ملف المياه المشتركة بين العراق وإيران
٢ يناير ٢٠١٤أولا:
كانت الحدود المائية ،وبالذات في منطقة شط العرب، هي القضية الخلافية الأولى بين العراق وإيران لفترات طويلة، وقد وقّع اثرها البلَدان مواثيق كان آخرها في العام 1975 ضمن اتفاقية الجزائر. اما الموارد المائية التي تقع منابعها في إيران والقادمة الى العراق فلم تكن أمرا ذا شأن إلا في العقدين الأخيرين، لان تلك الموارد كانت قبل ذلك تجري برمتها الى العراق دون عوائق، لكن أنشاء سدود ومنشآت كبيرة على صدور تلك الانهار غيّر من الوضع الطبيعي لها، وأصبح معها العراق يتلقى نتائج سياسات وأنماط تشغيل لتلك المنشآت لا تتناسب بالضرورة مع مصلحته لانها تقرر بصورة انفرادية، كما هو الحال مع تركيا، وبالطبع لم يكن قرار بناء تلك المنشآت منسّقا مع العراق، كما تفترض مبادئ القانون الدولي، لان معظمها قد أُنشئ في ظل علاقة ملتبسة بين البلدين تخللتها حرب طويلة، كانت كلفتها البيئية والبشرية والاقتصادية باهظة جدا على الطرفين.
ثانيا:
تمثل الموارد المائية القادمة الى العراق من ايران حوالي (35 %) من معدل إيراداته السنوية البالغة تاريخيا بحدود (70) مليار متر مكعب، ويمكن تصنيفها، بغرض التبسيط، الى أربع فئات كما يلي:
• الفئة الأولى تمثل منابع الأنهار الكبرى وروافدها في المرتفعات الإيرانية إلى الشرق من حدود العراق الوطنية، وبالأخص نهر الزاب الأسفل، الذي يغذي سد دوكان ويصب بنهر دجلة إلى الشمال من مدينة بيجي، ونهر ديالى الذي يغذي سدَّي دربندخان وحمرين ويصب في دجلة إلى الجنوب من بغداد.
• الفئة الثانية هي الأنهار ومجاري السيول الموسمية، وخاصة في محافظة واسط جنوب مدينة الكوت بين مدينتي شيخ سعد وعلي الغربي، وفي محافظة ميسان وأشهرها نهرا الطيب ودويريج.
• الفئة الثالثة تتمثل بمياه النهرين الكبيرين وهما نهر الكرخة ونهر كارون، حيث يصب الأول في هور الحويزة جنوب شرق مدينة العمارة، والذي يغذي بدوره نهر دجلة شمال القرنة عن طريق نهر الكسّارة ، وشط العرب جنوب القرنة عن طريق نهر السويب، أما نهر كارون فيصب في شط العرب حوالي (30) كم جنوب مدينة البصرة.
• والفئة الرابعة هي مياه شط العرب التي تتكون من مياه الأنهار الأربعة الكبرى دجلة والفرات والكرخة والكارون، والتي تتأثر بظاهرة المد والجزر الطبيعية وتمتزج وفقها بمياه البحر التي تتسبب برفع مناسيب المياه في الشط او خفضها تبعاً لتلك الظاهرة الأزلية.
وكما في اي مكان في العالم تكمن مشكلة المياه المشتركة بالاستخدامات الجديدة لها في منابع او صدور الأنهار، وفي حالتنا يتمثل ذلك في استخدامات المياه في الأجزاء الإيرانية من الأنهار والروافد والوديان المشتركة حيث يُحدث ذلك تأثيرا مباشرا في العراق كدولة مصب، خاصة وانه قد سبق جيرانه في استخدام تلك المياه، ونشأت في ضوء وفرتها تاريخيا المدن والقرى والحقول وغير ذلك، وسنقدم استعراضا مختصرا في ثنايا المقال للقضايا التي يجب معالجتها بما يضمن مصلحة البلدين وفق التصنيفات أعلاه.
ثالثا:
لقد سبق العراق جارته الشرقية في استخدام مياه الأنهار المشتركة بعدة عقود من الزمن واستثمر في البنى التحتية والمنشآت الكبيرة على الأنهار المشتركة، ونشأت مدن وقرى ومزارع وحقول بناء على وفرة تلك المياه. فعلى سبيل المثال انشأ العراق اول سد خزني كبير له على الزاب الأسفل، وهو سد دوكان، في عام 1961 بسعة خزنية تبلغ حوالي (7) مليارات متر مكعب، ولعب السد وما يزال دورا كبيرا في الارتواء وتوليد الطاقة الكهرومائية. كذلك أقيم سدّ آخر على النهر وهو سد دبس في منتصف الستينيات للتحكم بمياه الري وإرواء مشاريع استصلاح كبرى اهمها مشروع ري كركوك، علما ان معدل التصريف السنوي لنهر الزاب الأسفل يقدر بحوالي (8) مليارات متر مكعب، وهذا يمثل حوالي (40 %) من معدل إيرادات نهر دجلة من الجارة الشمالية تركيا، ويمتد حوضه عبر الحدود بنسبة (75 %) داخل الحدود العراقية والربع الأخير ضمن الحدود الإيرانية.
كذلك الأمر في نهر ديالى، حيث تقع ربع مساحة حوضه داخل الحدود الإيرانية، ويتميز بان روافده الكبيرة مثل نهر سيروان ونهر الوند هي مشتركة بين العراق وايران، وكذلك عشرات الروافد الأصغر حجما والتي تغذي مدنا وقرى عديدة في العراق. فقد انشأ العراق في عام 1962 ثاني اكبر سد له آنذاك، وهو سد دربندخان بسعة (3) مليارات، وأعقبه بإنشاء سد حمرين بسعة تقرب من (4) مليارات متر مكعب، وهما من المنشآت المهمة في نظام السيطرة والتحكم بالموارد المائية العراقية في منطقة تعد من أخصب الأراضي العراقية.
اما في ايران، فما عدا سد دز الذي انشأ على احد روافد نهر كارون العام 1962، فان السدود الكبرى الاخرى أنشأت في وقت متأخر نسبيا، ومنها سد نهر الكرخة في العام 2001 وسلسلة سدود على نهر كارون أكملت العام 2006. كما حفرت القنوات وأقيمت سداد لها تأثير مباشر على انسيابية حركة المياه إلى العراق.
لاشك بأن الاجهاد الذي تتعرض له معظم الروافد المشتركة في حوض نهر ديالى، ومنها نهر الوند، الذي تعرض الى جفاف شبه كامل في الأعوام 2007 – 2009، بحاجة الى دراسة ميدانية ومعرفة اعمق كي يمكن وضع تصور عن مدى الاستخدامات الجديدة للموارد المائية المشتركة ان وجدت، الا أن المعروف هو ان المنطقة تعرضت الى حالة جفاف قاسية حينذاك، وقد تكون هي السبب في وقف تدفق المياه في تلك الروافد، وأود تأكيد ان معلوماتي الشخصية بهذه المنطقة وكذلك بمنطقة منابع نهر الزاب الأسفل غير كافية أثناء كتابة هذه المقالة.
رابعا:
تجلب الوديان ومجاري السيول والأنهار الموسمية بين البلدين في مواسم الفيضان كميات كبيرة من المياه الجارفة، بعضها يصب في هور السناف ثم هور الحويزة، كما في حالة نهر دويريج والطيب اللذين يزيد إيرادهما السنوي على مليار متر مكعب احيانا، وبعضها الآخر يندفع الى العمق العراقي في محافظة واسط، ويغطي مساحات واسعة من الأراضي بسبب انبساطها، فتتحقق معه فوائد بيئية وايكولوجية مهمة، الا انه يسبب في بعض الأحيان إضرارا كبيرة في الممتلكات والمزارع والإحياء والقرى المنتشرة في المساحات المنخفضة، كما حدث في أواخر العام 2012 ومؤخرا في العام 2013.
من الجدير ملاحظته انه لم تنشئ أي من الدولتين منشآت هيدروليكية على هذه الوديان وبالتالي فان فيضانها او جفافها يعتمد على العوامل الطبيعية، علما ان العراق قام بإنشاء سداد حماية للمدن والقرى والطرق من فيضانات السيول القادمة من الجانب الإيراني، إلا أنها لم تصمد كثيرا إزاء الأمطار التي حصلت في نهاية العام 2012 والعام 2013 بسبب تهالكها وعدم استخدامها لفترة طويلة حيث تميزت المنطقة بسيادة حالة الجفاف لحوالي عشرين عاما.