من هو جوردان بارديلا الزعيم الشاب لليمين المتطرف في فرنسا؟
١ يوليو ٢٠٢٤غادر بعض الناخبين في فرنسا مراكز الاقتراع بخيبة أمل يوم الأحد (الأول من يوليو/ تموز 2024)، دون تصويت، لكونهم لم يتمكنوا من العثور على ورقة اقتراع عليها اسم جوردان بارديلا.
لا يُعد ذلك دليلاً على الافتقار إلى المعرفة الديمقراطية بين بعض أنصار اليمينيين الشعبويين فحسب، بل يدل في المقام الأول على شعبية زعيم حزب التجمع الوطني. لم يترشح بارديلا لانتخابات الجمعية الوطنية، لكنه مرشح عن حزبه لمنصب رئيس الوزراء في حال فوزه بالأغلبية المطلقة في الجولة الثانية.
يتمتع ابن المهاجرين الإيطاليين البالغ من العمر 28 عامًا بصعود سياسي خاطف وغير عادي. عندما كان طفلاً، كان يقضي إجازاته المدرسية مع عمه في تورينو، الذي كان يدير مطعماً هناك يسمى "أوروبا". وفي سن السادسة عشرة، انضم بارديلا إلى الحزب، الذي كان لا يزال يُسمى آنذاك الجبهة الوطنية. وكان خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي ضمن برنامجه.
لاحظته زعيمة الحزب آنذاك، مارين لوبان، في أمسية لتناول البيتزا مع أعضاء الحزب الشباب، وعلقت عليه آمالاً كبيرة في وقت مبكر للغاية. في سن الثانية والعشرين، كان بارديلا المتحدث الرسمي باسم الحزب ورئيس منظمة الشباب فيه، وفي سن الثالثة والعشرين كان المرشح الرئيسي في الانتخابات الأوروبية.
وقالت لوبان في وقت لاحق عن أصدقائها في الحزب، الذين لم يتوقعوا لهذا الوافد الجديد صعودا سريعا كهذا: "لقد اعتقدوا جميعاً أنني مجنونة".
كان بارديلا مناسبًا تمامًا لاستراتيجية لوبان وهي "إزالة الشيطنة"، كما أسمتها عن الحزب، الذي أسسه والدها جان ماري لوبان، -عضو في قوات الأس أس النازية -، لمنحه صورة أقل تطرفًا. وبارديلا، "النجم الشاب الفصيح"، مناسب جدا لمنح مارين لوبان صورة "الأم الحاكمة" التي خاضت ثلاثة انتخابات رئاسية وتريد الفوز أخيرًا في الانتخابات المقبلة، إلى جانبه. وقد أعلنت لوبان بالفعل، خلال الانتخابات الأوروبية، أنها تريد وبارديلا تولي السلطة كفريق في عام 2027: هي كرئيسة، وهو كرئيس للحكومة. وقد أصبح هذا الهدف في متناول اليد بشكل غير متوقع عندما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات جديدة بعد فوز حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات الأوروبية.
ينحدر بارديلا من أصول متواضعة من إحدى ضواحي باريس. كان الحي الذي يسكن فيه مركزًا لتجارة المخدرات، لكن والدته العزباء أنقذته من الانحدار لهذا المجتمع. كانت صارمة وتهتم بقيم الاحترام، كما أخبر بارديلا مجلة "Valeurs Actuelles" اليمينية المتطرفة.
لم يكمل بارديلا دراسته في الجغرافيا وتوقف قبل أن يحصل على درجة البكالوريوس لأنه انجذب إلى السياسة. وقال بارديلا ذات مرة إنه لو لم يدخل السياسة، لأصبح جندياً. وبدلاً من ذلك، أصبح "جندياً في الحزب" وترقى سريعاً في صفوف حزب التجمع الوطني بقيادة لوبان.
وخلال تلك الرحلة السريعة، تطور ليصبح إعلاميًا محترفًا يبتسم بثبات أمام الثغرات في معرفته وأمام التناقضات. كما أنه ناجح أيضًا بظهوره على تيك توك أمام 1.7 مليون مشترك - على الرغم من أنه نادرًا ما يخلع ربطة عنقه، وغالبًا ما يظهر جالسًا على كرسي جلدي أسود أمام العلم الفرنسي.
للمفاجأة، وخلال الحملة الانتخابية، نأى بارديلا بنفسه عن لوبان وناشد الفرنسيين بالتصويت له، الأمر الذي أحدث ارتباكاً في مراكز الاقتراع. كما نأى بنفسه عن عائلة لوبان في حياته الخاصة. ووفقًا لتقارير الصحف الشعبية، انفصل عن شريكته السابقة، ابنة أخت لوبان.
كان أكبر إنجاز سياسي له هو انضمام زعيم الحزب الجمهوري السابق إريك سيوتي إلى حزبه، ليظهر معه في اجتماع مع جمعية رجال الأعمال، لطمأنة أعضائها، الذين كانوا متشككين بشأن الهدايا الانتخابية المخطط لها من قبل حزب الجبهة الوطنية.
مواقف بارديلا تتماشى مع مواقف الأحزب التقليدية المناهضة للاتحاد الأوروبي والمهاجرين والمعادية للإسلام. فقد قال عند عرض برنامجه إن "الهوية الفرنسية قد تُزاح بشكل غير مسبوق" - في إشارة إلى نظرية المؤامرة اليمينية المتطرفة حول استبدال السكان.
كما يستخدم بارديلا بمهارة "نمط كبش الفداء": فبحسب روايته، يرى أن المهاجرين هم المسؤولون عن العديد من المشاكل، سواء كانت تتعلق بالمالية العامة أو الأمن الداخلي. كما أثار بارديلا الجدل أيضًا بمشروعه لفرض حظر مهني على الفرنسيين الذين يحملون جنسية مزدوجة.
وإذا فشل حزب الجبهة الوطنية في تحقيق الأغلبية المطلقة في الجولة الثانية، فإن بارديلا يفضل عدم تولي منصب رئيس الوزراء على أية حال ـ ربما خوفاً من احتمال سقوطه في التصويت بحجب الثقة بعد فترة قصيرة من توليه المنصب.
سيوفر له هذا الأمر ميزة تتمثل في عدم التورط في الإدارة اليومية والروتين الحكومي. وبدلاً من ذلك، يمكنه الترشح للرئاسة في عام 2027 - وهو ما من شأنه أن يمنح فرنسا مشهداً مثيراً أشبه بالاغتيال السياسي للوبان.
ع.ح/ و.ب (ا ف ب)