مصر: الوجه "الساخر" للحرب على الإرهاب!
٢٤ نوفمبر ٢٠١٤تستمر المواجهات بشبه جزيرة سيناء المصرية بين قوات الجيش وجماعة أنصار بيت المقدس، التي أعلنت مؤخراً مبايعتها لزعيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي. ومن أجل دعم هذه المواجهات ظهر العديد من الأغاني الحماسية، كان أحدثها "أمير المجرمين" للمطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم.
يسخر المطرب الشعبي، في عمله الجديد، من أبي بكر البغدادي معتبراً إياه "غشيم وفاضي"، وأن "خلافته" ليست إلا "خرافة"، كما يدعو أتباعه لزراعة "القلقاس والكرنب"، بدلاً من القنابل!
كما يتوقع أن يكتب الجيش المصري نهاية "داعش" وحده وليس بالتعاون مع التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، "إحنا لوحدينا بس حنحارب الإرهاب.. وحنقضي ع الإرهاب" حسبما جاء في الأغنية.
تجاوزت نسب مشاهدة هذا العمل رقم المائة ألف مشاهدة لبعض نسخها العديدة المطروحة عبر موقع يوتيوب. كما عُرضتْ بالعديد من البرامج الحوارية على الفضائيات المصرية. وقد جاءت أغلب تعليقات مواقع التواصل الإجتماعي ويوتيوب كذلك حولها بأنها "رسالة إلى داعش" أو أن "الدين بريء" من "أمير المجرمين"، و في المقابل سيجد المتابع للتعليقات أن هناك من كتب "سنجز رؤوسكم لتطاولكم على خليفتنا" مثلا!
سبق لشعبان أن حقق شهرة واسعة عبر أعماله الساخرة المعزوفة على أنغام لحن واحد، حيث تختلتف كلمات التي يكتبها الشاعر نفسه، وهو المصري إسلام خليل، لكن اللحن لا يتغير أبداً. وبعد سخريته من البغدادي أعلن "شعبان" عن تلقيه لتهديدات بالقتل!
محاولة لجذب النشطاء!
كان رد فعل الطبيب المصري الشاب محمد ناجي هو "الضحك" حينما سمع "أمير المجرمين"، ويقول لـ DW عربية :"شعبان هو شخص مُضحك بالنسبة لي. كان الجزء الأكثر إثارة للضحك هو إتهامه لقطر بتمويل داعش". يعتبر محمد أن شعبان "وجد أن هذه هي اللحظة المناسبة للعودة للأضواء ليس أكثر، حيث يبدو سعيداً بوجود السيسي في الحكم"، خاصة أن "شعبان" كان قد ظهر في أحد البرامج مؤخراً للإحتفال بعيد ميلاد الرئيس!
بينما يقول طبيب آخر لـ DWعربية هو إبراهيم السيد أن "العمل يأتي ضمن حالة إستدعاء الفن من جانب الدولة للحشد لحربها ضد الإرهاب". يعتبر السيد أن هذه الأعمال الساخرة جاءت لأن الحكومة ترى أن الإستجابة لا تزال ضعيفة. ويضيف موضحا :" نشطاء الإنترنت هم الكتلة المستهدفة من هذا العمل، لأن هذه الكتلة لا تزال خارج حالة الإصطفاف في المعركة لرفضها أن تكون مواجهة عمليات العنف مبررا لقمع الدولة للحريات"!
تعليق سريع
من ناحية أخرى لا تشكل الأعمال الجديدة الساخرة من الإرهابيين علامة فارقة بالنسبة للناقد الفني أحمد رأفت بهجت، حيث يقول لـ DW عربية:" لا تحتوي هذه الأعمال على قراءة أو تحليل للواقع أو حتى لوضع المجتمع الآن. هي مجرد تعليق سريع لا يرتقي إلى مستوى حكمة أو موقف فكري واضح". ويعتبر رأفت أن التعامل مع موضوع مثل الإرهاب يجب أن يكون معبراً عن رؤية خاصة للمجتمع ويقرأ مستقبله كذلك.
كما يقول:"هناك حالة من الإنفصال عن الرؤية الحقيقة لما يحدث، ولم يقدم أحد الإرهاب كموضوع فني مثلما فعل وحيد حامد، مثلا، عبر عدة أعمال، منها فيلما الإرهاب والكباب (1992) و طيور الظلام (1995)"..لهذا يشكك رأفت في وجود رؤية تعبر عنها هذه الأعمال، حيث يشير الناقد إلى العديد من الأعمال الفنية، والتي تمّ إنتاجها خلال فترة التسعينات وقدمت الإرهاب "كموضة"، ليظهر الملتحي أو الإرهابي كمادة للسخرية منه والتهكم على تعصبه لأفكاره دون أن يحتوي العمل على مناقشة حقيقية، حسبما يقول الناقد في حديثه مع DW عربية.
"الفنان جندي في المعركة"
من جانبه يقول الباحث المتخصص في حرية الإعلام ماهر عبد الرحمن: "كل شيء يتمّ حسب العقلية الأمنية، حيث تكون مواجهة العمليات الإرهابية إما بالسلاح أو من خلال الإعلام والإعلانات والأغنيات من أجل تعبئة الناس". ولا يستبعد عبد الرحمن أن تكون هذه الأعمال "مدفوعة" من جانب الدولة، أو أنتجت بتوجيه من أحد أجهزتها، حيث يقول :" الفنان المشارك في هذه الأعمال مؤمن بأنه يفعل ذلك من أجل حماية الأمن القومي، كأنه جندي في المعركة، والدولة تستغل النجوم أصحاب الشعبية ليقولوا كلاما ضد الإرهاب". كما يوضح أن إدارة الإعلام بوزارة الداخلية تقوم بتمويل العديد من الأعمال الغنائية، حيث يتم التدقيق في إختيار كلمات بعينها لتستخدم ضمنها. كما أن الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، سبق لها إنتاج مثل هذه النوعية من الأعمال، حسبما يؤكد الباحث.
الحشد لحماية الجيش!
يعتبر النائب السابق بمجلس الشعب علاء عبد المنعم أن "المواجهة الأمنية الصارمة" هي المطلوبة الآن، حيث يقول لـ DW عربية:" تناول الفن للإرهاب يأتي ضمن إستراتجية طويلة المدى تركز على مراجعة الخطاب الديني بكافة أشكاله، وتعديل مناهج الدراسة.. من الممكن أن يلعب الفن دورا أكثر فاعلية عبر أعمال جادة، لكن هذا ليس مطلوبا الآن".
يحلل الباحث السياسي هاني دانيال أسباب حالة الحشد الحالية بقوله:"يرجع ذلك لتورط الجيش في مواجهة جماعات العنف المسلح في سيناء، وهذه المواجهات يفترض أن تقوم بها قوات الشرطة لا القوات العسكرية النظامية.. لهذا يبدو أن الحشد مطلوبا حتى لا يقال أن الجيش قد فشل أو يتحمل المسؤولية عما يجري".
كما يرى دانيال أن الإعلام يقوم بدور سلبي في تناوله لما يحدث من عمليات إرهابية، حيث يقول لـ DW عربية:" لا يتمّ تقديم مادة إعلامية توضح حقيقة ما يحدث أو تكشف أسباب نشأة جماعات متطرفة في سيناء.. لهذا يكون توظيف الأعمال فنية كأداة في موجات الحشد الإعلامي للمعركة".