من باكستان إلى أوروبا.. رحلة الموت سيراً على الأقدام
٢٩ يونيو ٢٠٢١"سقط واحد منا أرضاً، لم يعد يقوى على السير، أنهكته الرحلة وطرقها الخطيرة، بعد محاولتنا مساعدته، أجبرنا المهرب على التخلي عنه والمضي قدما". هكذا يتذكر علي فيرك حادث فقدان رفيق سفر في طريقه إلى أوروبا. حدث ذلك خلال محاولة مجموعة من المهاجرين الباكستانيين الشباب عبور الحدود بين إيران وتركيا عبر طريق جبلي.
مثل الآلاف من الشباب المنحدرين من المناطق الريفية في باكستان، رأى فيرك البالغ من العمر آنذاك 23 عاما، الفرصة في مستقبل أفضل في أوروبا، حتى لو كان الثمن ائتمان المهربين على حياته خلال رحلة طويلة ومحفوفة بالمخاطر.
بعد إجباره على ترك رفيقه ممدداً على الأرض وحيداً بين الجبال، بدأ الشك يدب في عقل فيرك، وتساءل إن كان الوصول إلى أوروبا فعلا يستحق كل هذه المجازفة. اليوم، تخلى فيرك عن حلمه بالعيش في أوروبا ويعمل بدلاً من ذلك على هدف آخر، يستثمر وقتا ومجهوداً في تحذير الناس من مخاطر الهجرة إلى أوروبا بشكل غير قانوني، ويخبرهم بحقائق لا يفصح عنها المهربون. يفعل كل هذا عبر مشاركة قصة رحلته التي وثقها باستخدام كاميرا هاتفه الذكي، على موقع يوتيوب.
آلاف الكيلومترات من المخاطر على الطريق إلى أوروبا
في عام 2017 ، اتصل علي فيرك بـ "dunker"، وهو مصطلح محلي في باكستان يستخدم لوصف مهرّب البشر. ينظم الـ Dunkers السفر إلى تركيا وأوروبا من خلال المعابر الحدودية بشكل غير قانوني، وعادة ما يكون ذلك مقابل 2500 إلى 4500 دولار أمريكي.
حذر صديق يعيش في تركيا فيرك من المجازفة، لكنه لم يأخذ النصيحة على محمل الجد. يقول "اعتقدت أنه إذا كان صديقي قد استطاع الوصول إلى تركيا بأمان، فسوف أتمكن أنا كذلك من ذلك بطريقة ما".
بعد وقت قصير من اتصاله بالمهربين، غادر فيرك قريته إلى كويتا، وهي مدينة في بلوشستان الباكستانية، وانضم إلى مجموعة من الشباب الذين خوض رحلة الهجرة إلى أوروبا. هناك، كان من المفترض أن يلتقوا بالمهربين ليدخلوهم سراً إلى إيران. يقول فيرك "المهربون أكدوا لنا أنه سيتم توفير النقل، وأننا لن نواجه أية صعوبات على الطريق".
كل الوعود كانت مزيفة، فالـ "النقل المناسب" الموعود به، كان في الواقع حافلة صغيرة محملة بحمولة زائدة. "كانت لشاحنات مليئة بالشباب، بعضهم كان يضطر إلى الجلوس في مؤخرة الشاحنة أو تحت أقدامنا. كل شاحنة صغيرة كانت محملة بـ 17 إلى 18 شخصا، وهو ما يفوق سعتها كثيرا"، يقول فيرك. قبل الوصول إلى منطقة تافتان الحدودية، يجبر المهاجرين على تحمل رحلة سير طويلة عبر طريق وعر.
يقول فيرك: "يموت الكثير من الناس على هذا الطريق، حيث تحصل الكثير من عمليات الاختطاف والسرقة، إنها جرائم شائعة على طول الطريق".
بعد وصولهم إلى تفتان، يقول فيرك إنهم تجاوزوا المناطق الإيرانية وتوجهوا إلى الحدود التركية. لدخول تركيا، كان على المجموعة القيام برحلة جبلية شاقة، على ارتفاع يزيد عن 1600 متر. كانت تلك ذروة رحلة فيرك.
"بسبب الارتفاع قل الأكسجين وصعب علينا التنفس، وكان المسار على طول الجبل ضيق جدًا، وإذا انزلق شخص ما فسيسقط ويموت فوراً". في هذا الطريق، اضطر فيرك للتخلي عن رفيقه المنهك. يقول فيرك "ما زلت أتذكر ما قاله لي، ربما كان ذلك آخر شيء قاله لشخص قبل وفاته، أرادني أن أخبر والدته ألا تنتظره وأن ابنها قد مات". بعد الحادث المأساوي، استطاع فيرك دخول تركيا ووصل إلى الحدود اليونانية، لكنه لم ينجح أبدًا في عبور الحدود نحو الاتحاد الأوروبي.
قرار العودة
حتى لو تمكن من الوصول إلى أوروبا، فإن فرص حصوله على حق اللجوء ستكون ضئيلة. في السنوات الأخيرة، تزايد عدد الباكستانيين طالبي اللجوء في أوروبا، لكن نسبة صغيرة فقط حصلت على الموافقة. خلال الربع الأخير من عام 2020، من بين ما يناهز 5200 طالب لجوء باكستاني، تم رفض 88٪، كما تظهر بيانات المفوضية الأوروبية.
أمضى علي فيرك بعض الوقت في تركيا في وظائف مختلفة بطريقة غير قانونية. في عام 2018، فقد الأمل في تجاوز الحدود الأوروبية بعد عدة محاولات، ليسلك نفس الطريق الذي أتى منه، عائدا إلى باكستان.
على الرغم من أنه لم يصل إلى أوروبا، إلا أنه يعتبر نفسه محظوظًا، فعلى عكس الكثير من المهاجرين الآخرين من باكستان، عاد بأمان إلى وطنه. متأثرًا بوفاة صديقه، قرر اتخاذ خطوات مهمة. يقول "دفعني هذا الحدث بالذات إلى استخدام جميع مقاطع الفيديو والقصص التي صورتها لتحذير الناس من مخاطر هذه الرحلة".
الاستعانة باليوتوب
عاد علي فيرك إلى تركيا واستقر هناك، لديه الآن وظيفة ويقيم بشكل قانوني. ولديه أيضا قناته الخاصة على منصة يوتيوب. يروي من خلالها قصته باستخدام مقاطع الفيديو التي سجلها أثناء رحلته ويحاول فضح كذب المهربين.
يقول فيرك "أتلقى العديد من الرسائل من الأمهات اللاتي يخبرنني أن أبنائهن غيروا رأيهم بشأن الذهاب إلى أوروبا مع المهربين". "أخبروني أنهم استثمروا أموالهم في مشاريع صغيرة في باكستان بدلاً من ذلك".
يقول فيرك إنه يشعر بالارتياح لإدراكه أن مشاركة تجربته ساعدت الناس على اتخاذ قرارات أفضل. "لقد عانيت من الخسائر والألم أثناء رحلتي غير القانونية، والآن أريد فقط أن أتأكد من أن يعلم الآخرين المخاطر التي تنتظرهم قبل خوضها".
منير غايدي/ م.ب
المصدر: مهاجر نيوز