منظمة المؤتمر الإسلامي: حجم كبير ووزن سياسي مفقود
في بادرة نادرة من نوعها في تاريخ تنظيم القمم الإسلامية والعربية، انطلقت اليوم الأربعاء في مكة المكرمة قمة منظمة المؤتمر الإسلامي الاستثنائية بحضور وفود الدول الـ 57 الأعضاء في المنظمة. ومنذ بدء الوفود المشاركة في اليومين الماضيين بالتدفق على مكة المكرمة، لاحظ المراقبون حضورا مكثفا لرؤساء وملوك الدول الإسلامية وكذلك تواجدا كبيرا لوسائل الإعلام العربية والأجنبية. وعقِب تلاوة آيات من الذكر الحكيم قام العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بافتتاح القمة رسميا، داعيا فيها إلى "التسامح والاعتدال والوسطية." وحمَل العاهل السعودي على التطرف، مناشدا الوفود بإرساء روح التسامح والاعتدال وتحقيق الوحدة الإسلامية، ليس "بسفك الدماء، بل بالتسامح والقضاء على الظلم والقهر، من جهة وعلى الفقر والعوز من جهة أخرى." وتهدف القمة التي تعتبر أكبر تجمع إسلامي منذ عقد قمة المؤتمر الإسلامي الأخيرة في الطائف في عام 1981 إلى "ترتيب البيت الإسلامي" و"تغيير الصورة المظلمة عن الإسلام بسبب العمليات الإرهابية التي نفذت باسمه،" حسب قول وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر صحفي نظم قبيل انطلاق فعاليات القمة.
"الخطة العشرية"
وسبق بدء فعاليات القمة اليوم الأربعاء مصادقة الوفود الرئاسية المشاركة أمس على الصيغة النهائية للبيان الختامي الذي سيناقش ثلاث أوراق هامة هي الخطة العشرية وبلاغ مكة والبيان الختامي. وحسب المراقبين، فإن "الخطة العشرية" أو "برنامج العمل العشري" هو أهم الأوراق التي سيبحثها المؤتمرون لغاية يوم غد الخميس، موعد انتهاء أعمال القمة. ومن بين أهم الاقتراحات التي تقدمها "الخطة العشرية" هي إصلاح "الخلل الفكري الذي أدى إلى التطرف" و"الدعوة إلى حوار الأديان واحترام المذاهب الإسلامية المتعارف عليها وتعزيز دور المرأة" في المجتمعات الإسلامية. وأخذت "الخطة العشرية" على عاتقها إدانة التطرف بكل أشكاله وتصحيح صورة الإسلام وتطوير المناهج الدينية في المدارس وتشجيع الحوار بين المذاهب الإسلامية من جهة وبين الإسلام والديانات الأخرى من جهة أخرى.
تفرقة "يضرب بها المثل"
وعن توقعات الخبراء والمختصين في الشؤون الإسلامية للقمة وكذلك عن رأيهم فيما إذا كانت هذه القمة ستأتي بنتائج ملموسة في ظل تزايد وتيرة العمليات الإرهابية باسم الإسلام والمسلمين، تحدث موقعنا مع رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا السيد نديم إلياس ومع والكاتب والسفير الألماني السابق في الجزائر والمغرب مراد فينفريد هوفمان الذي كان قد دخل في الدين الإسلامي. وفي هذا الخصوص قال السيد إلياس إنه "يتوقع ويأمل في أن يخرج البيان الختامي للقمة برسالة واضحة ترفض أفكار العنف والإرهاب والتطرف."
أما السيد هوفمان فقد أعرب عن عدم تفاؤله بخروج البيان الختامي للمؤتمربالنتائج المرجوة. وقال هوفمان إن التفرقة في العالم الإسلامي وخاصة بين ممثليه "يضرب بها المثل." وأضاف أنه من المعروف أن شعوب الأمة الإسلامية "أقرب إلى بعضها البعض على العكس تماما من قيادتها"، الامر الذي يدعو إلى القلق ويتطلب بذل المزيد من الجهود من أجل تظافر ممثلي الشعوب الإسلامية والتقريب بينها. ونوه السفير الألماني السابق إلى أن العالم الإسلامي لا يملك أي وزن على الساحة الدولية هذه الأيام، سواء على الصعيد العسكري او السياسي، مشيرا الى أن أي من الدول الإسلامية لا تملك مثلا مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي بالرغم من تجاوز عدد المسلمين المليار مسلم. وفي معرض رده على سؤال يتعلق بشرعية هذه الدول وأحقيتها في اتخاذ قرارات تخص الأمة الإسلامية، قال السيد هوفمان أن "هذه الدول كان بامكانها أن تنجز الكثير لشعوبها وللعالم أجمع لو كانت أساليب الحكم فيها ديمقراطية." وختم هوفمان، الذي كان قد أدى فريضة الحج أيضا، بتوجيه انتقاد الى اسم المنظمة الذي "يحمل معاني ودلالات غامضة"، مطالبا بتغيير الاسم من منظمة المؤتمر الإسلامي الى "منظمة الدول الإسلامية."
إلياس:"العالم يتطلع إلينا"
وعن أهمية عقد القمة في الوقت الراهن، قال السيد إلياس إن هذه الأهمية "تنبع من أن العالم أجمع يتطلع إلى العالم الإسلامي وينتظر إصدار بيان واضح وغير قابل للتأويل والتشويه يدين فيه العنف والإرهاب والتطرف." ووفقا لرأي المسؤول، فإن العالم ينتظر موقفا صريحا من العالم الإسلامي يتنصل فيه من العنف والإرهاب ويدينه إدانة واضحة لا لبس فيها. ووجه إلياس رسالة واضحة إلى مجمع الفقه الإسلامي، مطالبا إياه بإصدار بيان "يمثل البعد الديني لهذا الموضوع في الوقت الراهن." وختم المسؤول بمناشدة قمة المؤتمر الإسلامي ببذل كافة الجهود للإفراج عن الرهينة الألمانية في العراق سوزانا أوستهوف، قائلا إنه يجب "الاستفادة من هذه الحالة من أجل التعبير عن رفض الإسلام للعنف." وكذلك من أجل تقديم الشكر لألمانيا التي رفضت شعبا وحكومة الحرب على العراق وما تزال ترفض هذه الحرب. واستطرد في هذا الشأن أن السيدة الألمانية "لم تأت إلى العراق غازية أم معتدية، بل من أجل حماية آثار العراق وتقديم المساعدة لأطفاله."
ناصر جبارة ولؤي المدهون ـ دويتشه فيله