مناطق بيئية نظيفة: مشروع أوروبي نموذجي لحماية بيئة المدن
٢٧ أبريل ٢٠١٠دفع ارتفاع نسبة الغبار وثاني أكسيد الكربون في أجواء المدن الأوروبية، الإتحاد الأوروبي إلى إقرار مشروع يهدف إلى حماية بيئة هذه المدن. ويتضمن المشروع بدائل وتدابير للحد من التلوث من خلال التحكم في مسبباته مثل كثرة استخدام السيارات الخاصة في المدن.
وقد احتضنت بعض الدول الأوروبية منها ألمانيا وبريطانيا وهولندا والنمسا، مشروعَ "مناطق بيئية نظيفة" إضافة إلى بدائل أخرى. وفي ألمانيا تبنت أربعون مدينة المشروع ضمنها العاصمة برلين ومدينة كولونيا. وتعتبر مدينة ميونيخ رائدة في تنفيذ المشروع، بيد أن بعض الخبراء يرون أن هذه التدابير "صارمة جدا" ويقترحون بدائل لها.
" النظيف فقط يستطيعُ الدخول"
وتحت شعار"النظيف فقط يستطيع الدخول" بدأت مدينة ميونخ تطبيق المشروع الأوروبي "مناطق بيئية نظيفة" في قلب المدينة من خلال الحد من استخدام السيارات التي تنبعث منها غازات كثيفة مسببة للتلوث. ووفق هذا المشروع يتم تصنيف السيارات إلى ثلاث أصناف، وذلك بوضع إشارة لاصقة على الزجاجة الأمامية للسيارات بحسب كمية العادم الصادرة من ماسوراتها. وطبقاً لهذا التصنيف لا تستطيع السيارات ذات الإشارة الحمراء، على سبيل المثال، دخول المناطق التي تخضع لنظام حماية البيئة، ولكي يتسنى لها ذلك عليها عندئذ وضع مصفاة للماسورة.
ويعيش في المنطقة المصنفة كـ "منطقة بيئية نظيفة" في وسط مدينة ميونيخ حوالي 400 ألف نسمة، ولفرض إحترام قواعد حماية البيئة من طرف السكان وخصوصا من قبل مستعملي السيارات وضعت في شوارع المدينة علامات دالة على السيارات المرخص لها بالمرور. وفي حال عدم الإلتزام بالإجراءات المتخذة يتعرض المخالف إلى غرامة مالية قيمتها 40 يورو إضافة إلى حصوله على نقطة في سجله المروري، وقد تؤدي إلى فقدانه رخصة القيادة إذا وصل عدد النقاط إلى 18 نقطة.
ويقول يواخيم لورنتس مستشار البيئة والصحة في مدينة ميونيخ أن مشروع حماية البيئة انطلق في المدينة، وسيتم ابتداءً من أكتوبر 2010 استثناء السيارات التي تحمل الإشارة الحمراء، وبعد سنتين سيأتي دور الإشارة الصفراء. وأكد يواخيم أن تلك الإجراءات لا تهدف إلى تضييق الخناق على أصحاب السيارات، وإنما تهدف إلى خفض نسبة إنبعاث الغازات في الجو، والتي قد تؤدي إلى حدوث مشاكل كبيرة على صحة الإنسان وسلامة البيئة.
الإجراءات البيئية الجديدة تحت مطرقة الانتقادات
ويثير تطبيق الإجراءات البيئية الجديدة في عاصمة ولاية بافاريا إنتقادات بعض الخبراء، حيث يرى ميشائيل نيدرماير الخبير لدى نادي السيارات الألمانية ADAC، الذي يعتبر أكبر نادٍ للسيارات في أوروبا، أن الإجراءات المتخذة "مبالغ فيها بشكل كبير". وأشار في هذا السياق الى وجود العديد من البدائل من أهمها "الموجة الخضراء"، وهي طريقة تعتمد على انسياب حركة السير المروري بسلاسة، بينما تشكل قاعدة "قف وتحرك" السائدة في نظام مرور السيارات إحدى مسببات الإنبعاثات الملوثة للبيئة. وأوضح نيدرماير أن "قاعدة حركة المرور السلسة تدفع الأشخاص الى ترك وسائل النقل العامة والتوجه إلى سياراتهم الخاصة، الأمر الذي يزيد الإنبعاثات وبالتالي التلوث".
وإذا تم تحسين هذا النظام اعتمادا على طريقة " الموجة الخضراء" فستنخفض نسبة الغبار في الجو إلى حوالي الربع ونسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون إلى حوالي النصف، كما يقول الخبير الألماني نيدرماير في حوار مع دويتشه فيله، مقترحا أن يتجه تركيز الحكومات على المصانع بإعتبارها الملوث الأكبر للبيئة، بدلاً من السيارات.
وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا وبعض دول الإتحاد الأوروبي مثل بريطانيا وهولندا والنمسا تبنت مبادرات أخرى إلى جانب"مناطق بيئية نظيفة"، منها رفع أجرة مواقف السيارات وفرض الأجورعلى استخدام الطرق الداخلية وتشجيع الاعتماد على وسائل النقل العامة. ورغم تعهد حوالي 300 مدينة في أوروبا بتطبيق مشروع "مناطق بيئية نظيفة" الا أن جلها يواجه صعوبات في الإلتزام بالأجندة الزمنية المقررة لتنفيذه، مما حدا بها أن تطلب التمديد في الآجال التي وضعها الإتحاد. وقد ترك الإتحاد الأوروبي لكل مدينة إتخاذ القرار المناسب لبدء تنفيذ المشروع لكنه حدد منتصف عام 2011 كأقصى أجل لبدء التنفيذ.
مخاطر صحية وبيئية
وتبين الأبحاث الحديثة أن عوادم السيارات تعد أكثر مصادر تلوث الهواء. وحسب دراسات أعدتها منظمات دولية فإن تلوث الهواء تترتب عنه مخاطر صحية ومادية جمة. وفيما يتعلق بالأضرار المادية، يشير الخبراء الى أن الاختلال في التكوين الكيميائي للهواء يؤدي إلى الإصابة ببعض أنواع السرطان، كما أن له آثار خطيرة على الجهاز التنفسي والعصبي للإنسان إضافة إلى التشوهات الخلقية التي يمكن أن تُتوارث.
وفي سياق متصل، أكد علماء ألمان في دراسة حديثة نشرت في مجلة الأبحاث البيئية في هامبورغ أنه كلما عاشت النساء بالقرب من الطرق السريعة كلما زاد تعرضهن للذرات الملوثة المنبعثة من عوادم السيارات وزاد احتمال ظهور أعراض ضعف بسيط في الذاكرة والإدراك لديهن.
ومن بين الآثار السلبية لتلوث الهواء على مناحي الحياة العامة، انعدام الرؤية وحدوث الصدأ وتآكل المباني. كما يمكن أن يؤدي ارتفاع نسبة الغازات السامة في الهواء إلى هلاك المواشي وأصناف عديدة من النباتات والكائنات الحية.
الكاتب: آنيا زايلر/ محمد السراي
مراجعة: منصف السليمي