هل نحن على أبواب حرب اقتصادية خليجية؟
١٠ سبتمبر ٢٠١٧هدر المليارات مستمر بسبب الأضرار الناجمة عن الأزمة القطرية الخليجية بين قطر من جهة وبين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى. بعض التقديرات تذهب إلى أن اضرار قطر لوحدها خلال ثلاثة أشهر من عمرالأزمة لا تقل عن 6 مليارات. أما أضرار الدول التي قاطعتها فليست أقل من ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن معظم التجارة الخارجية مع قطر كانت مع السعودية والإمارات أو تمر عبرهما.
ويضاف إلى ذلك الأضرار الأخرى الناجمة عن ارتفاع تكاليف التأمين والنقل وتراجع الثقة بمناخ الاستثمار الذي تعكر صفوه في عموم دول وإمارات الخليج. وكأن كل هذه الأضرار لا تكفي حتى تشتد حدة المنافسة بينها على مشاريع عملاقة متشابهة تزيد طاقات استيعابها حاجات السوق المحلية بشكل يحمل في طياته التحدي والهدر والبرسيتج أكثر من مما يحمل حسابات الجدوى الاقتصادية وفرص التقارب السياسي. ويساعدها على هذا الهدر المريع عشرات المليارات المتراكمة من أيام الطفرة النفطية وحكام يتمتعون بصلاحيات مطلقة خالية في بلدان خالية من البرلمانات والقضاء المستقبل والنقابات المهنية والأحزاب السياسية.
القطريون أبطال المنافسة
أول البارزين على حلبة المنافسة الخليجية العملاقة هي قطر التي هرعت بعد مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لها إلى تركيا وإيران اللتان عوضتا نقص السلع في السوق القطرية خلال بضعة أيام. وتلا ذلك قيام الحكومة القطرية بتوجيه رسائل تحدي اقتصادية عديدة تبدو موجهة إلى الإمارات قبل غيرها. ويأتي في مقدمتها إعفاء 80 جنسية أجنبية من تأشيرة الدخول بهدف السياحة والسفر.
ومؤخراً افتتح أمير قطر الشيخ تميم "ميناء حمد الدولي" القادر على استقبال السفن الضخمة كنظيره في منطقة جبل علي دبي ليكون أحد أكبر موانئ الشرق الأوسط ومحور التجارة فيها حسب ما صرح به مسؤولون قطريون. على الطرف الآخر أكتشف الكويتيون والسعوديون حالياً أيضاً فرصهم الضخمة في التجارة والخدمات والسياحة في إطار خطط ضخمة لتوسيع الموانئ والمطارات وبناء مدن سياحية من البحر الأحمر حتى الكويت أسوة بإمارة دبي والإمارات الأخرى التي سبقتهم إلى ذلك قبل ثلاثة عقود. ومع هذا الزخم الكبير من الخطط الرامية إلى بناء أكبر المطارات والموانئ والمنتجعات السياحية والمولات التجارية في المنطقة يصرح نفسه السؤال عن الجدوى من كل ذلك في منطقة أسواقها صغيرة وخلافاتها السياسية عميقة وخطيرة؟
فحوى الرسائل القطرية؟
يقول لسان حال الرسائل القطرية الاقتصادية لكل من الإمارات والسعودية أن الإمارة الصغيرة بمشاريعها الضخمة ومنها الخاصة بمونديال 2022 قادرة من الآن وصاعداً على الاستغناء عن موانئ دبي وأبو ظبي وعن المعبر البري مع السعودية لاستيراد وتصدير سلعها ومستلزمات مشاريعها. على الصعيد السياسي تريد الدوحة أن تقول للدول التي قاطعتها إنها ليست في وارد الرضوخ لمطالبهم رغم المقاطعة الدبلوماسية والتجارية. ومن أبرز التي من أبرزها قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران التي تستغل الدوحة معها أكبر حقل للغاز في العالم ألا وهو "حقل الشمال أو حقل بارس" في مياه الخليج.
نذر حرب اقتصادية
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لقطر، فماذا بالنسبة للدول الأخرى ومشاريعها العملاقة؟ من المعروف عن المشاريع الاقتصادية العملاقة التي تكلف المليارات أنها تأتي غالباً بقرار سياسي لتحقيق أهداف تتجاوز الشأن الاقتصادي. وإذا كان الهدف الاقتصادي المعلن منها تنويع مصادر الدخل بهدف التحرر من التبعية للنفط، فماذا عن الهدف السياسي؟ تريد كل دولة من دول الخليج تعزيز دورها السياسي إزاء جبرانها من خلال هذه المشاريع، غير أن تشابهها وقربها من بعضها وطاقاتها التي تزيد عن حاجات المنطقة ينذر بحرب اقتصادية مفتوحة.
ويتفق هذا الاستنتاج مع العلاقات السياسية القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي، فهذه العلاقات تخفي في طياتها خلافات لا تحصى رغم أنه ظاهرها لا يبدو كذلك. وإذا كانت علاقة قطر مع جيرانها الأشقاء في السعودية والبحرين والإمارات سيئة جداً في الوقت الحاضر، فإن العلاقات بين معظم الأطراف الأخرى لا تبدو وردية بدورها. فالخلافات السعودية الإماراتية قديمة وهي تشمل مناطق حدودية وصراعات على النفوذ في اليمن وغيره. وبدورها فإن الخلافات بين سلطنة عُمان ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى معقدة وقديمة، وقد وصلت إلى حد تهديد السلطنة بالخروج من المجلس بسبب تكرار محاولات الهيمنة عليه من قبل السعودية والإمارات. أما البحرين الت لها ايضاً خلافات حدودية مع قطر فقد أصبحت تحت العباءة السعودية منذ دخول قوات الأخيرة إليها في عام 2011.
من يربح حرب المنافسة؟
في ظل الخلافات القديمة والجديدة تحاول الكويت عبثاً التوسط لحلها في وقت يزداد فيه تعقيدها وحدتها يوماً بعد الآخر. ومع تنفيذ المشاريع المطروحة حالياً للاستثمار لا شيء يمنع من تطور الأمور إلى حرب اقتصادية تقوم على منافسة غير متكافئة تعتمد على تقديم خدمات السفر والسياحة والنقل والتجارة والمال بأسعار بخسة تشعل حرب أسعار لا تحمد عقباها. ويصبح الأمر أكثر خطورة مع احتمال تشكل محور اقتصادي قطري وتركي وإيراني كأحد تبعات الأزمة القطرية التي يبدو حلها بعيد المنال.
ومن شأن محور كهذا أن يزيد من الأهمية الاقتصادية لقطر على حساب جيرانها وفي مقدمتهم إمارة دبي. ويأتي ذلك من كون قطر في مقدمة مصدري الغاز في العالم ولديها مشاريع بنية تحتية عملاقة. ويمكن لهذه المشاريع تقديم ميزات لوجستية وخدمات النقل والصيانة والخدمات المالية للبضائع التركية والإيرانية والآسيوية الأخرى عبر الخليج بأسعار منافسة. الجدير ذكره أن إيرن وتركيا تتمتعان بأكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط.