مصممة هولندية: الأزياء ستصبح مُسيَّسة والموضة متطرفة!
٢٩ نوفمبر ٢٠١٦تنبأت مصممة الأزياء الهولندية ليدفيج إيدلكورت بالمستقبل لأكثر من أربعة عقود، وهي نادرا ما تكون مخطئة في توقعاتها. نشرت كتبا عن الموضة التي تعتبر مثل أناجيل موسمية في صناعة الأزياء، إلى جانب بيت الأزياء "تريند يونيون" الذي أسسته. تعمل مع علامات تجارية مثل كوكاكولا ولوريال وسيمينز. كانت مجلة تايم الأمريكية قد وضعتها ضمن قائمتها للأشخاص الأكثر تأثيرا في عالم الموضة في 2003.
خلال نوفمبر/ تشرين الثاني، نظمت إيدلكورت ندوات في العديد من المدن الأوروبية، حيث عرضت الكثير من خطوط الموضة، وأفكارا مثيرة للجدل سواء في مجال الأزياء أو المجتمع، وحتى عن درجة الماجستير في الفنون الجميلة في علم المنسوجات، الذي أسسته لصالح مدرسة بارسون للتصميمات.
DW التقت في برلين ليدفيج اديلكورت وكان الحوار كالتالي:
DW: عندما زرتِ برلين في يناير/ كانون الثاني أصررتِ على أن"التحرر من كل شيء" سيكون هو الخط الأساسي ليس للموضة لعام 2016 فقط بل لأشياء أخرى كذلك.
ليدفيج اديلكورت: نعم، وأعتقد أنني كنت على حق، ولا تزال هناك الكثير من الأمور التي يجب أن تنفذ، لكن انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة أدت إلى تراجع فكرة حقوق المرأة. لكن هناك انتعاشة حقيقية بشأن تحرر المرأة، حتى أنني أرى أن المناضلات الأوائل أنتفضن مجددا وبدأن في تنظيم مناقشات. جلوريا ستاينم وأني ليبوفيتز افتتحتا معرضا للصور عن المرأة في نيويورك، وسوف يتجول المعرض في العالم في وقت لاحق.
لكن هذا لا يتعلق بالمرأة فقط، لأن الأمر الأهم هو تغيير الرجل. هناك جيل من الرجال الذين يقومون برعاية أطفالهم، فهم لا يعانون من السلوك "المتعصب" بشكل كبير مثل الأجيال التي سبقتهم بل يريدون أن يصنعوا عالما مختلفا ليعيشوا فيه، عالم يملأه السلام، ويفكرون في الأجيال المستقبلية، وأخيرا لا يخافون من المرأة.
في هذه العملية، أصبح الرجال أنعم كثيرا، وهذا ما أثبتوه على ممرات العرض، فأصبحوا يرتدون ملابس ذات ألوان فاتحة وبذات مظهرها أنعم. وهذا ما تسبب في استغراب النساء لأنهن أصبحن يجدن صعوبة في كيفية التعامل مع الرجال في هيئتهم الجديدة تلك.
لذا، إنت تقصدين بمصطلح"التحرر" التغيير؟
أعتقد أن التغيير وشيك؛ فهناك حاجة للتغيير. نحن محملون بأعباء من قِبل الأنظمة التي أصبحت لا تجدي نفعا، ويجب أن نتحرر منها الأن. الأمر لا يتوقف على مجال الأزياء فقط، لكن على المجتمع بأسره.
حسنا أصبح ترامب رئيس الولايات المتحدة الجديد، ويقول الناس إن العالم يتغير.
نعم، كنت أتمنى أن تفوز هيلاري كلينتون حتى تكفل لنا مساحة من التنفس لعدة سنوات قادمة، لكننا لم نتمكن من هذا المتسع، لقد توقعت فوز ترامب منذ الصيف الماضي.
وقد تحققت نبؤتك مرة أخرى.
لقد فاز في بالترشيح (عن الحزب الجمهوري) بسهولة ويسر، ثم انطلق بشكل لا يمكن إيقافه. أعتقد أنه جزءً من حركة أكبر في العالم تتجه نحو ظهور الفاشية مرة أخرى. رأينا العديد من السياسيين في هولندا التي أنحدر منها، والعديد من الدول الأوروبية الذين استخدموا لغة رديئة جدا وقوية جدا. وبدا أن الجماهير تحب الأخطاء السياسية التي تكمن في خطاباتهم. كنت قرأت بالصيف الماضي كتابا حول الفاشية في ألمانيا الثلاثينيات من القرن الماضي، وتقريبا في كل صفحة قرأتها كنت أستشعر بالبلاغة التي تشهدها فرنسا وبريطانيا العظمى اليوم، لذا فإنني أتوقع أن يحدث نفس الأمر مجددا فنحن كجنس بشري لا نتعلم.
فالفاشية تزداد بسبب الخوف، الخوف من فقدان الدخُول، الخوف من الحكم الذاتي والخوف من الصوت. الجماهير تعيش في خوف، لذا فإنهم يريدون الانصياع للأوامر. يرغبون في أن يسمعون لقوى أكبر، وعليه يستطيعون أن يعيشون في خنوع، وهذا هو صك الفاشية.
كيف سيؤثر ترامب والآخرون في طريقة اختيار ما نرتديه؟
من الأن، الناس سيريدون إكمال أعمالهم كالمعتاد، سنعيش في حالة من النكران. لكن في لحظات الخوف، تكون المناطق الكبرى بالعالم تحارب مجتمعيا بشكل كثيف، وتصبح خطوط الموضة متطرفة. أفكر في عودة تصاميم الأزياء التاريخية من حمالات أو أفخاذ أو أكمام والياقات البروتنستانتية (المتزمتة). أعتقد أن هناك إلحاح شامل إلى تغيير حقيقي للشكل. فقد كنا نسير في الموضة بشكل تقليدي جدا لمدة طويلة ونحتاج الآن لدماء جديدة، فالملابس المسرحية ستكون مهمة جدا.
هل معنى ذلك أن الأزياء ستصبح مسيسة؟
نعم قد يحدث ذلك.
متى؟
عندما تصبح الملابس موحدة.
- تماما مثل العالم، فصناعة الأزياء في حالة من الاضطراب اليوم، حيث يُفصل المصممين بعد سنوات أو حتى شهور من تعاقدهم، والعلامات التجارية تغير التقويم الموسمي، وطرق توزيع المنتجات، والشركات أصبحت تعاني من الافلاس، وحتى العلامات التجارية الثابتة مثل"هوغو بوس" تترك قطاع الرفاهية.
لماذا يكافح مجال صناعة الأزياء كثيرا؟
مؤسسات صناعة الأزياء ورطت نفسها في هيكل لا يمكن تنفيذه، وذلك يرجع في الأغلب إلى الجشع. وهذا يمنع ظهور الابتكارات، لذا فإن هيكلنا الاقتصادي ينهار. لا يوجد شيء أهم من الأداء، والعلامات التجارية للأزياء يجب أن تؤدي بسبب ذلك الجشع- ليس بنسبة درجة مئوية أو درجتان في السنة- لكن على الأقل بنسبة عشر درجات مئوية في الربع الواحد، حتى ولو كنا نتحدث عن أعمال بمليارات الدولارات.
لا يوجد حد للطمع، ولذلك فإن العلامات التجارية تنشر نفسها بشكل ضعيف، فهم لا يستطيعون أن يجازفوا بعد الآن، بل يركزون على التفاصيل الصغيرة، بالدرجة الأولى الصناعات الجلدية بما أنها الأسهل في البيع، إلا أن موظفيهم سأموا من العمل بهذه الطريقة. لذا نجد أن صناعة الأزياء تراجعت خطوة إلى الوراء وأصبحت أداة من المستلزمات، فالموضة فقدت معناها.
ولهذا فقد قمت بنشر وثيقة تأسيسية العام الماضي تقول: "الموضة بالمعنى الذي نعرفه انتهت."
نعم، لأن هذا حقيقي. فالمدارس مازالت تعلم الطلاب طريقة عرض متفردة لنجوم المصممين، على عكس مدارس فنية أخرى تحثهم على العمل معا، والتعاون، والعمل في فرق. نحن نتحول إلى مجتمع تعاوني، فاليوم يتشارك التلاميذ ملابسهم ويغيرونها، فهم يقومون بأشياء بطرق مختلفة، والمدارس تبدو أنها غير قادرة على فهم ذلك.
هناك خسارة في مجال صناعة المنسوجات، حتى أن المصممين يشتكون من أنهم لا يستطيعون تصميم موضة لكن بالكاد ينتجون ملابس. المستهلكون لا ينزعجون من أن تُلبسهم بعد الآن. وهناك أسباب عديدة وراء لماذا مازالت عجلة العمل دائرة حتى الأن بدون وقود. مرة أخرى هذا يرجع للنظام القديم الذي أصبح لا يعمل الأن. نحن بحاجة لتغيير القواعد، تغيير اللعبة، وتغيير المحتوى.
إذا ماذا يريد أن يرتدي الناس الآن؟
القمصان مهمة للغاية وذلك لأن كلا الجنسين يرتدونها، أما الملابس المزودة بغطاء للرأس فهي لغة المصممين والمستهلكين الشباب، وكذلك السراويل في أشكالها المختلفة مهمة، وهناك بالطبع موضة الحركة السرية (الاندرغروند). الناس يرغبون في ارتداء طبقات فوق بعضها، والخامات المخملية عليها طلب، وأرى أن تيار الطلب على النسيج في تزايد، بالإضافة إلى الملابس البدوية التي أصبحت شعبية جددا اليوم، لأنها أعطتنا الفرصة لفتح الباب وخوض الطريق.
يبدو الأمر على السطح وكأن صناعة الأزياء أصبحت أقوى من ذي قبل، فعندما تفتح مجلة أزياء ستجد المئات من مجموعات التصاميم والخطوط الحديثة، ومنتجات جديدة تصدر كل شهر. المجلات تحاول تقليد التسوق الإلكتروني، لكنك لا تستطيع لمس زر وشراء منتجا من المجلة.
محتويات المجلة مملة بشكل مريع، ودائما تكون على نفس المنوال، فهنا لدينا موضة، وهنا لدينا تصميمات داخلية وهنا الجمال وهنا السفر. لماذا لا يوجد تفاعل بين الموضة وأسلوب الحياة؟ منذ عقود، كانت مجلة مثل "فوغ" البريطانية تقدم لقرائها محتوى شيقا حول الأحداث اليومية، وفي نهاية المطاف كانوا يؤثرون على المصممين. الآن الصفحات أصبحت مليئة بمشاهير أغبياء ليست لديهم خبرة ولا شيء يقدمونه.
وحتى ولو بدا أن هناك وفرة في الأزياء، فإن المجلات في الحقيقة لا توجد في الواقع إلا في الإعلانات فقط. المحررون يمكنهم فقط تصوير علامات تجارية معينة، لذا تبدو اللقطات الصحفية وكأنها إعلانات، فهم يستخدمون نفس عارضات أزياء، نفس المصورين ولا توجد معلومات.
صرحتِ عدة مرات بأن الموضة بحاجة إلى تغيير. هل ترين احتمالية تغيير في قطاع الموضة السريع؟
أنا سعيدة أن أرى الطلاب الذين جائوا إلى مدارس التصميم في أوروبا والولايات المتحدة لا يرغبون في أن يصبحوا جزءً منها. هؤلاء الطلاب لا يرغبون في أن يلتحقوا بالعمل في علامات تجارية كبيرة، لأن هذه العلامات سوف تضعهم في مشكلات إذا لم يستطيعوا التغيير للأفضل.
ونحن نرى في فرنسا حصيلة جديدة من الأسماء بأسعار متوسطة، وهم ناجحون للغاية. دعنا نطلق عليها " الرفاهية المتاحة" ، ولما لا. على الأقل أسعارهم فيها بعض من الحقيقة، تأكيدا بأن الجميع سيحصل على جزء من الكعكة. شخصيا، أعتقد أن هذا استثمار جيد لأن تلك العلامات تسعى للتركيز على الملابس التي صنعت من أجل أن تستمر لعدة مواسم على صعيد الموضة والجودة.
في مدرسة "بارسون" للتصميم في نيويورك، أنشأت درجة ماجيستير في المنسوجات، والتي سوف تبدأ العام الدراسي القادم؟ فهل هذا تمردك الشخصي على الموضة؟
يمكنك أن تقول ذلك. رؤيتي هي تحفيز الشباب لإعادة التفكير، إعادة التنشيط، وإعادة اختراع المنسوجات، وتطرح أفكارا جديدة للمجتمع من خلال المنسوجات. قبل عدة سنوات سمعت من أحد صناع النسيج وحتى من زبائني بأن القطاع معرض للخطر، وأنا لا أستطيع تخيل الحياة بدون منسوجات مثيرة، لأنها قوة دفع رئيسة للابتكار. ونحن الآن لدينا ماكينات جديدة وطابعات ثلاثية الأبعاد، وهلم جرا.
لذا تعتقدين أن التكنولوجيا الحديثة هي مستقبل عالم الأزياء؟
إنها ستمكنا من خلق شكل من الخامات. اليوم، إنها على العكس من ذلك. ما نحاول القيام به هو بناء جسر بين وادي السيليكون ووادي هدسون من ناحية التكنولوجيا والطبيعة. أنا أتحدث عن حوسبة الخيوط التي يمكن أن تنبعث منها موجات صوتية وضوئية، التي يمكن أن تحمل جهازا طبيا أو حتى دفاعيا، التي يمكن أن تغير اللون أو تصبح آلة موسيقية. نحن ندمج الألواح الشمسية في المنتجات وحتى الماكينات التي تشفي أو تمتص السموم من البيئة. نحن بالفعل نعرف كيف ننتج منسوجات جديدة بالتكنولوجيا الحيوية.
لكن، ضرورة ذلك كله في الذهاب إلى البدايات المتواضعة. نحن ننظر إلى تقنيات من عقود مضت، في الحقيقة من بداية التوقيت، لكن ننسج لهم من افكار جديدة غير تقليدية. الأمر شيق للغاية!
أجرى الحوار: يان توماس
ترجمة: سارة عرفة