منطقة الخليج في الطريق إلى تبوء دور استراتيجي عالمي
٢٣ يناير ٢٠٠٨غدت منطقة الخليج العربي محط اهتمام عالمي متزايد نظرا لتنامي أهميتها الإستراتيجية خلال العقود الماضية، وهو ما تُظهره عناوين الأخبار اليومية المتعلقة بهذه المنطقة، التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) بالإضافة إلى إيران والعراق. لكن القلق إزاء استقرار هذه المنطقة الحيوية لا يزال يلقي بظلاله على هذا الاهتمام وعلى الأمن العالمي.
كما أن ملامح هذا التغيير الجيوسياسي تبدو واضحة للغاية. فبعد أن كان الصراع العربي الإسرائيلي يمثل الشاغل الرئيس في الشرق الأوسط حتى وقت قريب، تبوأ الخليج العربي فعلياً مركز الصدارة لبؤر الصراع الشرق أوسطية في العقود السابقة.
واحة تنمية وتقدم
من الممكن تقديم الحجج الدامغة على انتقال مركز الصراع إلى الخليج العربي بالنظر إلى التطورات السياسية في هذه المنطقة، بدءً بالثورة الإيرانية عام 1979، وهو الحدث الذي مازال يحدد طبيعة الظروف الأمنية في المنطقة بعد 30 عاماً تقريباً، مروراً بالحرب بين إيران والعراق على مدى ثماني سنوات، إلى غزو العراق للكويت عام 1990، ووصولاً إلى الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003.
وبينما لا يزال العراق يصارع من أجل تحقيق استقرار سياسي داخلي، لا يزال الخلاف الراهن حول البرنامج النووي الإيراني يحمل احتمال تفجر صراع جديد في ثناياه، ما يجعل من إيران والعراق الهاجسين الأمنيّين الرئيسيّين في المنطقة. إلا أن النظر إلى الخليج العربي بوصفه منطقة حروب وعدم استقرار دائمين وحسب، لا يشكل سوى جزءً من الصورة، لأنه في الوقت الذي تنهك الاضطرابات كاهل أجزاء واسعة من منطقة تمتد من أفغانستان إلى العراق ولبنان، تُمثل دول مجلس التعاون الخليجي واحة للتنمية والتقدم، وهذا مؤشر إيجابي يختلف عن الوضع الذي كان قائماً في الماضي.
مقدار فائض الميزانية 3 تريليون دولار
وصلت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من مبيعات النفط إلى 350 مليار دولار في عام 2006 ويتوقع وصولها إلى 450 مليار دولار في عام 2008 وذلك بفضل ارتفاع أسعار المنتجات الأولية للطاقة. كما وصل الفائض التراكمي في الحساب الجاري بين عامي 2003 و2007 إلى نحو 700 مليار دولار، وسيصل إلى 900 مليار دولار في عام 2009 بحسب تقارير صندوق النقد الدولي. كما بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5 بالمائة، وتجاوزت الفوائض التجارية 250 مليار دولار في عام 2005. وفضلا عن ذلك، وصلت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لدول الخليج العربي إلى 74 بالمائة في السنوات الثلاث الماضية. وبحسب تقديرات دراسة قامت بها شركة "ماك كنسي McKinsey" فإن منطقة الخليج ستراكم فائضاً في الميزانية مقداره 3 تريليون دولار في الفترة الواقعة بين عامي 2005 و 2025، وأن أكثر من نصف هذا المبلغ سوف يُستثمر في المنطقة.
يتأسس هذا النمو الاقتصادي غير المسبوق على دور الخليج العربي بصفته محطة وقود العالم. وما على المرء سوى مراقبة الأنشطة العمرانية والمشاريع، التي تغير طبيعية المنطقة بوتيرة سريعة ليلاحظ ذلك. كما أن كل التوقعات المختلفة، التي تتعلق بمستقبل إمدادات الطاقة في عالم اليوم، تؤكد حقيقية بروز دور منطقة الخليج العربي بشكل لا لبس فيه.
كنوز تحت الأرض
يحتوي الخليج العربي على ثلثي احتياطي النفط المكتشف في العالم، كما يُنتج أكثر من ربع إجمالي الإنتاج العالمي من النفط ويخزّن قرابة ثلث إجمالي الاستهلاك العالمي. وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيزداد من 84 مليون برميل يومياً في عام 2005 إلى 116 مليون برميل يومياً في عام 2030، وستبلغ حصة الخليج من إنتاج النفط ما يزيد عن 33 بالمائة من إجمالي الاستهلاك العالمي المتوقع بحلول عام 2020.
وحتى إن تغاضينا عن وجود النفط، فالغاز لا يقل أهمية عنه. وهو يبين توقع استمرار هيمنة الخليج العربي على أسواق الطاقة، فعلى سبيل المثال تملك إيران وقطر اثنين من أكبر ثلاثة احتياطيات الغاز. إن تنامي الحاجة للطاقة يجعل من منطقة الخليج العربي المنطقة الوحيدة في العالم، التي تملك قدرات إضافية كبيرة تؤهلها لتلبية الطلب العالمي المتزايد، لاسيما احتياجات الدول الآسيوية ذات الاقتصاد المزدهر.
ضغط على الأنظمة الملكية
وأخيرا لا بد من التطرق للعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية. ففي منطقة الشرق الأوسط، التي تتسم بسيادة النُظم السياسية المحافظة والأنظمة السلطوية، يلاحظ المرء تطورا هاما في منطقة الخليج العربي فقط، حيث يبدو مجال التنمية السياسية الأكثر بروزا وتلعب البرلمانات دورا وظيفيا هاما. كما يجري توسيع هامش الحريات الصحفية، ناهيك عن تحسين إسهام المرأة في توسيع وتيرة التنمية الاجتماعية أكثر من أي وقت مضى. وعلى الرغم من هذه التطورات يبقى الخليج العربي بعيداً عن المُثُّل الديمقراطية العليا في المحصلة النهائية. لكن تعداد الجيل الشاب الكبير، الذي تتوفر له فرص التعليم سيشكل القوة، التي من شأنها أن تدفع الأنظمة الملكية والإمارات الخليجية نحو مزيد من الانفتاح ومزيد من التمثيل السياسي والاجتماعي.
خلاصة القول، على الرغم مما حققته دول الخليج العربي من تطورات مذكورة آنفاً، يبقى هناك الكثير مما يحتاج للحماية وما يمكن أن يضيع هباءً، إذا ما استمرت دوامة الصراع الراهنة في المنطقة.
أمن منطقة الخليج - قضية عالمية
أمن الخليج ليس قضية محلية وحسب، بل إن له بعد إقليمي وآخر عالمي، إذ يتقاطعا مع مجموعة من العوامل المتداخلة والمعقدة نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، المسائل المتعلقة بأمن الطاقة والإرهاب وانتشار الأسلحة والنزاعات الحدودية والتنمية السياسية والتعليم وحقوق الإنسان.
وما يجعل المسألة أكثر تعقيداً في الوقت عينه هو التفاعل المباشر بين الأطراف الإقليمية الفاعلة (دول مجلس التعاون الخليجي الست وإيران والعراق واليمن) ودول الجوار (أفغانستان وباكستان والهند وسوريا وتركيا وإسرائيل والصومال) والمجتمع الدولي الأوسع (الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبشكل متزايد أيضاً بعض البلدان الآسيوية كالصين واليابان).
مشاركة دولية متعددة الأطراف
ضمن هذه الأجواء، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى صياغة دورٍ خاصٍ بها وإلى تعزيز سياسة الحوار والتعاون، التي من شأنها أن تُشكِل أساساً أفضل وأكثر تنظيماً للعلاقات الأمنية سواء داخل المنطقة أو مع الدول الفاعلة الأخرى. ويبرز في هذا السياق تراجع الثقة في بأنشطة وسياسات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بسبب نزوعهما لفرض الهيمنة على حساب الدول الأخرى في المنطقة.
إن إشراك الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، علاوة على الدول الآسيوية الرئيسية، قد يساعد دول الخليج العربي على الخروج من هذه المعضلة الأمنية، أي بتعبير آخر: من الضروري رفع حجم المشاركة الدولية وليس التقليل منها، لأنه لا يمكن ضمان أمن الخليج العربي من دون إرساء منظومة علاقات دولية تشارك في تحمل مسؤولية ضمان استقرار هذه المنطقة الحيوية. ومع مراعاة الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الخليج العربية بناءً على ما تم ذكره، من شأن هذا التوجه أن يدفع الأمور إلى التغيُّر في هذا الاتجاه على أرض الواقع.
كريستيان كوخ
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق الطبع: قنطرة 2008
كريستيان كوخ، مدير قسم الدراسات الدولية في مركز الخليج للأبحاث في دبي.