من هم أسعد المهاجرين في ألمانيا؟
٢٣ نوفمبر ٢٠١٣ماذا تعني السعادة حقا؟ وكيف يمكنني الحصول عليها؟ سؤالان يحيران العلم أيضا. فالعلم يرى بوجه عام أن السعادة هي الرضا عن الحياة، الذي يشعر به شخص ما، ويمكن قياسه. وهذا تماما هو ما فعله باحثون في "أطلس السعادة لعام 2013". فقد قام هؤلاء الباحثون بتكليف من مؤسسة البريد الألماني "دويتشه بوست" بقياس مدى سعادة الناس في ألمانيا، وخصوصا المهاجرين، وجاءت النتائج مدهشة.
الناس من أصول مهاجرة سعداء حقا بحياتهم في ألمانيا. ويقترب رضاهم عن العيش في ألمانيا من المعدل المتوسط. أما السعداء بشكل خاص من بينهم طبقا لتلك الدراسة؛ فهم الأشخاص الذين يجيدون التحدث باللغة الألمانية. بل إن هؤلاء بالذات تتعدى نسبة رضاهم المعدل المتوسط. وذكر49 في المئة من المهاجرين الذين شملهم الاستطلاع أيضا أن الوضع الاقتصادي الخاص بهم جيد إلى جيد جدا، بينما تبلغ هذه النسبة بين الألمان45 في المئة فقط.
عندما تجلب الهجرة السعادة
هذه النتائج الجيدة ليست مفاجأة بالنسبة لعارف أونال، الذي ينحدر من قرقماز التركية و يعمل الآن مديرا لمركز الكفاءة الاجتماعية والنفسية للمهاجرين، الذي يهدف إلى تحسين الرعاية الصحية النفسية للمهاجرين في مدينة كولونيا. ويقول عارف أونال: "الهجرة يمكن أن يكون تدبيرا وقائيا صحيا، وهذا يتوقف على ما دفع الناس للهجرة، وظروف المكان الذي يهاجرون إليه. فالهجرة بالنسبة للكثيرين هي إجراء لإنقاذ الحياة، ومن هنا تجلب الهجرة السعادة."
التمييز يمكن أن يكون أيضا أحد العوامل التي تقلل من الرضا عن الحياة، كما يتثبت "أطلس السعادة لعام 2013." فعدد أكثر قليلا من نصف المهاجرين الذين شملهم الاستطلاع ذكروا أنهم سبق أن شعروا بتعرضهم لمعاملة غير عادلة بسبب أصولهم (الأجنبية).ووفقا للدراسة فإن هذه المشكلة تواجه خصوصا المهاجرين القادمين من تركيا.
معادلة السعادة: الامتلاك والمحبة والكينونة
ويقول جان ديلهي الباحث في السعادة في علم الاجتماع، الذي يقوم بالتدريس في جامعة ياكوب في بريمن إن المرء لا يمكنه ببساطة اختيار رضاه أو عدم رضاه عن حياته، ويضيف "إن الرضا عن الحياة يحدث عندما تتوفر الشروط لحياة جيدة." ويلخص المسألة في معادلة مختصرة هي : "الامتلاك والمحبة والكينونة". فالامتلاك يمثل الاحتياجات المادية للإنسان، أي الدخل ومعايير المعيشة. أما المحبة فتحوي العلاقات الاجتماعية، "بينما تضم الكينونة كل ما يمكن للإنسان أن يقوم به. فالأشخاص الذين ينشطون جيدا جدا ويمتلكون أشياء تناسب اهتماماتهم فعلا يكونون في العادة راضين جدا عن حياتهم."
لكن الخبيرين أونال وديلهي يعارضان إحدى نتائج "أطلس السعادة". وهكذا، فإن الأكثر سعادة من بين المهاجرين الذين شملهم الاستطلاع هم أولئك الذين ولدوا في ألمانيا، أما من هاجروا إليها بأنفسهم فرضاهم عن حياتهم أقل.
ويعرب ديلهي عن اندهاشه من النتيجة التي توصل إليها أطلس السعادة ويقول: "هناك دراسات تبين العكس تماما، أي أن الجيل الأول من المهاجرين أكثر رضى من الجيل الثاني. وذلك على الرغم من أن الجيل الثاني في كثير من الأحيان أفضل اندماجا. أما نتائج استطلاع مؤسسة البريد الألماني فهي من بين النتائج القليلة التي تختلف مع ذلك."
الجيل الأول من المهاجرين لديه مطالب أقل
ويوضح ديلهي لماذا الجيل الأول من المهاجرين هو الأكثر سعادة في أغلب الدراسات الأخرى فيقول: "إن الجيل الأول الذي هاجر مباشرة ، جاء عادة من بلدان أكثر فقرا وظروفها المعيشية أسوأ. وعندما يأتِ هؤلاء إلى ألمانيا يشعرون كيف أن مستوى معيشتهم تحسن جراء ذلك." ومن ثم يظهر ذلك عبر التعبير برضى أكبر عن الحياة، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء الناس مندمجون بشكل جيد أم لا. "أما الجيل الثاني الذي ولد هنا، فيكاد لا يقارن نفسه مع ظروف المعيشية للبلدان التي جاء منها آباؤهم، وإنما يركزون أكثر على وضعهم نفسه في المجتمع الألماني." ولهذا السبب نجد في الدراسات في كثير من الأحيان نتيجة مدهشة للوهلة الأولى وهي أن الجيل الثاني - رغم أنه أكثر اندماجا- يشعر برضى أقل عن حياتهم مقارنة بجيل آبائهم"، حسب ما يوضح الباحث في مجال السعادة جان ديلهي.
أما أونال السياسي بحزب الخضر فبإمكانه دعم نتيجة البحث هذه من خلال تجربته الشخصية. خاصة: " لننظر إلى العمال الأجانب الأوائل الذين قدموا من تركيا، فقد كان هدفهم العمل وكسب المال والادخار قليلا، ومن ثم ربما شراء منزل صغير في وطنهم الأم. وعندما حققوا تلك الأهداف؛ كانوا بالطبع راضين. إذ لم تكن لديهم مطالب أكبر من ذلك."
لماذا تجلب الحياة النشيطة سعادة أكبر
ويرى أونال أنه بغض النظر عن ما إذا كان الجيل الأول أم الثاني فإن مهاجرين كثيرين في ألمانيا لديهم ميزة صغيرة من حيث الرضى لا علاقة لها بالتعليم أو المسيرة المهنية. "الترابط الأسري خصوصا بالنسبة للعائلات من جنوب أوروبا يلعب دورا كبيرا جدا. فالترابط يمكن أن يلعب دورا إيجابيا كبيرا لدى كثير من المهاجرين."
ومهما كانت جودة الطريقة التي تمت بها أي دراسة فإنه لا يمكن قول أي شيء عن مدى رضى الفرد عن حياته. لهذا يقدم الباحث في مجال السعادة جان ديلهي نصيحتين جيدتين لكل من يريد أن يكون أكثر سعادة في حياتهم وهي : قضاء بعض الوقت مع أشخاص آخرين قدر الإمكان وأن تكون نشطيا. ويضيف ديلهي: "لا تقضى الكثير من وقتك في المنزل في مشاهدة التلفزيون وتناول رقائق البطاطس (الشبسي) وإنما الأفضل هو أن تكون نشيطا، ولديك هواية ما وأن تمارس الرياضة."