مصر: مطالبات بهيكلة السلطة القضائية ورفض لتوسيع صلاحيات الدستورية
٢٤ يونيو ٢٠١٢أحكام متعددة صدرت مؤخراً عن المحاكم المصرية يرى البعض فيها شبهة انحراف عن مهمة القضاء، واستغلالاً للسلطة القضائية في الصراع السياسي الدائر الآن في مصر بين القوى الدينية والمدنية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وأبرز هذه الأحكام ما قضت به المحكمة الدستورية العليا، أعلى المحاكم في مصر والتي لا يجوز الطعن في أحكامها، من بطلان انتخابات مجلس الشعب وحل البرلمان الحالي. فقد آثار الحكم اعتراض عدد كبير من نواب المجلس على رأسهم نواب حزب الحرية والعدالة الذين رفضوا الحكم، ودعوا مؤيديهم إلى الاحتشاد في ميدان التحرير رفضاً لحل البرلمان والإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
"القضاء دافع عن الإخوان في زمن مبارك والآن يهاجمونه"
الاحتشاد في ميدان التحرير اعتراضاً على حكم الدستورية يعتبر الأول من نوعه في تاريخ القضاء المصري، وترافق بهجوم حاد من القيادات السياسية الإسلامية وبعض القيادات المدنية على مؤسسات القضاء المصري، مطالبين بإعادة هيكلة مؤسسات القضاء المصري وتطهيرها. الدكتور عمرو الشوبكي، عضو مجلس الشعب المنحل، يصف الأمر بالمؤسف. ويضيف الشوبكي بالقول: "الهجوم على القضاء المصري وصل مؤخراً إلى حد التخريب المنظم لما تبقى من مؤسسات الدولة المصرية، وعلى رأسها السلطة القضائية، التي تحتاج بالتأكيد إلى الإصلاح لا الهدم".
الشوبكي دافع عن حكم المحكمة الدستورية والقضاء المصري، مندهشاً من موقف جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، لأن القضاء المصري والقضاة المصريون هم الذين أشرفوا على انتخابات عام 2005 التي حصل فيها الإخوان على 88 مقعداً في البرلمان، "وطوال سنوات حكم مبارك كان القضاة هم الملجأ الوحيد لقيادات الجماعة التي كانت تتعرض للبطش والتعسف الأمني من قبل نظام مبارك". وأضاف الشوبكى: "من المؤسف أن يقوم من حماهم القضاء المصري من بطش مبارك ونظامه بحملة هجوم واسعة تستهدف كل مؤسسات الدولة، التي يرغبون في حكمها، وتقويض كل شيء لمجرد اختلافهم مع المجلس العسكري".
القوى المدنية ضد توسيع صلاحيات المحكمة الدستورية
لكن حتى القوى المدينة التي أعلن بعضها احترامهم لحكم المحكمة الدستورية العليا ترى أن هناك استغلالاً سياسياً لأحكام القضاء وللسلطة القضائية، فقد ترافق حكم الدستورية الأخير مع إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة "الإعلان الدستوري المكمل"، والذي يمنح المحكمة الدستورية صلاحيات غير مسبوقة في أن تحسم الخلاف بين أعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور أو رئيس الجمهورية أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
من جانبه علق هاني نجيب، المتحدث باسم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، على هذا الموضوع قائلاً: "نحترم في الحزب قرار الدستورية لكننا نرى أن حكم المحكمة الدستورية العليا جاء مرافقاً بإصدار قرارات تعيدنا إلى ممارسات الاستبداد وتتعارض مع ما يصبو إليه الشعب المصري من آمال في الحرية والديمقراطية، وعلى رأسها توسيع نطاق "الضبطية" القضائية بشكل غير مسبوق".
جهد مجتمعي وإرادة سياسية
"أداء السلطة القضائية في مصر الآن هو امتداد لمرحلة ما قبل 25 يناير/ كانون الثاني وذات الأداء القديم"، بهذه الجملة بدأ ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء حديثه عن هذا الموضوع. ويرى ناصر أن الثورة حتى الآن لم تسهم في تحقيق استقلال القضاء الكامل عن السلطة التنفيذية، فطبيعة العلاقات بين السلطة التنفيذية والقضائية لا تزال كما هي، وما يزال بإمكان السلطة التنفيذية، سواء كانت مبارك أو المجلس العسكري، التدخل في أعمال السلطة القضائية والتأثير عليها.
وقبل حل البرلمان المصري ببضعه أسابيع أثيرت مسألة استقلال ونزاهة المؤسسة القضائية، حيث جرى الإعداد لمشروع قانون جديد للسلطة القضائية، لكن المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، قاد معركة إعلامية ضد الهجوم على القضاء من قبل أعضاء البرلمان، حيث اعتبره انتهاكاً للفصل بين السلطات. وهو ما يعلق عليه ناصر أمين قائلاً: "إعادة هيكلة المؤسسة القضائية وفصلها عن السلطة التنفيذية لا يمكن أن تتم من قبل البرلمان وحده، فهي مسألة تحتاج لجهد مجتمعي وإرادة سياسية حقيقية وتعاون مع العناصر الداعمة لاستقلال القضاء من القضاة أنفسهم".
أحمد ناجي – القاهرة
مراجعة: عماد غانم