"معجزات القات" في الصومال تحول دون منعه
٢٩ ديسمبر ٢٠١١في كل يوم تهبط 14 طائرة في مطار مقديشو الدولي قادمة من كينيا، حاملة على متنها أغصان شجر القات، الذي بات جزءا من الحياة اليومية لكثير من الصوماليين. وتشحن كميات القات هذه في سيارات شحن تحت حماية أمنية، خوفاً من المليشيات المتعطشة إلى رائحة القات، وتنقل "الوافد المنتظر" إلى ميدان كبير في جنوبي العاصمة.
للوقوف علي معلومات أكثر تحدثت دويتشه فيله إلى بعض من كانوا في هذا الميدان. يبدأ عبدي يري، أحد كبار تجار القات حديثه لدويتشه فيله بالقول: "زاد عدد تجار القات في الآونة الأخيرة بسبب قلة فرص العمل"، ويضيف: "في بعض الأحيان نشهد حالة أمنية صعبة بسبب خلافات على تقاسم القات، مما يؤدي إلى تبادل لإطلاق النار في الميدان".
ولا يكون القات، الذي يصل يومياً، مقتصراً على حاجات سكان مقديشو، وإنما يتم أيضاً إيصاله إلى معظم المناطق في الصومال، ومن بينها بيدوا وجوهر ومركا، إضافة إلى مناطق أخري في البلاد. ويقول يري: "هناك تجار في مقديشو وهم وكلاء لإيصال القات إلى سائر الأقاليم في الصومال، إلا أن مقديشو تعتبر المركز الرئيسي لتجارته".
هيمنة نسوية
ومن يتجول في أسواق القات في الصومال يلحظ هيمنة النساء على تجارته، إذ يتاجرن بأغصان الشجر الأخضر للحصول على لقمة العيش، في ظل انشغال الرجال في حمل السلاح، الذي كاد أن يزيد على عدد سكان المدينة وأصبح في متناول أيدي الجميع.
تقول تبيع فلس علمي، إحدى بائعات القات في هذا الميدان الشهير، لدويتشه فيله معللة سبب زيادة عدد السيدات اللاتي يقمن بتجارة القات: "أنا أم لسبعة أولاد توفي والدهم في الحرب الأهلية ولا يوجد معيل آخر لدينا لذلك اضطررت لبيع القات". وتضيف علمي قائلة: "الذين أتوا إلي هنا أجبرتهم ظروف ما علي الالتحاق بهذه المهنة".
وتروي بائعة القات العراقيل التي تعترض طريقها أثناء القيام بعملها قائلة: "مهنة بيع القات ليست بالأمر السهل، إذ نواجه في بعض الأحيان عندما نبيع القات لمليشيات مدججة بالسلاح مشاكل كثيرة، فأحياناً يمد رجل المسلح يده إلى القات دون دفع الثمن ولا تستطيع أن تمنعه، والسبب هو أنه مسلح".
كساد بسبب ارتفاع الأسعار
أما نوني فلديها خبرة طويلة في بيع القات، فقد بدأت هذه الحرفة قبل 20عاماً. وتقول في حديثها مع دويتشه فيله: "كنت في هذه المهنة لفترة أطول وتعرضت لمشاكل كثيرة، لكنني في الوقت ذاته تمكنت من إعالة أسرة كاملة من خلال هذا العمل. ولا أرى ضرراً في أن استمر فيه، لأن زوجي عاطل عن العمل وعلي ملئ الفراغ".
ويشهد السوق التجاري للقات كساداً في بعض الأوقات وخاصة عندما يصل القات بمبالغ طائلة ويفقد الناس القدرة على شرائه، وحينها يواجه باعة القات في هذه الفترة خسارة كبيرة نتيجة هذا الكساد. عن ذلك تقول نوني: "نعم، يحدث في مرات كثيرة أن يشهد السوق كساداً، لأن القات عندما يأتي إلينا بسعر مرتفع لا يستطيع معظم الناس شراءه، لأنه غالي الثمن ولذلك نفقد كثيراً من أموالنا بعد تلفه". لكنها تستطرد قائلة: "المشكلة أنه لا يوجد بديل آخر لنلجأ إليه لأن البلد منهار، ونحن تعلمنا هذا العمل منذ أمد طويل".
قصص إدمان غريبة
ويتعاطى كثير من الصوماليين هذه المادة المخدرة وخاصة الشباب، الذين لم يبصروا غير انهيار بلدهم منذ عقدين من الزمان. يقول عبد الفتاح (21 عاماً) لدويتشه فيله: "أنا بدأت تعاطي القات منذ أن كان عمري 14عاماً وما زلت أتعاطيه حتى الآن". ويرجع عبد الفتاح سبب إدمانه على القات إلى أنه يريد أن "يتناسى ويلات الأزمة التي تشهدها الصومال، وأقدر على تعاطي القات يومياً لأنني أعمل مع باعة القات كمساعد وأتواجد هنا لأكثر من سبع ساعات".
أما قصة عبد الله فتبدو غريبة، إذ يقول لدويتشه فيله: "لدي ثلاث زوجات وعشرة أطفال، أنا أحب أن أدمن القات كل ساعة ولا أستطيع العيش بدونه". وسألناه من الذي ينفق علي زوجاته الثلاثة وأطفاله العشرة، فأجاب ماضغاً القات: "زوجاتي يعملن وهن يقمن بإعالتنا وأنا أحضر هنا يومياً لتعاطي القات".
ويعتبر القات أحد المخدرات الرئيسية في العالم، ويصل إلى الصومال عن طريق كينيا، التي يجني تجارها المبالغ الطائلة من تصديره إلى الصومال. وتعد اليمن البلد الأصلي للقات، إلا أن انتشاره في الصومال يزداد من يوم إلى آخر. ولا تقتصر تجارته في البلد المدمر على مشاكل أمنية إضافية فقط، بل ويشكل ثقلاً على الاقتصاد نظراً لكثرة الناس الذين يتعاطونه.
غياب الرقابة والتوعية
ولا توجد في الصومال لجان تقوم بتوعية المجتمع من أضرار القات مما يودي إلى زيادة عدد المدمنين بشكل مخيف، كما تعجز كل الجهات عن منعه بسبب شعبيته. وسبق أن حاولت المحاكم الإسلامية التي أطاحت بها القوات الإثيوبية الداعمة لحكومة الرئيس السابق عبد الله يوسف، منع القات، إلا أن منعه لم يستمر طويلاص. إذ عاد من جديد وبقوة بعد خروج المحاكم، ومنذ تلك الفترة لم تحاول أي جهة أخرى بخطوة مماثلة لمنعه.
ومن الطريف أن يتداول مدمنو القات تسمية أخرى له، وهي "الرئيس الثاني"، وهذه التسمية المتداولة متأتية من أن سيارات نقله من المطار تكون تحت حماية أمنية مشددة، عندما تمر في شوارع مقديشو، ما يشعر المارة بالخوف. كما يتحدث آخرون عن "معجزة من معجزات القات"، إذ لا يزال يُباع في المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب الصومالية -التي لم تترك شيئاً إلا وحرمته-، وهنا يحلو للبعض التندر قائلاً: "إنها من معجزات القات".
عبد القادر فودي- مقديشو
مراجعة: عماد غانم