مصر: مرسي يقبل بقرار المحكمة لكن الصراع على السلطة مستمر
١١ يوليو ٢٠١٢
في حفل تخرج طلبة الكلية الجوية الذي حضرته شخصيات مصرية عسكرية ومدنية، كان الرئيس المصري محمد مرسي يقف بين رئيس الأركان سامي عنان ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي، وذلك لتحية الجيل الجديد من ضباط الجيش المتخرجين. تلك المناسبة جاءت في فترة سياسية حرجة تمر بها مصر، ففي نفس اليوم عقد مجلس الشعب المصري، الذي يهيمن عليه الإسلاميون، أولى جلساته بعد قرار مرسي عودته للانعقاد في تحد صريح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حله الشهر الماضي.
أما المحكمة الدستورية العليا فلم تلتزم الصمت، حين قرر الرئيس الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس الشعب في تحد واضح لحكمها حول عدم قانونية هذا المجلس، بل اتهمت الرئيس الإسلامي، الذي انتخب في الآونة الأخيرة، بأنه تصرف بطريقة غير قانونية حين دعا مجلس الشعب إلى الانعقاد، الأمر الذي زاد من حدة المواجهة بين رئيس الدولة والمجلس العسكري والمحكمة الدستورية.
وبالرغم من إعلان الرئيس المصري محمد مرسي أنه سيحترم حكم المحكمة الدستورية العليا الذي قضى بوقف تنفيذ قراره بعودة مجلس الشعب إلى الانعقاد، فإن المراقبين يعتقدون أن الصراع بين مرسي والجيش والقضاء لن ينتهي رغم الموقف الجديد للرئيس. فما هي السناريوهات المحتملة للوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف؟ وإلى أي مدى يمكن لمرسي أن يرجع العسكر إلى مهامهم التقليدية؟
أولى المواجهات
كل المؤشرات تنبئ بأن المواجهة بين الرئاسة المصرية، ممثلة في شخص الرئيس الإخواني محمد مرسي من جهة، والعسكر والمحكمة الدستورية من جهة أخرى ستتواصل. ويصف حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، المرحلة التي تمر بها مصر الآن بأنها "فصل من فصول الصراع السياسي بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المسؤول عن إدارة المرحلة الانتقالية، وجماعة الإخوان المسلمين التي نجحت في الحصول على أغلبية برلمانية وكذا منصب الرئاسة".
وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الانتقال الديمقراطي في مصر أعاد إلى الواجهة ذالك الصراع الخفي الذي كان دائما بين جماعة الإخوان والمؤسسة العسكرية التي تسيطر على الحكم منذ 60 عاما كان نصفها تحت قيادة مبارك. وقد أكد محمود غزلان القيادي بجماعة الإخوان ذلك حين قال "إن أحدث حكم له صلة بالجيش"، وذلك في إشارة لحكم المحكمة الدستورية. وأضاف "إن الحكم جزء من صراع على السلطة بين المجلس العسكري والرئيس الذي يمثل الشعب والذي يستخدم فيه المجلس العسكري القانون والقضاء لفرض إرادته".
موقف مرسي الجديد الذي أعلن فيه التزامه بالقانون والدستور قد يخفف من حدة الصراع، خصوصا وأن الرئيس الإخواني أبدى استعداده للحوار بشأن أزمة البرلمان. وكانت المشكلة قد بدأت حين أصدر المجلس العسكري قرار حل البرلمان في يونيو/ حزيران تنفيذا لحكم بطلانه الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا قبل انتخاب مرسي بأيام.
وأصدر مرسي الذي كان مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات قرارا يوم الأحد الماضي بعودة المجلس الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها. لتعود المحكمة الدستورية، بعد ساعات من اجتماع أعضاء مجلس الشعب، لتصدر قرار جديد قضت فيه بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية، الذي أعلن مرسي فيما بعد التزامه به.
هل من حوار؟
فمرسي الذي تولى الرئاسة وجد نفسه مقيد الصلاحيات، بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري قبيل وصوله إلى السلطة، ما جعله يقبل على خطوات سعيا منه إلى استرجاع مكانة الرئاسة في الحياة السياسية المصرية، لكن هذه الخطوات أدخلت البلاد في نفق وصفه المحلل السياسي حسن نافعة بأنه "مرحلة خطرة في تاريخ البلاد، وستطول هذه المرحة إذا لم تحل بحوار سياسي حقيقي". وهو الحوار الذي دعا إليه محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم الأربعاء، قائلا إن"الحوار الوطني يجب أن يكون بين الرئيس والقوى المدنية والمجلس العسكري وبمشاركة السلطة القضائية للتوافق على إعلان دستوري مكمل جديد".
وكان السياسي الإصلاحي البرادعي كتب على صفحته على موقع تويتر أثناء اجتماع مجلس الشعب "الضمير الوطني يحتم عقد اجتماع فورى بين رئيس الجمهورية وممثلي السلطة القضائية والمجلس العسكري للتوصل إلى حل سياسي وقانوني يجنب البلاد الانفجار." ويؤكد المحلل السياسي حسن نافعة أن التفاوض بين كل هذه الأطراف يجب أن يركز على كيفية "إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية إلى أن يتم استكمال بناء المؤسسات الدستورية الناقصة وصولا إلى دخول الجيش إلى ثكناته". لكن يبقى السؤال الأبرز، والذي قد يكون نقطة خلاف، وهو متى وكيف يمكن استكمال هذه المرحلة وصولا إلى انسحاب الجيش من الحياة السياسية؟ وهنا سيسعى قادة المجلس العسكري للحفاظ على نفوذهم المكتسب منذ ستين عاما. ويمكن أن يحافظ الجنرالات على نفوذهم من خلال التفاوض بهدوء مع الإخوان وراء الكواليس. وقد اجتمعوا بانتظام خلال الفترة الانتقالية رغم أن دبلوماسيين غربيين يقولون إن العلاقات توترت على نحو متزايد لاسيما عندما تراجع الإخوان عن تعهدهم السابق بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية.
التحرك الأعنف أو الشارع
لكن هل يملك مرسي وجماعة الإخوان أوراقا أخرى قد تمكنهم من سحب البساط من تحت أقدام العسكر، ومن ثم ترسيخ دور الجماعة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية وحتى في صياغة دستور البلاد؟ علما أن الإخوان اتهموا المجلس العسكري بالسعي إلى حل مجلس الشعب للامساك بالسلطة التشريعية. لكن المجلس العسكري أكد انه ليس طرفا في أي نزاع سياسي وأن مهمته هي حماية الدستور. يقول حسن نافعة إن فشل الحوار، الذي دعت إليه قوى سياسية في البلاد سيجعل مرسي أمام نقطة اللاعودة في القيام بـ "تحرك أعنف يتمثل في إصداره إعلانا دستوريا يبطل بموجبه الإعلان الدستوري المكمل (الصادر عن المجلس العسكري)، أو حتى صياغة إعلان دستوري جديد يتم الاستفتاء عليه ليكون الدستور المؤقت إلى أن يتم صياغة دستور جديد من قبل الجمعية التأسيسية ليتم الدعوة بعدها إلى إجراء انتخابات برلمانية".
ويضيف نافعة أن مرسي يملك في يده ورقة الشارع وهي قوة لا يجب الاستهانة بها، كما أن المجلس العسكري يدرك ذلك تماما. وبالفعل توافد آلاف المتظاهرين مساء أمس إلى ميدان التحرير لإعلان تأييدهم لمرسي استجابة لدعوة من جماعة الإخوان المسلمين ورددوا هتافات ضد المجلس العسكري وضد بعض القضاة. في الوقت نفسه تظاهر معارضون لقرار الرئيس المصري أمام القصر الرئاسي في مصر الجديدة (شرق القاهرة).
يوسف بوفيجلين
مراجعة: أحمد حسو