مصر بعد الدستور: بين احتمال التوافق والصراع الاجتماعي العنيف
٢٧ ديسمبر ٢٠١٢يرى الباحث المصري عمرو عبد الرحمن أن ثورة 25 يناير فتحت الباب لاستعراض انهيار الدولة المصرية لا أكثر، ومحاولة وضع أي طرف في مقعد القيادة ستبوء بالفشل. ويقول عبد الرحمن في حوار مع DW عربية إن "الشرعية الانتخابية التي يتشدق بها الإخوان ليست كافية لتمرير استحقاقات مصيرية لا تعتمد في إقرارها على مبادئ الأغلبية والأقلية".
"هل الدولة المصرية في طريقها للتحلل؟"
والدستور، وفق عبد الرحمن، كان محاولة لوضع نهاية متعسفة لمسار تفكيك دولة التحرر الوطني المصرية وإحلال دولة جديدة تماماً محلها، ديمقراطية وفيدرالية وتعددية. وكغيرها من المحاولات فقد ولّد من المقاومة ما لم يتوقعه أحد. هذا الصراع لن يحسم إلا بقضاء أحد المسارين على الآخر، أي أن تقضي الدولة المصرية على كل الحساسيات التحررية الصاعدة أو العكس، والبديل هو مصطلح "التوافق" والذي يعني "إقراراً ضمنياً بعجز أي طرف عن القضاء على الطرف الآخر".
ويرى عبد الرحمن أن هذا الاعتراف غير وارد في الظروف الحالية إذ "يتجاهل الكثيرون معركة تبدو قريبة الاشتعال في مصر، وهى معركة المجالس المحلية. الاتجاه إلى اللامركزية أصبح مطلباً ملحاً للغالبية الساحقة من السكان، ولكن لا يبدو أن أي طرف في السلطة لديه من الحس الكافي ما يسمح له بإدراك هذه الحقيقة. وبالتالي فبخلاف الصراع السياسي حول مقاعد المحليات أتوقع صراعاً أكثر حدة وعمقاً حول صلاحيات المحليات وميزانيتها واختصاصاتها".
لا يبدو من وجهة نظره أن هناك مخرجا سلمياً للصراع، ولكن هذا لا يعنى بالضرورة حرباً أهلية، ولكنه قد يعنى استمرار حالة تحلل الدولة، مع عنف أهلي في الخلفية أو ممارسات عنيفة للتيارات الإسلامية. ويختتم عبد الرحمن قوله إن انتصار الحساسيات الديمقراطية والتحررية ليس قدراً، ولكن انتصار القوى الإسلامية لا يبدو وارد الحدوث أيضاً!
"معارضة الإخوان اقتصادياً هي الأجدى"
أستاذة العلوم السياسية رباب المهدي، وهي القادمة من خلفية اشتراكية وكانت مستشارة سياسية للمرشح السابق عبد المنعم أبو الفتوح، تقول إن الكتلة المعارضة للإخوان لا يمكن النظر إليها بوصفها نسيجاً واحداً. وتضيف المهدي لـ DW عربية أن هناك كتلة ثورية لا ترضى بالتعريف عن أي اتجاه محافظ في السلطة، وهذه هي القلب الصلب للثورة المصرية. وهناك من يعارض الإخوان ليس لكونهم إخواناً ولكن بسبب سياساتهم، وهناك أصلا الراديكاليون ضد كل اتجاهات الإسلام السياسي. وبالتالي فهذه الكتل الثلاث لا تتفق على بديل موحد للإخوان. كلها تجمع على "ما لا تريده"، ولكنها لا تعرف ما الذي تريده بالضبط.
وترفض المهدي الاستقطاب على أساس معاداة الإسلام السياسي، لأن هذا يجر الصراع إلى منطقية طائفية هوياتية، إذ تقول: "في أي معركة عليك أن تجر خصمك لأرضك، لا أن تدعه يجرك لأرضه". ولكنها تدعم الاستقطاب على أساس المشروع السياسي، الإخوان لا يقدمون جديداً وإنما يعيدون إنتاج نظام مبارك في إطار من النيوليبرالية الإسلامية. ترى أن هذا هو ما يمكن معارضة الإخوان على أساسه، الاقتصاد بالإضافة إلى الحريات بمفهومها الشامل.
ولكن ما الذي يمكن أن يحدث في السنوات القادمة؟ ترى المهدي أن الإخوان فقدوا، ومازالوا يفقدون، أجزاء كبيرة من شعبيتهم، ولكن هذا لن يتحول بالضرورة إلى مكسب للطرف الآخر، لأنه لا يملك بديلا واضحاً. "ليس هناك مخرج سلمي للصراع، ولكن هذا لا يعني قيام حرب أهلية. ليست هناك مقومات الحرب الأهلية في مصر، التركيبة الإثنية والعرقية وشكل توزيع السكان لا يسمح بهذا، ولكن يسمح بفكرة مواجهات اجتماعية محدودة".
وترى المهدي أن غياب الرؤية السياسية عند الإخوان سيجعلهم يقومون بإجراءات تقشفية، والضغوط الاقتصادية ستدفع بالناس للنزول للشارع. كل هذا سيعجل بنهاية الإخوان، الذين لن ينتهوا في ضربة واحدة كما انتهى مبارك مثلاً، ولكن بالتدريج. وتختتم مستشارة أبو الفتوح السابقة بأن معركة قصر الاتحادية، التي جرت بين الإخوان ومعارضيهم، لن تكون آخر الليالي الحزينة في مصر، ولكن على ما يبدو فإن حكم محمد مرسي لن ينتهي في واحدة من تلك الليالي.
نضال قانوني وسياسي وفي الشارع
أستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، يبدو أكثر تفاؤلاً، يقول إن القوى الديمقراطية المعارضة للإخوان أثبتت أنها رقم لا يستهان به في المعادلة، ويضيف في حديث لـ DW عربية: "إذا نظرنا إلى حجم المقاطعين للاستفتاء وأضفنا عليهم حجم الرافضين للدستور فستشكل هذه القوى الرقم الأكبر، هذا يتجلى في مدينة مثل القاهرة، وهي العاصمة والمحركة للرأي العام المصري، التي جاءت أغلبيتها رافضة للدستور. مع الأخذ في الاعتبار أن الحشد المؤيد للدستور يمثل الطاقة القصوى لقدرة التيارات الإسلامية على الحشد".
ويلاحظ حسن وجود متغير مهم حدث في الفترة الأخيرة قائلا: "أعتقد أنه فارق في الحياة السياسية، وهو توحد القوى المدنية وراء مظلة واحدة. تم بذل جهد كبير كنت شاهداً عليه من أجل هذا التوحد. الآن هذه القوى تتجمع تحت مظلة جبهة الإنقاذ، وتحاول الترتيب لقائمة موحدة تخوض بها الانتخابات التشريعية".
النضال في رأي عمار علي حسن سيستمر على ثلاثة مستويات، المستوى القانوني، حيث كثيرون سيحاولون استغلال القضاء، لاسيما في ظل التحدي القائم بينه وبين السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى النضال السياسي السلمي الذي سيتم من خلال الانتخابات، سواء التشريعية أو غيرها. وينهي حسن حديثه بالقول: "الاحتجاجات المباشرة في الشارع لن تتوقف، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً، والسلطة ليست لديها أية حلول للمشكلات القائمة".