة إلى 5.61 جنيه (0.18 دولار) واقترب سعر طن الحديد من 60 ألف جنيه (1941.76 دولار).

تفاؤل سابق لأوانه؟

وتدور أسئلة كثيرة حول الكيفية التي ستؤثر بها هذه التدفقات المالية نتيجة لهذه الاتفاقية على حياة المصريين اليومية وتوافر السلع الاستراتيجية، في ظل ما سببته أزمة الدولار من مشكلات في استيراد المواد الخام ولوازم التصنيع واحتجاز الكثير من الصادرات في الموانئ التي لم يتمكن المستوردون من توفير العملة الصعبة لإدخالها إلى مصر.

ويبشر الإعلام المصري بشكل مستمر بأن أسعار المواد الأساسية ستنخفض وأن السوق السوداء تشهد أيامها الأخيرة كنتيجة للاتفاقية التي عدها رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر" في البلاد، حتى أن بعض الإعلاميين طالبوا المصريين بشراء السلع الضرورية فقط انتظاراً لخفض الأسعار المرتقب:

 

لكن على جانب آخر، يخشى خبراء من أن تكون هذه التدفقات المالية بمثابة مخدر لا يدوم إلا لفترة قصيرة ينتهي بعدها تأثيره ليعود سعر الدولار للارتفاع مجدداً إلى دائرة 72 جنيه بعد أن هبط إلى 53.91 جنيها في السوق السوداء، فيما يبلغ السعر الرسمي (30.9386 جنيهاً) بحسب بوابة البنك المركزي المصري، فكيف يمكن إطالة أمد هذا التأثير الإيجابي؟

يرى الدكتور وائل النحاس المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال من القاهرة إن "مصر ليس بها أزمة نقص عملة وإنما لديها مشكلة في سوق صرف العملة، بدليل أن بها سوق سوداء منتعشة، وبالتالي فالعملة متوفرة لكنها لا تذهب إلى القطاع المصرفي الرسمي أو بمعنى آخر هناك سوء إدارة لسوق الصرف".

وقال في حوار هاتفي مع DW عربية إن المشكلة أن عنصر الثقة في الحكومة مفقود "فهذه الحكومة هي التي صنعت الأزمة وهي التي استغلت الأموال التي دخلت البلاد سابقاً وأهدرتها وأوصلتنا إلى المرحلة التي نعاني منها الآن، واليوم هذه الحكومة هي نفسها التي يفترض أن تُكمل المسيرة مع هذه التدفقات النقدية الجديدة، وأهم جانب لصناعة الأسواق هي الثقة، فالحالة المزاجية اليوم للمواطن والسوق عموماً سلبية في نظرتها للحكومة".

وقال الدكتور النحاس إنه يعتقد أن هذه الصفقة قد يكون لها تأثير جيد نسبياً في المدى القصير على حياة المواطن "ولا اعتقد أن ترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير قريباً"، لكنه استدرك قائلاً إن ما يخشاه هو "أن يتم رفع سقف أحلام المواطن في تحسن اقتصادي ربما لا يحدث .. المواطن بحاجة إلى إجراءات يلمسها بنفسه على الأرض منها توفير السلع بأسعار رخيصة وعدم قطع التيار الكهربي مثلاً".

أما عيسى فتحي المحلل الاقتصادي والمالي من القاهرة فأشار إلى أنه "إذا نحينا مسألة المديونيات المطلوب سدادها هذا العام وركزنا على التأثيرات الإيجابية سنجد أن هناك إفراجات مطلوبة بشكل عاجل في الموانئ عن السلع الغذائية ومستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي والأعلاف فهذه سيكون لها أولوية بحسب ما أعلنت الحكومة"، بحسب ما قال خلال حوار هاتفي مع DW عربية.

يذكر أنه وبحسب بيانات رسمية فإن مصر مطالبة بدفع 42 مليار دولار لسداد الديون الخارجية لعام 2024 من إجمالي نحو 165.3 مليار دولار. وتعتبر مصر ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.

غموض يحيط بالاتفاقية

عقب المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء المصري للإعلان عن الصفقة، أثار عدد من الخبراء والاقتصاديين تساؤلات حول تفاصيل لم تعلنها الحكومة.

في هذا الإطار يطرح الدكتور وائل النحاس خبير أسواق المال عدة أسئلة منها: "هل تكفي هذه الأموال القادمة من هذه الصفقة لتحسين الأوضاع؟ الحقيقة أن أمر كهذا لا يمكن الحكم عليه بسهولة بسبب وجود "عدد من النقاط الغامضة المحيطة بالصفقة، فلا أرى إلا أن ما حدث هو مبادلة للديون لا أكثر، كما أنه من غير المعلوم ما هي أوجه صرف هذه الأموال المتدفقة .. هل لسداد ديون سابقة؟ وما حجم ما سيقتطع منها لعمل ذلك؟ وما حجم الأموال التي سيتم توفيرها في البنوك لفتح اعتمادات مستندية للتجار للقيام بالنشاط التجاري؟".

 

الأمر نفسه أشار إليه عيسى فتحي المحلل الاقتصادي والمالي والذي قال إن "الحكومة كانت غامضة بشأن الجزء الذي سيتم اقتطاعه من الأموال القادمة نتيجة صفقة رأس الحكمة بهدف سداد الديون الخارجية .. لا أحد يعرف شيئاً عن هذا الأمر".

وتساءل أيضاً عما إذا كانت هناك توافقات ما ستجري مع صندوق النقد الدولي لدفع المبلغ المطلوب من مصر سداده هذا العام؟ أم هل ستحصل مصر على مبالغ إضافية من الصندوق لسداد هذه الديون؟ أم سنفاجأ أن كل ما عملناه في النهاية في هذه الصفقة هو توجيه المال لسداد الديون الخارجية؟ فمعنى ذلك أننا لم نفعل سوى اقتطاع جزء من أصول من البلد لسداد ديون لم يكن هناك من ضرورة لها من البداية .. والسؤال الكبير الذي يجب أن تجيب عنه الحكومة: ماذا عن اليوم التالي لاتفاقية رأس الحكمة؟".

حلول لمشاكل هيكيلة

وكثيراً ما أكد خبراء واقتصاديون داخل وخارج مصر أن الاقتصاد المصري يعاني من مشاكل هيكيلة أهمها تراجع دور القطاع الخاص، وطغيان اقتصاد الخدمات على اقتصاد الإنتاج والتصنيع المحلي.

ويرى الخبير الاقتصادي عيسى فتحي أن على من يرسم السياسات الاقتصادية في مصر التركيز على النشاط الإنتاجي "لأننا ركزنا في الفترة الماضية على قطاع التشييد فكانت نتيجته كما نرى، وتعرض المواطن المصري لعمليه إفقار ضخمة جداً، فرأينا نقصاً في السلع الزراعية والأغذية وحتى المواد الصناعية التي كان يمكن تصديرها للخارج، واتضح أن ما حدث في الفترة الماضية كان خطأ وبالتالي لا بُدّ من اعاده النظر في هيكل الإنتاج الموجود في القطاعات التي تقود النمو".

وأضاف أنه فيما تهتم الدولة بقطاع التكنولوجيا والاتصالات وقطاع السياحة "لكنها قطاعات تعتبر اكسسوارات للاقتصاد وليست أساسية، فالناس لن تأكل تكنولوجيا ولا عقارات فبالتالي ينشأ لدينا أزمة كبيرة في الإنتاج والصادرات ما يشكل ضغطاً اجتماعياً يجب الالتفات إليه".

أما الدكتور وائل النحاس خبير أسواق المال فيرى أن "الحلول موجودة لكنها تحتاج إلى منفذين آخرين، لأنه من الصعب على من تسبب في المشكلة أن يكون جزءاً من حلها، لكن كعنوان عريض يمكن القول إن الحل يكمن في اعادة هيكلة واستخدام واستغلال ما تم ضخ الأموال فيه سابقاً"، مضيفاً أن "عمليات البيع المستمرة لا يمكن أن تكون حلاً دائماً لمشاكلنا الاقتصادية".

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.