مهاجرة سورية: لماذا لا تتنقبين؟
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
إلى تلك السيدة التي لا أعرفها:
تحية طيبة وبعد،
أكتب إليك لتصل رسالة من خلالك لأُخريات قد يتشابهن معك في التفكير.
كنتِ بنقابك، بالكاد أذكر عينيك وصوتك، هذا كل ما كان متاحاً من وجهك المنقب.
قد لا تتذكرينني.. لكن دعيني أنعش ذاكرتك قليلاً بتفاصيل ما حدث. قبل شهر تقريباً كنت مع صديقتي في السوق، كنا نتحدث باللغة العربية بصوت ربما كان مرتفعا بعض الشيء كعادتنا حتى وصل إلى مسامعك، فاقتربتِ منا وتحدثتِ إلينا بلطافة وبكلمات استحسان، وسألتنا باللغة العربية وبلهجة لم أستطع تحديد جغرافيتها، إن كنا سوريات أم لا دون أن تقدمي نفسك لنا... هل تذكرتني الآن؟
أنا وصديقتي لا نرتدي الحجاب أو النقاب، حينها أضفت لبعض كلمات المديح تلك الطلب المفاجئ، قلتِ لنا : "كنت أتمنى أن أراكما بالنقاب أو الحجاب.. حرام..". لم نقل شيئاً لحظتها سوى شكراً وخرجنا من المكان بذهول وبألف سؤال وجواب.
لا أخفيك سراً بأن لكلماتك القليلة تلك أثر بالغ في نفسي. تضايقت كثيراً مما شعرت به كاعتداء على خصوصيتي وما لمسته من اتهام وتكفير خفي بين كلماتك، كما تضايقت لأنني انسحبت في تلك اللحظة دونما رد أو نقاش يريحني. لم أتعرض لموقف مشابه من قبل، سواء في بلد عربي أو غربي. شعرت بأن هويتي العربية تعطي الضوء الأخضر لرسم حدودٍ لحريتي الشخصية. يبدو لي أن الصورة النمطية موجودة في أذهاننا كعرب قبل أن تُرسم في أذهان الغرب. لم يطرح الألمان علي أسئلة دينية عن انتمائي أو عن مدى الالتزام الديني، لم لا أرتدي الحجاب أو غيره من الأسئلة. فحرية المعتقد مسألة شخصية في ألمانيا، ومن الغريب أن تشيري إلى ما أرتديه أو ما لا أرتديه كنقص يعيبني.
سيدتي.. أحترم حريتك الشخصية بارتدائك النقاب أو الحجاب، وكنت أتوقع منك احترام حريتي الشخصية بعدم ارتدائه أيضاً، أردت إخبارك بأن تقييمك للآخرين بناء على ملابسهم سيشكل عائقاُ كبيراً لك في التواصل الاجتماعي والاندماج في هذا البلد العلماني، وبأن طلبك الذي وصلني كفرض لم أقدر على احتماله، ولا أخفيك سراً أيضاُ بأنه قد أخافني!
لماذا أكتب إليك الآن؟.. لماذا تذكرتك بعد مرور كل هذا الوقت؟ السبب في الواقع هو الجدل الإعلامي الصاخب في أوروبا وفي ألمانيا بين الأحزاب السياسية، والذي ذكرني بذلك الموقف، ولأنني أخالف فرض الحظر الذي أيدته المستشارة ميركل قبل أيام. إذ أرى أن فرض حظر النقاب أو فرض ارتدائه يتعارض مع الحريات التي أحترمها والتي تضمنها ألمانيا.
ومن ناحية أخرى أنا أتفهم وجهات النظر المتفاوتة بين الأحزاب والساسة والناس بشكل عام، فما زال النقاب يشكل رمزاً دينياً سياسياً متشدداً بالنسبة إليهم، ولم يتمكنوا من تقبل عدم رؤية الوجوه التي يتعاملون معها سواء في الطريق أو في المدرسة أو الجامعة أو في العمل؛ على خلاف الحجاب الذي اعتادوه وتقبلوا وجوده وارتداءه من قبل النساء المسلمات في ألمانيا. فوجدت أن لدي الكثير من الكلام لأقوله لك، ولأشاركك كل الضجيج الفكري الذي راودني في لقائنا اليتيم ولم أفصح عنه ولو بحرف واحد! ولأنني لا أعرفك، قررت أن أبعث برسالتي إليك من هنا.
سيدتي العزيزة..
قد تقولين إن جملتك الصغيرة لا تستحق كل هذه المشاعر السلبية التي شعرت بها، أو أنني أعاني من حساسية مفرطة. لكن ماذا لو كنت أنا البادئة؟ ماذا لو كنت قد اقتربت منك وقلت لك بأنني أتمنى أن أراك غير منقبة؟ هل كنت سأنتظر رسالة شفهية أم مكتوبة منك؟
أتمنى أن تقرأي ما كتبته لك بكل ود وطيب، فأنا لا أقصد العتب ولا الشكوى. أردت فقط أن تعلمي بأن الفرض ثقيل على أرواحنا، وأن الاختلاف جوهر الحياة، واحترام حريات الآخرين واحترام المجتمع الذي نعيش فيه بكل ما فيه من عادات وتقاليد مختلفة أو انفتاح ترفضه أو تتقبله معتقدات كل منا؛ هو جسر التواصل الأهم بيننا. لن أطيل عليك الكلام أكثر، فلنضع كل هذا جانباً ونتعامل مع بعضنا باسم الإنسانية والإنسان فقط ونتحلى بروح التسامح.
تحياتي ومودتي..
ريم ضوا