معونات دولية للبيع في اليمن- قصور واحتياج أم تجارة منظمة؟
١٩ ديسمبر ٢٠١٨في أحد الأسواق المركزية وسط العاصمة اليمنية صنعاء، يقف إبراهيم (30 عاماً) إلى جانب أربعة أكياس من المواد الغذائية المعروضة للبيع وعليها شعار إحدى المنظمات الدولية، التي تقدم مساعدات إنسانية، حيث تنتشر ظاهرة عرض سلع غذائية مخصصة للإغاثة في شوارع وفوق أرصفة مختلفة بصنعاء وغيرها من المدن، وتتباين التقييمات بشأنها.
يعرض إبراهيم أكياس الدقيق الأبيض، المطبوع عليها شعار برنامج الأغذية العالمي، بسعر 7 آلاف ريال يمني (نحو 14 دولاراً أمريكياً) للكيس، الذي يبلغ وزنه 50 كيلوغراما، أما الكيس بزنة 25 كيلوغراما (نصف الكمية من الدقيق) فيباع بـ 3500 ريال، وهذه أسعار أقل مما يباع بها الدقيق بالطرق الرسمية.
بمجرد استلام إبراهيم لسعر كيس ما، يسارع إلى جلب آخر من مخزن قريب من السوق، ويرفض الحديث بشأن تفاصيل الأمر، وما إذا كان يوفر الدقيق بنفسه أم أنه يعمل مع أحد التجار، ويُسرب الكمية المخزونة بأعداد محدودة.
بالقرب من المكان الذي يقف فيه إبراهيم، يتواجد صديقه حسن، الذي يبيع علب زيت الطبخ بأسعار تصل إلى 1800 ريال يمني، كما يبيع كيلو الفاصوليا بسعر 300 ريال، وكلاهما جزء من مساعدات توزعها منظمات إغاثية على النازحين، كما أن كميات من علب الزيوت رصدها موقع DW عربية، تٌباع أيضاً في أحد المحال التجارية على الأقل، بالمنطقة ذاتها.
وتقول تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إن ما يزيد على نصف سكان البلاد، بحاجة إلى نوع من المساعدات، بما في ذلك الملايين الذين يعيشون وضعاً يشبه المجاعة، ويعتمدون على المساعدات، منذ تصاعد الصراع في البلاد، قبل ما يقرب من أربع سنوات.
بيع اضطرار أم تجارة؟
مع وجود المنظمات الإغاثية العاملة في البلاد، سواء كانت تابعة للأمم المتحدة أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو تلك المدعومة من أطراف مرتبطة بالصراع في اليمن، كمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (السعودية)، والهلال الأحمر الإماراتي، وغيرهما، انتشرت ظاهرة عرض منتجات غذائية إغاثية للبيع فوق الأرصفة أو في بعض محلات بيع المواد الغذائية.
بعض هذه المساعدات، يقوم ببيعها أشخاص من ذوي الحاجة بعد تسلمهم لها من المنظمات الإغاثية، ويضطرون لبيعها للحصول على نقود يغطون فيها احتياجات أخرى لأسرهم، وهو ما يبدو واضحاً من خلال شهادات يمنيين، أفادوا بها DW عربية، أن نسبة عرض سلع إغاثية للبيع تزيد حول أحد مراكز النازحين، الواقعة بمنطقة عصِر غرب صنعاء، مع كل دفعة يتسلمون فيها المساعدات، لكن هناك من يعتقدون أن جزءاً مما يتم بيعه، يتم بصورة منظمة وبكميات كبيرة.
نبيلة صالح، أرملة يمنية وأم لثلاثة أبناء، تسكن أحد أحياء صنعاء وتنتقد في حديثها لـDW عربية آلية توزيع المساعدات، حيث تسلمت معونة مرة واحدة فقط، كانت عبارة عن كيس طحين 50 كيلوغراما وغالون زيت وكمية من العدس، وأشارت إلى أنها سجلت مرتين، لكنها في الثانية تأخرت عن الموعد وأخبروها أنه لم يعد بالإمكان مساعدتها. وتفيد نبيلة أن أسماء المحتاجين تُكتب "عن طريق عاقل الحارة بإحضار البطاقة الشخصية ورقم الهاتف"، كما تتحدث عن وجود تاجر في المنطقة التي تسكنها تصله كميات من المواد الغذائية بصورة دورية، يقوم ببيعها بطرق غير قانونية.
"الحكومة تراقب..وهناك فساد"
عبدالرقيب فتح، وزير الإدارة المحلية اليمني في الحكومة المعترف دولياً، والذي يتولى رئاسة اللجنة العليا للإغاثة يدافع في حديث خاص لـDW عربية عن موقف حكومته، ويقول إنهم في اللجنة التي يترأسها "نتعامل مع موضوع الإغاثة بحيادية كاملة دون تحيز ووفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها دوليا".
كما يشدد فتح على أنَّ "مسؤوليتنا هي إغاثة الملهوف والمحتاج كمواطن بعيداً عن دينه ومذهبه وأينما وجد؛ سواء في المحافظات الخاضعة للحكومة الشرعية أو الخاضعة للسلطات الانقلابية"، في إشارة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، التي تسيطر على أغلب محافظات شمال البلاد.
ويطالب الوزير اليمني "كل المنظمات الدولية للتعامل مع المواطن اليمني بشكل متساوٍ أينما وجد" وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب. ويشدد على أن الحكومة تتابع التوزيع وتراقب "قدر المستطاع ما يحدث في المحافظات الواقعة تحت مسؤوليتها عبر السلطات المحلية ونوجه التعميمات لكل المحافظات بذلك".
ولا يتردد فتح بإثارة تساؤلات حول المساعدات بالنسبة للمناطق الخاضعة للحوثيين، حيث يقول إنه "للأسف الشديد حسب تقارير الامم المتحدة فإن 70%من مواد الإغاثة دخلت عبر ميناء الحديدة وأكبر مخازن برنامج الغذاء العالمي موجودة فيها". لكن السؤال - والحديث ما زال للوزير اليمني - هو كيف "تظهر المجاعة في مديريات الحديدة والمحافظات المجاورة لها؟"
ويرى فتح أن هذا "يؤكد أن هناك استخداماً يشوبه قدرٌ كبيرٌ من الفساد" من قبل من يصفها بـ"السلطات الانقلابية واستخدام مواد الإغاثة لتمويلات متعددة وغير ملتزمة بالمعايير الإنسانية".
"ظاهرة تضعف ثقة المانحين"
ورداً على الاتهامات الموجهة إلى سلطات صنعاء بالتلاعب بالمساعدات، يقول يوسف الحاضري، المتحدث باسم وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء (وهو موال لجماعة أنصار الله، الحوثيين)، إن جزءاً كبيراً من المساعدات يذهب إلى ما يصفها بـ"المناطق المحتلة" (الخاضعة للتحالف والحكومة المعترف بها دولياً)، ويضيف "مع ذلك ما زال المجتمع هناك يئن من وطأة الفقر والعوز والحاجة والمرض"، رغم أن "مخازنهم ممتلئة عن آخرها".
ويعتبر الحاضري في تصريح لـDW عربية أن "ظاهرة تسريب المساعدات الإنسانية (غذائية أو صحية) إلى الأسواق تعتبر من أشد أنواع الفساد لأن ذلك يؤدي لحرمان محتاجين مما قد ينقذ حياتهم". وشدد الحاضري على أن تلك الظاهرة "تضعف أيضا ثقة المانحين والمجتمع وتنعكس سلبياً على العمل الإنساني بشكل عام، ولا مبرر لها على الإطلاق".
وكشف يوسف الحاضري عن أن هناك ما وصفه بـ"خطوات كبيرة وكثيرة"، بالإضافة إلى "قضايا منظورة أمام النيابة في أمور متعلقة بمثل هذه التصرفات سيكشف عنها في وقته".
جهود برنامج الأغذية العالمي
ظهور شعار برنامج الأغذية العالمي بمنتجات وسلع تُباع بصنعاء، على الأقل، دفع DW عربية للتواصل مع مكتب المنظمة في صنعاء، والذي أفاد أنه في جميع العمليات الإنسانية، يقوم جزء صغير من المستفيدين ببيع المساعدات في السوق لتحويل المساعدات العينية إلى أموال نقدية، مما قد يسمح لهم بمعالجة الاحتياجات الأخرى.
وأضاف المكتب أنه يقدم مساعدات غذائية لحوالي 8 ملايين من الجوعى في اليمن شهرياً، وقبل توزيعها، يقوم بعملية استهداف مفصلة بالإضافة إلى تقييم للأمن الغذائي لضمان حصول الجوعى والمحتاجين على مساعدات غذائية منقذة للحياة، ويتابع مكتب برنامج الأغذية العالمي بصنعاء أن الدراسات أظهرت أن "مساعداتنا الغذائية قد خفضت مستويات الجوع"، مثلما أن استمرار الصراع، دفع بالملايين من اليمنيين إلى حيث يستطيعون بالكاد التأقلم وعمل أي شيء لدعم أسرهم. ويقول برنامج الأغذية العالمي لـDW عربية، إنه يخطط لرفع أعداد المستفيدين من 8 إلى 12 مليون شخص يعانون من الجوع شهرياً.
سبل الحد من التجاوزات
ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أنه يبذل قصارى جهده مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية والشركاء لزيادة تعزيز الوصول إلى المحتاجين، وهو ما يظل عملاً بحاجة للتحسن بالنظر إلى بيئة العمل "بالرغم من أننا نعمل بقوة مع السلطات في صنعاء، إلا أننا لم نتمكن من تنفيذ نظام تسجيل للقياسات الحيوية في الأجزاء الشمالية من البلاد مما يمكن أن يحسن قدرتنا على تتبع جميع المساعدات إلى حد كبير".
أما عن الُسبل التي يعمل بها البرنامج للحد من التجاوزات، فيقول مكتب المنظمة لـDW عربية، إن الطريقة الوحيدة هي إجراء الاستهداف والتسجيل الجديد للمستفيدين، فضلاً عن مواصلته تعزيز رصد عمليات توزيع الأغذية وزيادة نشر رقم الخط الساخن المجاني (8002020)، حتى يتمكن الناس من تقديم تعليقاتهم إلى البرنامج، بشأن أي أوجه قصور في عمليات الاستهداف وتوزيع الأغذية.
يدير برنامج الأغذية العالمي في اليمن 450 موظفاً، بما فيهم 60 موظفاً دولياً، بالإضافة إلى شبكة من 30 شريكاً متعاوناً يتولون الرصد والإشراف على المساعدات المقدمة، كما تتم الرقابة على عمليات التوزيع التي يقوم به وكلاء في المناطق التي لا يستطيع البرنامج الوصول إليها، ويدير حسب إفادته، خطاً ساخناً لجمع المعلومات عن الأشخاص الذين يخدمهم، حيث يقوم مركز اتصال بإجراء دراسات استقصائية للهاتف المحمول بما يصل إلى 2000 استقصاء شهرياً.
أخذ التقارير على محمل الجد
لا تقتصر السلع الإغاثية، التي تعرض في شوارع يمنية، على المواد الغذائية المقدمة من الغذاء العالمي، بل تنتشر أيضاً بعض المواد المقدمة من منظمات للجنة الدولية للصليب الأحمر، غير أن المتحدثة باسم اللجنة في صنعاء ميريللا حديب تقول لـDW عربية، إن "اللجنة نحرص على إيصال المساعدات بشكل مباشر إلى المستفيدين ولا نعتمد إيصال المساعدات عبر الوسطاء، وذلك للتخفيف من هكذا أعمال غير شرعية".
بالإضافة إلى ذلك، فإن اللجنة تعتمد نظام اختيار المستفيدين على أساس الحاجات بغض النظر عن اي معيار آخر، أما بالنسبة للتقارير حول إعادة بيع المساعدات "تأخذها اللجنة الدولية على محمل الجد ونقوم بالتحقيقات لمنع حدوثها"، تضيف المتحدثة باسم الصليب الأحمر.
يذكر أن 14 مليون إنسان في اليمن مهددون بالمجاعة. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن اتفاق الحكومة اليمنية مع جماعة الحوثي بشأن مدينة الحديدة الاستراتيجية في ختام محادثات السويد الخميس (13 ديسمبر/ كانون الأول 2018) "سيسهل وصول المساعدات الإنسانية" للمحتاجين.
صفية مهدي - صنعاء