سجال شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة.. خلاف علمي أم سياسي؟
٣٠ يناير ٢٠٢٠قال محللون تحدثوا إلى "DW عربية"، إن نقاش شيخ الأزهر أحمد الطيب مع محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، في مؤتمر الأزهر العالمي الذي عقد يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، كان سجالا علميا أعاد للواجهة اختلاف وجهات النظر بين الأزهر والنظام الحالي حول قضية تجديد الخطاب الديني.
ففي اليوم الثاني للمؤتمر، الذي حمل عنوان "تجديد الفكر الإسلامي" بحضور علماء ورجال دين مسلمين من 46 دولة حول العالم، أضاف رئيس جامعة القاهرة زخما للمؤتمر بدعوته إلى تأسيس "خطاب ديني جديد وتفكيك الخطاب التقليدي"، من خلال "استبدال علوم التفسير والفقه وأصول الدين وعلوم مصطلح الحديث وعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل، لتستبدل بها علوم جديدة".
جرأة طرح "الخشت" دفعت شيخ الأزهر لطلب الرد من أمين جامعة الدول العربية الأسبق عمرو موسى- الذي كان يدير الجلسة، بدأها منتقدا طريقة عرض الخشت فقال: "كنت أود أن تكون كلمة تُلقى في مؤتمر عالمي دولي وفي موضوع دقيق وهو التجديد، معدة ومدروسة بشكل مسبق، وليس نتيجة تداعى الأفكار والخواطر(...)". وأضاف الطيب أن "تصوير التراث بأنه يورث الضعف والتراجع يعد مزايدة عليه، والتجديد مقولة تراثية وليست حداثية، وبدون التراث شخصيتنا انتهت، شخصيتنا كعرب ومسلمين لا شئ الآن."
حدة لهجة شيخ الأزهر دفعت الخشت للدفاع عن وجهة نظره إذا قال: "تم تحميل كلامى على تيار مضاد للأزهر لكني أحترمه بشدة واتفق معه في بعض الأمور وأختلف في أخرى (...) ".
ويقول أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، الدكتور عبدالمنعم فؤاد، إن ما دار من سجال هو نقاش علمي مهذب حول مسألة تجديد الفكر الإسلامي، لكن تم استغلاله في بعض وسائل الإعلام للهجوم على شيخ الأزهر بأنه لم يحترم الرأي الآخر. وهو يشير بذلك إلى الإعلامي المحسوب على النظام محمد الباز، الذي هاجم شيخ الأزهر بشدة.
غير أن مدير الحريات المدنية بالمباردة المصرية للحقوق الشخصية، الدكتور عمرو عبد الرحمن، قال إن السجال حمل في طياته رسائل سياسية شديدة اللهجة من شيخ الأزهر لمنتقدي أدائه في قضية تجديد الخطاب الديني وفي مقدمتهم الرئاسة.
وشرح عبدالرحمن في حديث مع DW عربية، أن قضية تجديد الخطاب الديني واجهة لصراع سياسي خفي بين شيخ الأزهر أحمد الطيب والنخبة الحاكمة بعد يوليو/ تموز 2013، حيث يتمسك الطيب باستقلالية مؤسسة الأزهر والنأي بها بعيدا عن السياسة وهو ما يصطدم مع عقلية السيسي الذي يريد كل المؤسسات تحت قبضته.
ومضت علاقة السيسي والطيب بمنحنيات مختلفة، ففي الوقت الذي دعم فيه الطيب، الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين عام 2013، أدان بعد ذلك فضّ اعتصام أنصار جماعة الإخوان في رابعة العدوية. كما رفض تكفير أنصار تنظيم داعش، إضافة إلى أزمة الطلاق الشفوي بين الرجل والمرأة، لكنّ هيئة كبار العلماء التي يرأسها الطيّب رفضت مقترح السيسي مما أظهر التباين للعلن.
وعلى الرغم من إعلان الرئاسة المصرية والأزهر، حضور السيسي افتتاح مؤتمر الأزهر العالمي، إلا أن الأخير غاب في اللحظات الأخيرة وأناب عنه رئيس الوزراء، الأمر فتح باب التكهنات حول سبب غياب السيسي. لكن عبدالمنعم فؤاد، الأستاذ بجامعة الأزهر، دافع عن ذلك قائلا: "الاحترام متبادل بين الرئيس ومؤسسة الأزهر ولم يكن لينجح تنظيم المؤتمر لو لم يرعاه الرئيس السيسي، وأن عدم حضوره في اللحظات الأخيرة يبدو أن لديه مشاغل نقدرها حيث أرسل رئيس الوزراء يلقي كلمته، بينما كان الرئيس موجودا بروحه ورعايته."
وأضاف فؤاد في حديثه مع DW عربية، أن الأزهر لم يُقصر في مسألة تجديد الفكر الإسلامي وعقد مؤتمرات علمية عديدة مما يدل على انفتاحه، مشيرا إلى إعلان شيخ الأزهر في ختام المؤتمر الأخير إنشاء مركزا للتراث والتجديد يضم علماء من مصر وخارجها، والمتخصصين الراغبين في المساهمة في تجديد الفكر الإسلامي.
ويعد الأزهر أعلى سلطة دينية في مصر ويحظى بشعبية كبيرة حول العالم. وهو المرجع في عدد من التشريعات الإسلامية، خاصة المتعلقة بالأحوال الشخصية.
وفي خضم السجالات بين السيسي والطيب، خرجت دعوات لتطوير وإصلاح الأزهر بينها دعوة البرلماني المصري محمد أبو حامد الذي تبنى مشروع قانون لإعادة هيكلة مؤسسة الأزهر، لكنه لم ينجح في طرحه على البرلمان بسبب ضغطٍ من الأزهر.
ويرى أبو حامد في حديث مع DW عربية، أن "النتائج التي خرجت من المؤتمرات التي نظمها الأزهر مُحبطة للغاية وتعبر عن أن الأزهر ليس لديه رؤية للتطوير". مضيفا: "طوال الوقت يفتعل الشيخ الأزهر صراعات غير موجودة مثل الهجوم على السنة والتراث، حتى يغطي على فكرة تطوير الأزهر، ولم يُقدِم على تعديل المناهج وتنقية التراث وتدريب مشايخه على أدوات جديدة"، بحسب أبو حامد الذي اعتبر أن "تلك المواقف تثير الرأي العام وتقدم له صورة سلبية مفادها بأن الداعين لتطوير الأزهر يسعون لهدم الدين وهذا غير حقيقي".
بينما رأى مدير الحريات المدنية بالمباردة المصرية للحقوق الشخصية، أن "الطيب لديه أفكار تقدميه تفوق جميع مشايخ الأزهر الإصلاحيين، لكنه لا يريد أن يكون الأزهر أداة في يد السيسي يحركه وفقا لسياسته ضد جماعات الإسلام السياسي"، متابعا: "لديه شعبية كبيرة داخليا وخارجيا فهو يغازل حساسيات المجتمع المصري المحافظة، وفي الوقت نفسه من الصعب القول أنه مؤيد للحركات الإسلامية أو معارض للدولة".
ورغم ذلك، الطرفان مستفيدان من بعضهما البعض في الوقت الحالي فالأزهر محافظ على استقلاليته، لكنه أيضا لا يخرج عن الخطوط العريضة التي رسمها النظام، بحسب مدير وحدة الحريات المدنية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
م.م