من قارتين .. شباب مروا في طريق بيلاروسيا "القاتل"
٣ ديسمبر ٢٠٢١مروا جميعا في سيارات عبر الجسر الرابط بين مدينة فرانكفورت أودر الألمانية وبولندا، تجاوزوا الحدود عبر الاستعانة بمهربين استغلوا موجة الهجرة التي خلقتها بيلاروسيا، في صراعها مع الاتحاد الأوروبي. كرار وعبد الرزاق، أتى كل منهم من بلد مختلف، مروا عبر بلدان مختلفة، فجمعتهم ألمانيا "الحلم".
من العراق قدم كرار، شاب يبلغ من العمر 22 سنة، كان يحلم بإنهاء دراسة طب التخدير في بلده، لكن الظروف اضطرته للهرب. لم يستطع كرار ذكر السبب المباشر معللا ذلك بخوفه على من بقي في العراق من عائلته، لكنه أكد أن "العودة إلى بلدي مستحيلة، غادرتها مكرها، وإن عدت سأقتل فوراً".
فتحت بيلاروسيا المجال أمام مختلف الجنسيات للحصول على تأشيرات بسرعة وأسعار غير معتادة، كما أن الرحلات كانت يومية مما أدى لتدفق المهاجرين بأعداد كبيرة إلى مينسك. يقول كرار"أتيت من العراق إلى تركيا مباشرة، ومنها إلى بيلاروسيا. كنت قد حصلت على تأشيرة بسهولة وثمن بخس، مما سهل علي الرحلة".
أما عبد الرزاق، فهو شاب تشادي يبلغ من العمر 24 سنة وصل منذ ست وعشرين يوماً إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا أيضا. يقول " كان هدفي الوصول إلى ألمانيا لأكمل دراستي وأحقق مستقبلاً أفضل". أما عن أسباب مغادرته التشاد، فأجاب "غادرت بلدي بسبب الظروف الصعبة التي نعيشها هناك، لا نتوفر على فرص تعليم وخدمات القطاع الصحي متدهورة والفقر أنهك الجميع".
عرف عبد الرزاق بأمر الطريق الجديد نحو أوروبا وفعاليته من أصدقائه الذين سلكوه قبله. يقول "عندما علمت أنهم وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي بخير، قدمت للحصول على تأشيرة إلى مينسك. من العاصمة أتيت بسهولة إلى الحدود بمساعدة البيلاروس، ومن هناك انطلقت الرحلة".
مخاطر الطريق وعنف حرس الحدود
"كان الطقس بارداً جداً، وكانت أعدادنا كبيرة، مهاجرون من كل البلدان التي تعاني مشاكل وأزمات". يحكي كرار في مقابلة لمهاجر نيوز، أن الوصول إلى ألمانيا بعد تجاوز غابات بيلاروسيا وبولندا لم يكن سهلاً، وأن المحاولات تكررت كثيراً بسبب الصد الذي تعرض له في كل مرة من الجانب البولندي.
"كان العنف سيد الموقف في الجانب البيلاروسي، الذي كان يرفض عودة أي مهاجر ممن وصل إلى الحدود البيلاروسية البولندية، وقد اضطررت لذلك مرة". كان أصعب ما مر به كرار خلال محاولات العبور من بيلاروسيا إلى بولندا، ظرف إنساني عاشه برفقة أسرة عراقية معها طفلة معاقة. "كنت أحملها على ظهري لنتمكن من المشي بسرعة، لم يتمكن والدها من ذلك بسبب إصابة في قدمه".
كان بظهر الطفلة المعاقة ثلاث براغي، لكنها لم تتمكن من تحمل تعب الطريق ودرجات الحرارة المتدنية داخل الغابة. بعدما تعال صوت صراخها ألما، قررت الأسرة تسليم نفسها للحرس البيلاروسي، محاولة منها في العودة إلى مينسك، لكن محاولات إقناع الجيش البيلاروسي باءت بالفشل، إذ كانت السيارات المتوفرة تحمل المهاجرين في اتجاه واحد فقط، نحو حدود بولندا.
قررت الأسرة وبرفقتها كرار عبور سياج شائك ومنها الطريق إلى مينسك، لكن الحرس قبض عليهم، هنا تحول الأمر من مجرد إهانات وإرغام على العودة، إلى اعتداء بالضرب المبرح. "أعادونا لنفس المكان لكننا أصرينا على العودة إلى مينسك. قائدهم من تدخل وأمر بإعادة الأم والطفلة فقط، وطلب من الأب الاستمرار في طريقه نحو بولندا، تظاهر الأب بالقبول، لكنه سلك طريق السياج مرة أخرى نحو مينسك ولحق بأسرته ليعودوا إلى العراق".
التوجه نحو الحدود البولندية يضمن مساعدة البيلاروس
حكاية عبد الرزاق مع البيلاروس تختلف عن كرار لأنه لم يضطر للعودة باتجاههم، يقول "ساعدنا الجيش البيلاروسي وسهل أمامنا الطريق للوصول إلى الحدود البولندية، لم يعنفنا أي طرف، لأننا اختبئنا من البولنديين جيداً، ولم نواجد البيلاروس، وصلنا الحدود بدون مواجهات، لكن بصعوبات كثيرة".
كان تواجد هيليكوبترات المراقبة الدائم فوق الغابات يضطر المجموعة للاختباء في الكثير من الأحيان لوقت طويل. يحكي عبد الرزاق "كان يجب أن نظل مختبئين لوقت طويل في طقس بارد جداً. كما أن ما حملناه معنا من أكل وشرب لم يكفينا، عانينا من العطش والجوع الشديدين".
كما تسبب المشي لمدة طويلة في طقس بارد جدا لعبد الرزاق "في تنمل في أطرافي، وعدم إحساس بها في الكثير من الأحيان لساعات، ولم أكن أتمكن من النوم ليلاً من شدة خوفي". كانت هذه أصعب لحظات الرحلة بالنسبة له. لكنه سرعان ما نسيها بمجرد دخول ألمانيا. يوضح : "استطعنا الاتفاق مع مهرب ونحن في بيلاروسيا عبر الهاتف، هو من أمن لنا سيارة جلبتنا من بولندا إلى ألمانيا"، بعد ذلك سلم عبد الرزاق والشباب الثمانية الذين رافقوه أنفسهم للشرطة، بعدما دفع ثمن الرحلة من صحته أولا وجيبه ثانيا ، فقد كلفته في المجموع ما يقدر بـ 4000 دولار.
"لا أنصح أحداً بالمحاولة"
آخر محاولات كرار برفقة مجموعة من الشباب العراقيين كللت بالنجاح، كان خلالها العبور أسهل بعد الاستفادة من أخطاء المحاولات السابقة. يؤكد "في كل المحاولات، كانت الاعتداءات من قبل الجيش البيلاروسي، أما الجيش البولندي فكل ما كان يقوم به هو إعادتنا، وإن أوضحت لهم أنك في حاجة للماء أو الأكل أو الأغطية، لا يرفضون تقديمها".
عند سؤاله عن معرفته المسبقة بمخاطر الطريق الذي فتحته بيلاروسيا وجعلت من المهاجرين وقود صراعها مع الاتحاد الأوروبي، رد كرار "كل ماكان يهمني هو تأمين الخروج من العراق والوصول الى الاتحاد الأوروبي، لم تكن مخاطر الغابات تخيفني، ولم أهتم بالحسابات السياسية أبداً، المخاطر التي واجهتني في العراق كانت أكبر، العراق صار غابة صعب أن تتحمل العيش فيها".
لكن العنف الذي قوبل به كرار من قبل البيلاروس، إضافة إلى تغير الطقس نحو الأسوأ في الأشهر الأخيرة، جعله ينهي حديثه معنا بالقول "لا أنصح أحدا بالقدوم في هذا الطريق الآن، الوضع صار سيئاً جداً خاصة بعدما حل فصل الشتاء، الطريق صار قاتلاً".
مهاجر نيوز / ماجدة بوعزة 2021