مصر: "كلموهم واسمعوهم"..حملة لتغيير الصورة النمطية تجاه أطفال الشوارع
١٣ أبريل ٢٠١٣أطفال الشوارع، قد تجدهم في كل مكان حولك، على الأرصفة، يمسحون الأحذية، يلمعون زجاج السيارات أو حتى يتسولون. هؤلاء الذين ينهرهم هذا وتقسو عليهم تلك، لا يرى الناس فيهم سوى مظهرهم الرث وما يتصورنه عنهم من إدمان وبلطجة. لكن، هناك من نظر إليهم بنظرة خارج هذا الإطار المتعارف عليه في المجتمع. هيثم التابعي الصحفي الشاب بالوكالة الفرنسية لم يكترث لقذارة ملبس هؤلاء الأطفال ولا بالصورة النمطية السيئة عنهم في رحلته للبحث عن الإنسان بداخلهم. هيثم أطلق حملة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعنوان "كلموهم واسمعوهم" لمحاولة كسر الصورة النمطية عن أطفال الشوارع داخل العقول المصرية، لاقت استحسان آلاف المصريين.
"...أشعر أن ليس لي مستقبل".
" أرجوكم أن تهتموا بأطفال الشوارع.. أن تنحنوا لهم أرضاً وتستمعوا لحكاويهم.. أن تضحكوا معهم وتبادلوهم الذكريات لكن لا تتجاهلوهم!". بتلك الكلمات اختتم هيثم حكايته عن أطفال قابلهم في شوارع مصر. ويشرح هيثم في بداية حديثه لـDW عربية معاني كلماته تلك قائلاً: "أعني بذلك أن ننزل لأطفال الشوارع أرضاً، ولا ننظر لهم من الأعلى أو من خلف زجاج السيارة فهم مثلنا، لهم نفس الحقوق في معيشة نظيفة". ويسترجع الصحفي الشاب تشبيهاً قاله "علي" أحد "أصدقائه" من هؤلاء الأطفال "أنا لا أحب مالكي السيارات لأنهم يمرون بجانبنا كما لو أنهم يريدون دهسنا...إحنا مش حشرات يا أستاذ هيثم".
التقى هيثم الطفل في ميدان التحرير. وألحّ عليه الأخير بطلب النقود، لكن هيثم طلب منه أن يذهب لانتظاره في احد أركان الميدان ليتحدث إليه حين ينتهي من عمله. فطلب علي عشرين جنيهاً نظير التحدث إليه. "قلت له بحزم اذهب وانتظرني هناك ولن أعطيك العشرين جنيهاً"، وتابع هيثم قائلا: "اعتقدت أنه خاف مني، لكن الشيء الجيد أنني ذهبت فوجدته بانتظاري". وبعد ذلك سأله إذا ما كان يقبل دعوته لتناول وجبة الغذاء فكان رد عَلي: "فين؟". قالها وتوقف عن طلب النقود. ويعتقد هيثم: أن علي شعر في تلك اللحظة "أن هناك من يقدره كإنسان".
وفي أحد مطاعم الوجبات السريعة أعطى هيثم الفرصة لعلي لاختيار ما يتمنى أكله وأعطاه النقود كي يدفعها هو ويحمل صينية الطعام ليشعر بذاته. "ليست المرة الأولى التي يأكل فيها من هذا المطعم، فعادة ما كان يتسول قطعة الدجاج؛ أما هذه المرة فقد دخل المطعم بعزة نفس". طلب ذو الـ12 ربيعا من هيثم الجلوس في الطابق العلوي "لأنهم مش أحسن مننا في شيء". وفي سياق الحديث، ذكر الطفل الصغير أنه يشعر "أن ليس له مستقبل"، فعامان أمضاهما في الشارع كانا كفيلين "للقضاء على أحلامه وآماله". وقصة عَلي تشبه قصصا كثيرة عرضت على شاشة السينما المصرية، فقد توفت والدته وتزوج أبوه لتتخلص منه زوجته بعد ذلك وتزجّ به إلى الطرقات.
"لماذا تنظروا إلينا كبلطجية؟"
ويعتبر هيثم أن أسوأ ما حدث له هو معاملة العاملين في المطعم السيئة لعلي "الناس ليست فقط غير قادرة على تقبل هؤلاء الأطفال فحسب، بل غير قادرين حتى على تقبلهم وهم في وضع أفضل". ويكمل هيثم: " انتهيت من الأكل قبله، لكنه أصر أن يعطيني قطعة دجاج من عنده رغم أنها قد تكون أول وجبة كاملة تناولها، إضافة إلى أنه ترك بعض البطاطس في طبقه ولم يأكلها عن عمد ليشعر بأنه ليس محتاجاً".
علي يسكن في ميدان التحرير، يمر عليه الكثيرون. وهناك من يعطه نقودا وهناك من يتجاهله. ويقول هيثم: "بداخل علي بذرة صالحة بالفطرة". فعندما "يرزق ببعض من المال يشتري المناديل ليبيعها حتى لا يصبح متسولاً؛ لكنه يتضرر من نظرة الناس إليه كبلطجي". وأنهى هيثم حديثه عن الطفل مقتبسا سؤاله: "لماذا ينظرون إلى الأطفال كبلطجية ومدمنين ولصوص؟!".
بعد إسقاط النظام، فيسبوك لإسقاط الصور النمطية...
وأوضح هيثم أهداف حملته وكيف بدأت قائلاً: "في خضم تغطيتي لأحداث العنف والاشتباكات شعرت بحاجتي للشعور بإنسانيتي"، مضيفا أن السبب في اختيار اسم "اسمعوهم وكلموهم" للحملة، يعود إلى "أهمية الاستماع للناس من حولنا، لأحلامهم وآمالهم. حتى نستطيع التعرف على رأيهم تجاهنا". وأوضح هيثم أن "الحملة مشروع قومي يدعو المصريين ثقافياً إلى تقبل بعضهم البعض. وهو ما سوف ينعكس لاحقا على الجانب السياسي والديني". والحملة التي جذبت آلاف المصريين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لا يراها منشئها أنها حققت بعد النجاح المنشود. فهي رمت "حجرا في عمق المياه الراكدة، ولن تنجح إلا حين لا يقوم أحد بنهر أي من هؤلاء الأطفال".
وبدأت الحملة بكتابة هيثم عن طفلين، وكانت نقطتها الفاصلة حين التقى بالطفل يوسف والذي استوقفه طالباً قبلة فقط. صورة يوسف شاركها أكثر من ثمانية آلاف فيما تلقى هيثم رسائل تطلب تبني الطفل وكان رده دائماً: "الدور على يوسف الموجود بجوارك".
وحول فرص نجاح الحملة، يرد هيثم: "أنا مؤمن بوسائل التواصل الاجتماعي. وإذا استطاع الفيسبوك إسقاط النظام، فإنه يستطيع أيضا إسقاط فكرة أن أطفال الشوارع بلطجية". أما الصعوبات التي واجهتها، فيحددها مؤسسها برفض الأطفال الحديثَ "وكأنهم لا يريدون تعاطف الآخرين معهم".
اعجاب بالحملة
وكانت التعليقات على فيسبوك مساندة ومعجبة بالفكرة. ففي تعليق يقول الشاب عمرو إسماعيل "أنا كنت في السابق، أتكلم معهم شوية.. بس أنتم لفتوا نظري أنني قادر على مساعدتهم بحاجات كثيرة". فيما قالت مها سلامة في تعليق آخر: "الهدف من الصفحة دي .. انك تخلي طفل بلا مأوى يبتسم..الموضوع مش فلوس وبس". فيما قالت إيناس منير: "إحنا اللي تربية شوارع لكن شوارع عنصرية خلتنا نفكر بعنصرية ونحتقر هؤلاء الأطفال".
وأوضح هيثم أن الفكرة لن تتوقف عند أطفال الشوارع أو كما فضل بعض المشاركين في الحملة أن يطلق عليهم "أطفال بلا مأوى"، لأنه حلمه يتجلى في أن "لا يجبر أحد على النوم في الشارع. هذا بلد محترم ولا ينفع أن ينام أحد فيه على الرصيف". وفي ختام حواره لـDW عربية يقول هيثم: "شعاري دائما: الإنسانية أولاً".