مصر: التدفقات المالية ستساعد لكن الإصلاحات هي "طوق النجاة"
٩ أبريل ٢٠٢٤كان توقيت بداية الولاية الثالثة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مثاليا، إذ تزامن مع تحقيق البلاد مكاسب اقتصادية كبيرة. وخلال أدائه اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثالثة أمام نواب البرلمان بالعاصمة الإدارية الجديدة الأسبوع الماضي، تعهد السيسي ببناء "استراتيجيات تعظم من قدرات وموارد مصر الاقتصادية وتعزز من صلابة ومرونة الاقتصاد المصري فى مواجهة الأزمات مع تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام ومتوازن."
بيد أن خبراء يقولون إن مثل هذه الاستراتيجيات، لم تكن ممكنة إلا بعد التدفقات المالية والاستثمارات الدولية الكبيرة التي أُعلن عنها مؤخرا خاصة اتفاق "رأس الحكمة" مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار.
وفي مارس/ آذار الماضي، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقات مع مصر تبلغ قيمتها 7.4 مليارات يورو على مدى أربعة أعوام في مجالات مختلفة تشمل قروضا ومساعدات واستثمارات في إطار "شراكة استراتيجية شاملة" بين الجانبين.
تزامن هذا مع إعلان الحكومة المصرية عن اتفاق مع صندوق النقد الدولي لزيادة القرض الحالي إلى ثمانية مليارات دولار ارتفاعا من ثلاثة مليارات دولار في السابق.
ويشير الخبراء إلى أنه في حالة عدم ضخ مثل هذه الاستثمارات، فإن السيسي كان من المرجح أن يضطر إلى خفض سقف وعوده.
فقبل ذلك، كان الوضع المالي في مصر سيئا مع اقتراب الدين العام من نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي فيما تسبب النقص الحاد في احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية في تفاقم معاناة الدولة التي بات كاهلها مثقلا بالديون. تزامن هذا مع ارتفاع معدل التضخم في البلاد إلى 36 بالمئة.
وفي مقابلة مع DW، قالت الأستاذة بجامعة روسكيلدا الدنماركية، ميشيل بيس، إن "التمويل الذي تم تأمينه خلال الأسابيع الأخيرة سوف يساعد في تخفيف الأزمة الاقتصادية بشكل ظاهري وسوف يساهم في تعزيز الاستقرار في مصر على المدى القصير، لكن ذلك لفترة قصيرة".
الإصلاحات؟
من جانبه، يرى تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، أن التدفقات المالية الجديدة إلى مصر "قد تدفع صوب المزيد من استمرار السياسات والممارسات التي دمرت اقتصاد البلاد أو قد تشجع القيادة المصرية على الشروع بإصلاحات جادة".
ويقول خبراء إن البنك المركزي المصري نفذ حتى الآن أول طلب لصندوق النقد الدولي يتمثل في قرار التعويم الذي اتُخذ الشهر الماضي بالسماح بتحديد سعر صرف الجنيه وفق آليات السوق. وتمثل خطوة التعويم تحولا في السياسة المالية المصرية إذ فشلت اتفاقات القروض السابقة مع صندوق النقد الدولي لأن البنك المركزي كان يرفض التحول إلى نظام سعر الصرف العائم.
وفي ذلك، قال ناطق باسم صندوق النقد الدولي في حديث إلى DW "سيكون من الضروري أن تمضي مصر قدما في تنفيذ السياسات الاقتصادية في إطار برنامج محدد لتحقيق ذلك"، مضيفا أن صندوق النقد الدولي "على استعداد لدعم الحكومة المصرية في الاستمرار في هذا المسار".
ويتوقع أن يراجع صندوق النقد الدولي خطوات الإصلاح التي اتخذتها مصر أواخر يونيو/ حزيران بالتزامن مع خروجه بخمس توصيات أخرى لتعزيز وتوسيع عملية الإصلاح في مصر بما في ذلك تعزيز مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة.
ويقول خبراء إن العديد من المشاريع الضخمة مثل "العاصمة الإدارية الجديدة" وتوسيع قناة السويس" لا تعد مكلفة من الناحية الاقتصادية فحسب، بل يدخل في طياتها قيام شركات مرتبطة بالجيش في لعب دور رئيسي في تنفيذها."
وقالت بيس "يمتلك الجيش المصري إمبراطورية واسعة تشمل فنادق ومشروعات سكنية ومشاريع بنية تحتية ومحطات الوقود وغيرها...فضلا عن أن المؤسسة العسكرية تتمتع بامتيازات مثل الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية".
وفي تعليقه على هذا الطرح، قال أنتوني دوركين، زميل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن "التمويل المقدم من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي يعتمد على تنفيذ مصر سلسلة من الإصلاحات المهمة، لكن الشروع المجدي في هذه الإصلاحات سيتطلب من الحكومة المصرية تغييرات كبيرة في السياسات الاقتصادية الحالية".
وفي مقابلة مع DW، حذر من أن تعمل "الحكومة المصرية على استخدام قارب النجاة الذي أنقذها مؤخرا في تجنب الشروع بهذه الإصلاحات الصعبة".
تضارب المصالح الدولية
يُضاف إلى ذلك تجاوز أهداف المستثمرين الخليجيين أهداف المؤسسات الدولية والنقدية الدولية الأخرى إذ يضع الخليج نصب أعينه الحفاظ على استقرار مصر الإقليمي لذا يمكن القول بأن الاستثمارات الخليجية ليست مقرونة بشكل كبير بتنفيذ إصلاحات إذ تهدف إلى تحقيق الاستقرار في الوضع الاقتصاد الحالي.
وفي ذلك، قال دوركين إنه "من المهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ضمان تنفيذ إصلاحات ذات معنى في ظل دفعات التمويل إلى مصر".
ويتفق في هذا الرأي كالداس قائلا: "إذا لم تكن الشروط تتضمن أهدافا جيدة تلتزم مصر بتنفيذها بشكل صارم، فإن قادة البلاد من المرجح أن يُنظروا إلى التدفقات المالية الجديدة باعتبارها نوعا من الدعم لقولهم بأن مصر أكبر من أن يُسمَح لها بالإفلاس على وقع الافتراض القائل بأنه يمكنهم الاستمرار في نهجهم دون تغيير فيما سيتم إنقاذهم عندما يُقدمون على تدمير اقتصاد مصر مرة أخرى."
أعده للعربية: محمد فرحان