مصر: هل تُفقد السياسة المساجد قدسيتها؟
٢٤ مارس ٢٠١٣طالما كانت الخطب السياسية في المساجد موضع جدل كبير خاصة ما إذا كانت تحابي لفصيل ضد فصيل وتثير فتنة بين أبناء الشعب الواحد. وليس ببعيد أدت خطبة للإمام أحمد المحلاوي بمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، دعى الناس فيها بقول نعم في الإستفتاء على الدستور ديسمبر الماضي، في إشتباكات دامية أمام المسجد بين المؤيدين والمعارضين وأسفرت عن حصار المسجد وداخله الشيخ لمدة 16 ساعة. من حينها والتساؤل مطروح حول تسييس المساجد وإذا ما كان يجوز إستخدام المنابر في الدعوات السياسية. وقد ظهرت مؤخراً حركة جديدة بوزارة الأوقاف، المعنية بتعيين أئمة المساجد، ترفض إستخدام المساجد في الصراع السياسي وإستيلاء بعض فصائل تيار الإسلام السياسي على المنابر والمناصب بالوزارة. وقد أطلق مؤسسوا الحركة عليها اسم "أئمة بلا قيود". DW عربية تفتح ملف تسييس المساجد وتلقي الضوء على الحركة الجديدة.
شيخ يطرد مصلي من المسجد لإعتراضه على تسييس خطبة الجمعة
"الشيخ قال للرجل أترك المسجد وارحل إذا لا يعجبك" يروي الشاب عبد الرحمن مجدي لDW عربية حادثة شاهدها بأحد مساجد مدينة الشيخ زايد بجوار منزله. بدأت القصة حينما تناول خطيب الجمعة الوضع السياسي في خطبته وقد حابى لأحد فصائل التيار الإسلامي ليقف رجل معترضاً طالباً منه أن يتحدث في الدين وألا يتطرق للسياسة. لكن الشيخ رد عليه بما سبق ليأخذ الرجل حذاءه ويرحل. لم يعجب جانب من المصليين ما قاله إمام المسجد وطرده للمصلي ليقفوا ويعربوا عن إعتراضهم كذلك في موقف أثار بعض الهرج والمرج في المسجد. "شعوري تجاه الموقف كان الضحك على مدى العبث الذي أصبحت فيه بلدنا" يقول مجدي لDW عربية تعليقاً على المشهد.
هذا المشهد يشرح مجدي خطورته حسب نظرته قائلاً: "لا يصح أن تكون هناك خطب سياسية توجيهية في صلاة الجمعة ولا يعني ذلك أنني ضد الحديث في السياسة داخل المساجد في العموم". واستطرد: "لكن الحديث في السياسة داخل المساجد يجب أن يكون له ضوابط لأن الخطيب إذا ما كان شخصاً يحترمه الناس فقد يؤخذ كلامه الذي يحتمل الصواب أو الخطأ على انه مسلم به فقط لأنه يأتي من رجل دين". وأنهى مجدي حديثه لDW عربية متمنياً أن يركز أئمة المساجد في خطبهم في صلاوات الجمعة والعيد وغيرها مما تشهد تجمعات كبيرة على الموضوعات الدينية الإجتماعية والبعد عن الجانب السياسي "المشتعل أصلاً" احتراماً لحرمة المسجد.
"الخطب السياسية في هذا التوقيت إيقاذ للفتنة"
ومن حيث أنتهى عبد الرحمن كانت بداية DW عربية مع الشيخ فضلون إبراهيم، إمام وخطيب مسجد منشية البكري بمصر الجديدة. ويرى الشيخ فضلون أن رغم شمولية المساجد طوال تاريخها وجمعها بين السياسة والإقتصاد والدين إلا أن "فقه الواقع" يقول أن في تلك الأوضاع الملتهبة وإنقسام الشعب لا يصح الخطاب السياسي في المساجد. ويشرح وجهة نظرة بتعمق لDW عربية قائلاً: "في ظل الوضع القائم الخطب السياسية تسبب مشاكل ولنا عبرة وعظات في بعض أئمة في المساجد الذين تم ضربهم". ويعتقد الشيخ فضلون أن الخطب السياسية في هذا التوقيت تندرج تحت بند "إيقاذ الفتنة". وأستشهد بالحديث الشريف: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".
وتطرق الحديث مع الشيخ فضلون إلى مزاعم أخونة وزارة الأوقاف ومحاولة سيطرة تيارات الإسلام السياسي على منابر المساجد. ونفى الشيخ فضلون حدوث ذلك جملة وتفصيلاً. ويقول في هذا النطاق لDW عربية: "لم يحدث أن قال لي أحد تحدث في كذا ولا تتحدث في كذا". واستطرد: "أنا دائم الحضور في إجتماعات الوزارة ولا أرى أي مظاهر لأخونتها". أما عن ظهور حركة أئمة بلا قيود داخل الوزارة يقول عنها الشيخ فضلون لDW عربية: "هؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل: كلٌ يغني على ليلاه"، مرجعاً تأسيسها لبحث مؤسسيها عن مصالح شخصية. وأختتم الشيخ فضلون حديثه لDW عربية قائلاً: "الوزارة مليئة بالفساد والدكتور طلعت عفيفي (وزير الأوقاف) يعمل جاهداً للقضاء عليه لكن ذلك لا يعجب البعض".
أئمة بلا قيود: "سنتصدى لمحاولات تسييس المساجد"
ليست المصالح الشخصية هي ما يبحث عنه مؤسسي حركة "أئمة بلا قيود" حسب قول متحدثها الإعلامي وإمام وخطيب مسجد الجمال بالمنصورة الشيخ محمود الأبيدي في حواره مع DW عربية. ويلخص الشيخ الأبيدي أهداف الحركة، أولاً، في النهوض بكرامة الإمام وحقوقه وإعطائه حصانة، وثانياً، إبعاد المساجد والمنابر عن الصراعات السياسية والحزبية، وثالثا، اختيار القيادات في الوزارة بناءاً على الكفاءة وليس الثقة – على حد تعبيره. وصرح الشيخ الأبيدي لDW عربية بأن هناك محاولات كثيرة من تيارات الإسلام السياسي للسيطرة على الوزارة ومنابر المساجد مرجعاً وجود مشاحنات داخل بعض المساجد لذلك. ويقول الشيخ الأبيدي لDW عربية في هذا الصدد: "الإمام الوسطي الأزهري عملة نادرة والناس يحبونهم لكن هؤلاء وقع عليهم ظلم في العهد الحالي". وأوضح الشيخ الأبيدي لDW عربية أن الوزارة اصبحت تتألف من مزيج من أعضاء الإخوان المسلمون والجماعة السلفية والجماعات الإسلامية فيما يضيع وسطهم الأئمة الوسطيين حسب قوله. ويضيف: "نريد منهج يحكمه الكفاءة وليس الثقة".
وعن تداخل المساجد في الصراعات السياسية يقول الشيخ الأبيدي أن المسجد يجب أن يظل دائماً خارج الصراعات السياسية كي لا يفقد قدسيته. وأعطى المتحدث الإعلامي لحركة "أئمة بلا قيود" حادثة الشيخ المحلاوي مثالاً على ما يمكن أن يحدث نتيجة تداخل السياسة في المساجد. ووعد الشيخ الأبيدي بتصدي الحركة لما ذكره من محاولات لسيطرة جماعات واحزاب بعينها على الوزارة والمساجد مذكراً بوجود وقفة إحتجاجية للحركة يوم الأحد القادم أمام الوزارة "ولنا حق التصعيد إذا لم يستجب لطلباتنا". وأختتم إمام مسجد الجمال حديثه لDW عربية قائلاً: "دور الحركة تقويم الوزير وإن شاء الله تسييس المساجد لن يتم".