ماذا بعد فتح الاتحاد الأوروبي باب الانضمام لأوكرانيا؟
١٨ يونيو ٢٠٢٢أصدرت مفوضية الاتحاد الأوروبي، بسرعة قياسية، توصية بقبول أحدث المتقدمين، وهما أوكرانيا ومولدوفا. فيما تم استبعاد جورجيا في هذه المرحلة، من أن تكون مرشحة للانضمام للاتحاد. بعد أيام قليلة من بدء الحرب العدوانية الروسية في نهاية فبراير/شباط، تقدمت الدول الثلاث بطلب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وبعد ثلاثة أشهر ونصف، وإثر فحص مبدئي لآلاف الصفحات من الوثائق المقدمة، أعطى الاتحاد الضوء الأخضر للدولتين اللتين يعتبرهما مؤهلتين. المفوضية أوصت بأن يمنح مجلس الدول الأعضاء في الاتحاد، البالغ عددها 27 دولة، "وضع المرشح" لأوكرانيا ومولدوفا. وهكذا يمكن للمجلس أن يتخذ هذه الخطوة المهمة بقرار يتطلب الإجماع في القمة المقبلة في نهاية يونيو/حزيران الجاري.
ويبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه، فخلال زيارتهم، يوم الخميس 16 يونيو/حزيران، إلى كييف، أبدى كل من المستشار الألماني أولاف شولتسوالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي موافقتهم، وهم الذين يمثلون أكبر ثلاث دول أعضاء في الاتحاد.
أوكرانيا متقدمة بالفعل، كما أكدت أورزولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية. وذكرت أن أوكرانيا أظهرت بوضوح أنها تحترم القيم الأوروبية وتريد أن ترقى إلى مستوى المعايير المطبقة في الاتحاد. وقالت فون دير لاين إن الحرب تظهر أن "الناس على استعداد للموت من أجل القيم الأوروبية". لذلك فإن "أوكرانيا تستحق وضع المرشح. عملية الانضمام تتقدم وفق مبدأ الاستحقاق. وأوكرانيا تستطيع بنفسها الآن صنع مستقبلها".
وأشادت رئيسة المفوضية بالديمقراطية القوية في أوكرانيا والإدارة الفعالة، والتي استمرت بالعمل حتى في ظل اختبار الإجهاد الذي تعرضت له إبان الهجوم الروسي. وخلال السنوات الأخيرة تبنت أوكرانيا 70 بالمئة من قواعد الاتحاد الأوروبي.
الوضع الجيوسياسي سرع عملية قبول الطلب
في الماضي كانت الدول التي تطمح لدخول الاتحاد لا تصبح مرشحة إلا بعد مرور سنوات. وكان الاتحاد الأوروبي يطلب في السابق سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية من المتقدمين. ولكن هذه المرة كل شيء يتحرك بسرعة الضوء على الصعيد السياسي، لأن الحرب الروسية ضد أوكرانيا قد غيرت الوضع الجيوسياسي بشكل واسع النطاق. فأوكرانيا ومولدوفا تتعرضان إما للهجوم أو للتهديد من قبل روسيا، وبالتالي تسعيان للحصول على الحماية بانضمامهما إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن جورجيا تعاني بدورها من العدوان الروسي، لكنها لا تفي حاليا بالمعايير الأساسية لوضع المرشح، كوجود الديمقراطية الراسخة، وفقا للمفوضية الأوروبية. ولكن جورجيا لديها مستقبل أوروبي بمجرد تحقيق الإصلاحات السياسية، و"الباب مفتوح لانضمامها"، كما صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية.
"لقد قلبت الحرب في أوكرانيا النهج الأوروبي بشكل كلي تجاه موضوع التوسع. فلطالما اعتبرت سياسة التوسيع عملية تقنية بحتة، وأصبح يُنظر إليها الآن على أنها أداة جيوسياسية تتطلب نهجا استراتيجيا"، كما يرى ببير موركوس الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
وتتفق رئيسة مولدوفا، مايا ساندو، مع هذا الرأي. فقد صرحت مؤخرا، عند تقديمها طلب بلادها للحصول على العضوية: "في ظل الوضع الراهن الصعب تمام، يجب أن نتحرك بسرعة وبشكل واضح لضمان مستقبل أوروبي وحرية وديمقراطية لمواطنينا".
لا يوجد مسار تفضيلي سريع لأوكرانيا ومولدوفا
ومع ذلك فإن الحصول على وضع المرشح بشكل سريع، لا يعني الانضمام الفوري، كما طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد وقت قصير من الهجوم الروسي. تحدد المادة 49 من معاهدات الاتحاد الأوروبي المسار بوضوح أنه يجب أن تكون هناك أولاً مرحلة تفاوض، ثم معاهدة انضمام، بعدها موافقة جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 على هذه المعاهدة، والتصديق عليها لاحقا في برلمانات هذه الدول. وقد تستغرق هذه العملية سنوات. لأن على الدولة مقدمة الطلب أن تستوفي عددا من المعايير بخصوص نظامها السياسي وسيادة القانون والقدرة على تطبيق مجموعة واسعة من قوانين الاتحاد الأوروبي.
ويختلف الأمر من دولة لأخرى، فقد كانتفنلنداهي الأسرع في اجتياز عملية الانضمام، خلال ثلاث سنوات فقط. فيما تتفاوض تركيا مثلا منذ عام 2005 حتى الآن دون أي نتيجة ملموسة، لأنه لا يمكن إغلاق أي فصل تفاوضي بسبب التطور الاستبدادي في البلاد.
وأشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أسابيع إلى أن المفاوضات مع أوكرانيا، التي تعاني الآن من أزمة اقتصادية هائلة ومن عواقب الحرب، قد تستمر لسنوات أو حتى لعقود. وكوضعية مؤقتة، اقترح ماكرون نوعا من الشراكة السياسية التفضيلية مع كييف. الدبلوماسيون الألمان في الاتحاد الأوروبي ليسوا من مؤيدي عملية الانضمام السريع أيضا، لأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون "مستعدا" لذلك، وأن يكيف مؤسساته وآليات صنع القرار فيه مع عدد متزايد من الأعضاء.
المرشحون في غرب البلقان
إن وضع المرشح الذي من المتوقع أن يتم منحه لأوكرانيا ومولدوفا، في قمة الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو/حزيران، يعني أن لدى الاتحاد الأوروبي خططا جادة لفتح مفاوضات مع الدولتين حول فصول التفاوض الخمسة والثلاثين، ثم ضم الدولتين في حال تكللت المفاوضات بالنجاح. وقد تجاوز هذان البلدان بالفعل البوسنة والهرسك وكوسوفو الواقعتين في غرب البلقان. وعلى الرغم من أن البوسنة والهرسك تقدمت بطلب للحصول على العضوية في عام 2016 ، إلا أنها لم تحصل بعد على وضع المرشح لأن مؤسسات الدولة فيها لا تعمل. أما كوسوفو، التي لم تعترف بها جميع دول الاتحاد الأوروبي، فلم تتمكن حتى من التقدم بطلب للحصول على العضوية.
ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات مع المرشحين ألبانيا ومقدونيا الشمالية. لكن بلغاريا، العضو في الاتحاد الأوروبي، تمنع هذه الخطوة حتى الآن، لأنها اكتشفت مؤخرا مشاكل مع اللغة المقدونية الشمالية والقضايا الثقافية. فيما تتفاوض كل من صربيا والجبل الأسود حول الانضمام، مع تقدم بطيء. وطالب وزير الخارجية النمساوي، ألكسندر شالنبيرغ، في نفس وقت اتخاذ القرار بشأنأوكرانيا، بإعطاء زخم جديد للمفاوضات مع دول البلقان.
وتبقى تركيا المرشح الأكثر عنادا. فلقد تقدمت بطلب العضوية قبل 35 سنة. واليوم تم تجميد مفاوضات الانضمام عمليا، لأن الرئيس رجب طيب أردوغان يرفض أي تعاون حقيقي.
مشاكل في الاتحاد الأوروبي
تظهر التجربة أن عملية الانضمام، التي يمكن أن تبدأ بالنسبة لأوكرانيا ومولدوفا، هي عملية مرنة. الاتحاد الأوروبي مرن من حيث معايير قبول الطلب، بحسب الدولة مقدمة الطلب. ولكن المشاكل تظهر لاحقا، خلال عملية التفاوض، نظرا لأنه تجب موافقة جميع الدول الأعضاء على كل خطوة تفاوضية. ورغم ذلك لا يريد الاتحاد الأوروبي تكرار خطأ حدث: ففي عام 2004 تم قبول جزيرة قبرص الواقعة على البحر المتوسط ، على الرغم من احتلال تركيا بشكل مخالف للقانون الدولي الجزء الشمالي من الجزيرة. وفشلت عملية إعادة التوحيد بسبب رفض القبارصة اليونانيين في الجنوب. وتم جلب هذا الصراع إلى الاتحاد الأوروبي، ولم يتم حله حتى يومنا هذا.
ونظرا لأن كل من أوكرانيا ومولدوفا لديهما صراعات إقليمية مع روسيا أو مع الانفصاليين المدعومين من روسيا، فإن الانضمام الفعلي لا يزال بعيد المنال. فوفقا للقواعد الحالية يجب أولا تسوية هذه النزاعات حول منطقة دونباس وشبه جزيرة القرم (بالنسبة لأوكرانيا)، وكذلك منطقة ترانسنيستريا (بالنسبة لمولدوفا).
كما درس مسؤولو الاتحاد الأوروبي بعناية موضوع التحديات المالية. فانضمام أوكرانيا، التي تعتبر فقيرة مقارنة بالاتحاد الأوروبي اليوم، من شأنه أن يحول الدعم إلى الشرق مع عواقب بعيدة المدى على المتلقين اليوم في دول وسط أوروبا. كما يجب تغيير نظام الإعانات الزراعية بالكامل، لأن أوكرانيا، ستكون أكبر دولة من حيث المساحة في الاتحاد الأوروبي، وستجلب أراضٍ شاسعة صالحة للزراعة إلى الاتحاد. لكن هذا حلم مستقبلي لن يصبح حقيقة إلا بعد عقود.
بيرند ريغيرت/ ف.ي