ملامح سياسة أوروبية جديدة تجاه البلقان
٦ مارس ٢٠٠٨يمكننا أن نستشف السياسة الأوروبية الجديدة من خلال استقراء تداعيات عدة قرارات جديدة مثل قرار ممثلي الاتحاد الأوروبي بالتنسيق من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا نهاية فبراير/شباط إبقاء وجود "المفوض السامي" للبوسنة والهرسك لأجل غير مسمى . وكانت الخطة الأصلية تتضمن سحبه من هناك في 2008، ليتسنى إعلان الاستقلال. ولكن الاتحاد الأوروبي يرى الآن أن الوقت لا يزال غير مناسبا لذلك، لذا يقول المفوض السامي ميروسلاف لايكاك أنه لا يفضل الحديث عن جداول زمنية وإنما عن الأهداف السياسية.
وفي يوم الأربعاء(5 مارس/آذار) أعلنت المفوضية الأوروبية عن هذه الأهداف التي تتمثل في الانفتاح على دول البلقاء بشكل شامل وتكثيف الجهود في مجال إعادة الإعمار والإصلاح والتبادل الطلابي والعلمي وتسهيل دخول سكان البلقان إلى دول الاتحاد الأوروبي. وبذلك أصبحت سياسة الاتحاد الأوروبي غير مقتصرة على البوسنة والهرسك وإنما تضم دول البلقان السبعة مجتمعة.
حدود جمهوريات البلقان لم تعد مقدسة
يعيش في البوسنة والهرسك حوالي أربع ملايين شخص، نصفهم من المسلمين وثلثهم من الصرب وخمسهم من الكروات. وبعد الحرب الأهلية من عام 1992 إلى 1995 قسمت المنطقة إلى جزأين: الجمهورية الصربية وما يسمى بالفدرالية التي يكونها الكروات والمسلمون. هذان الجزءان يعيق كل منهما استقلال الآخر وتطور نظام ديمقراطي فيه. وحتى المفوض السامي لم يستطع أن يحل هذه المعضلة رغم ما يمتلكه من صلاحيات واسعة. والآن أكثر من وقت آخر فإن البوسنة والهرسك في أزمة سياسية شديدة نتيجة لإعلان كوسوفو لاستقلالها، وهو الأمر الذي رحبت به كثير من الدول الأوروبية.
وتكمن خطورة موضوع استقلال كوسوفو في "كونها تشكل مثالا على أن حدود جمهوريات البلقان ليست مقدسة" حسبما يقول دوزان رليك من معهد العلوم والسياسة في برلين. لذا فإن كثير من صرب البوسنة يرون الآن أنه من المسموح لهم الآن ما هو مسموح لكوسوفو، وهو الأمر الذي يهدد استقرار البوسنة والهرسك مجددا.
هذه السياسة الأوروبية في البلقان أصبحت مثار انتقاد عدة جهات حتى من المفوض السامي السابق فولفغانغ بيتريتش الذي شغل هذا المنصب من 1999 إلى 2002. ويقول بيتريتش في هذا السياق: "إن مشكلة السياسة الأوروبية في البلقان هي أنها سياسة مجتزأة ولا تهتم بالصورة الشاملة والتأثيرات المتبادلة للأزمات".
مفارقات سياسية
إن العرض الأخير الذي قدمته المفوضية الأوروبية مؤخرا لجميع دول البلقان جاء متأخرا. وبحسب الخبير ريليك فقد كان على الاتحاد الأوروبي أن يلغي سياسته الخاصة بإعطاء التأشيرات التي تميز ما بين الكروات البوسنيين والصرب البوسنيين والمسلمين. فالكروات البوسنيين مثلا ليس لديهم فقط جوازات سفر بوسنية بل جوازات سفر كرواتية أيضا، أي أنهم يستطيعون الدخول إلى الاتحاد الأوروبي بحرية. أما الصرب والمسلمين فلا يجوز لهم الدخول إلى الاتحاد الأوروبي إلا بتأشيرة. إن المفارقة في هذه السياسية تكمن في إن هؤلاء السكان أنفسهم كان بإمكانهم لإربعين سنة تحت الحكم الشيوعي في يوغسلافيا أن يدخلوا بحرية إلى أوروبا الغربية أما اليوم بعد 15 عاما من الديمقراطية فإنهم ممنوعون من ذلك.
إن المستقبل القريب للبوسنة والهرسك هو مستقبل مظلم بنظر المراقبين. وبحسب المفوض السامي السابق فإنه قد تم تجاهل بناء نظام دولة يعمل بفعالية. واليوم أصبح من الواضح أن 12 سنة لم تكن كافية لتحقيق النظام، وفقط دخول البوسنو والهرسك إلى الاتحاد الأوروبي يمكن أن يخفف من حدة الانقسامات العرقية التي لا تزال تهدد استقرار تلك المنطقة.