معضلات الرقمنة بالجامعات الألمانية في زمن كورونا
٩ سبتمبر ٢٠٢٠" لقد باغتنا هذا في الحقيقة"، كما يعترف البروفيسور بيرنهارد كيمبين من اتحاد الجامعات الألمانية. فمن يوم لآخر باتت قاعات المحاضرات التي تكون عادة مليئة عن آخرها لحوالي 18.000 بالطلاب غير صالحة للدراسة لاعتبارات الصحة العمومية. فاللقاءات بين الأساتذة والطلاب وجب تفاديها أو تقليصها إلى أدنى مستوىن كما تم إغلاق بعض المباني ولم يعد الطلاب يترددون على المكتبات وباتت استعارة الكتب تتم فقط عبر تقديم طلب كتابي.
وتم تزويد الطلاب بنصوص عبر الانترنيت. وسجل أساتذة المحاضرات بكاميرا الفيديو، لكن لم يكن هناك شغف كبير بالعروض الرقمية، كما يقول البروفيسور كيمبين، لكن "لا أحد رفض بصفة كاملة". ومن كانت له مشاكل مع التقنية كأستاذ، تلقى المساعدة. والهدف في المقام الأول ضمان موسم دراسي ناجح للطلاب بدون قيود. وظهرت في البداية تخمينات حول إمكانية "إلغاء الموسم الدراسي" وتجاوز الفصل الدراسي ببساطة. لكنه تم التخلي عن الفكرة بسرعة، لأن ذلك سيعني بالنسبة للطلاب خسران وقت كبير في حياتهم المهنية. "والتحول لم يحصل في كل مكان بدون إشكاليات، لكن في المجموع يمكن القول بأنه حصل".
الطلبة يفتقدون الاحتكاك والتبادل المباشر
"ليس لدي أنترنيت يعمل"، "لم أتوفر على كومبيوتر صالح"، "ليس لدي في الحي الجامعي الهدوء الذي أحتاجه"، " لا أقدر على ذلك لوحدي، ينقصني التواصل مع طلبة آخرين ومع أستاذي". أربعة أمثلة على مجموعة من المشاكل التي يواجهها الطلبة في التعليم الجامعي الرقمي. وهذه التقييمات رصدها الاتحاد الألماني للطلبة الأجانب والتحالف الحر للطلبة في برلين. وتحكي المتحدثة، أماندا شتاينماوز عن بعض العروض التي تقدمها فيالجامعات لتنظيم إمكانية استعارة الكمبيوتر المحمول.
"المشكلة الأكبر تتمثل في أن الطلبة فقدوا مداخيلهم من أعمالهم الجانبية، في قطاع المطاعم أو المعارض مثلا"، كما توضح شتاينماوز التي تدرس اللغة الانجليزية والتاريخ وتسعى لتصبح بدورها أستاذة. هناك فقط 11 إلى 13 في المائة من مجموع الطلبة الذين يحصلون على الدعم في التكوين، فالكثيرون مجبرون على العمل إلى جانب الدراسة لتمويل تكاليف الدراسة. وعندما تفجرت جائحة كورونا وضاعت معها الكثير من الوظائف الطلابية، منحت الحكومة الألمانية ما يُسمى بـ"مال تخطي المرحلة" بقيمة 500 يورو شهريا موجهة للحالات الطارئة لدى لطلاب والمرتبطة بكورونا. غير أن "الإتيان بالبرهان يكون في الغالب صعبا"، على حد تعبير شتاينماوز.
وهناك القليل من الطلبة فقط المسرورين حقا بالدروس الرقمية، لكن هناك تنويه بالحريات الجديدة:" لا يلزمني الآن الحضور في الجامعة لتفادي أي شيء".
"بعض الاستعدادات للخداع في الامتحانات"
ما هي قيمة الدراسة الجامعية في زمن كورونا، يتساءل الكثير من الطلبة عندما ينظرون إلى ظروف الامتحانات. فليس نادرا أن يجلس في غرفة واحدة الممتحنون وفي جناح آخر الشخص الخاضع للامتحان. امتحانات الدكتوراه جرت عبر الفيديو. ومرشحو الامتحانات أنجزوا أعمالهم في البيت على طاولة المكتب. وفي ذلك توجد لإمكانية الغش والخداع، كما يعترف بعض الأساتذة. بيرنهارد كيمبين من الاتحاد الألماني للجامعات يقول في المقابل بأن "الطلبة ليسوا كسالى، بل يدرسون بجدية. وهم مواضبون بشكل فاجئني".
جهد من أجل التبادل الشخصي
الطلبة في الموسم الجامعي الأول هم من واجه الصدمة الكبرى، فبعد فترة الحجر الصحي جاء التواجد فجأة في محيط جديد ذي هيكل غير واضح في مدينة غريبة. ولذلك تقدم الكثير من الجامعات عروضا توجيهية لطلبة الموسم الأول في مجموعات صغيرة تضم 30 إلى 50 شخصا. لكن حتى الطلبة من الفصول الدراسية الأخرى ينقصهم التبادل المباشر مع بعضهم البعض، وهذا عامل مهم في الحياة الدراسية. ولذلك أطلقت جامعة بون مبادرة تحسيسية تحت شعار "نبقى في تواصل". وكتب الأساتذة مقالات مثلا حول موضوع الخوف. وحتى الطلبة كتبوا مقالات حول انطباعاتهم.
الدراسة عبر الانترنيت لا يمكن الاعتماد عليها طوال الوقت، كما يُجمع الأساتذة والطلبة، لكنها ستبقى استثناءات. "مادام لا يوجد هناك لقاح ضد الوباء، فإن التكوين الجامعي في غالبيته سيتواصل عبر الانترنيت"، كما يؤكد أحد الأساتذة. "ولا يجب في كل حال للجامعات أن تتحول إلى بؤر جديدة لكوفيد 19" : كما أكد أستاذ آخر لدويتشه فيله.
مستقبل الجامعات
نحو 6000 من أصل 26.000 أستاذ جامعي وقعوا على رسالة مفتوحة "للدفاع عن الدروس الحضورية". وفيها تم وصف الجامعة "كمكان للتلاقي" والدراسة "كفترة في الحياة لما هو جماعي" تتمخض عنها صداقات وشبكات مهمة. والدروس الجامعية، كما ورد في الرسالة تعتمد على " التبادل والتعاون المليئ بالثقة بين أناس راشدين" وهو يحتاج إلى الحوار بين حاضرين. وبالتالي فإن "الطفرة الرقمية" تهدد هذه العناصر المهمة بالاندثار.
وهناك شبهات لدى البعض تعتبر أن صناع القرار السياسي سواء في العاصمة برلين أو على مستوى الولايات الألمانية لهم تصور بأنه من خلال العروض الرقمية يمكن التوفير في الأساتذة والتكاليف. "وهذه حماقة"، كما يعترض بيرنهارد كيمبين الذي أكد أن "العروض الرقمية قد تكمل دروس الحضور، لكنها لن تعوضها أبدا". فالعلم يعيش من وبالحوار.
فولفغانغ ديك/ م.أ.م