مهاجرون على أبواب أوروبا ـ كيف هو الوضع في مليلية؟
٢٣ يونيو ٢٠٢٣قبل نحو سنة حصلت أحداث مأساوية على السياج الحدودي في جيب مليلية الإسباني الواقع شمالي المغرب، أكثر من ألف مهاجر حاولوا عبور السياج وحصلت مواجهات مع شرطة الحدود، والنتيجة كانت سقوط قتلى وجرحى والعديد من المهاجرين يقبعون منذ ذلك اليوم داخل السجون، وآخرون يعيشون في غابات المغرب المجاورة. والفقر والجوع وفقدان الأمل هي واقع مرير في حياة المهاجرين. وما حصل على السياج الحدودي الذي يرتفع لأمتار هو الجانب القبيح "لحماية الحدود المشتركة" بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وبعد عام من تلك الحادثة تغير الكثير في منطقة الحدود المغربية.
في غابات غوروغو حول مدينة الناظور المغربية ينتظر عادة مئات المهاجرين يتحينون الفرصة لتجاوز السياج الحدودي في مليلية المدينة الاسبانية على الأرض المغربية. وبعد عام من تلك الكارثة في مليلية باتت الغابات خالية ما عدا بعض البقايا من الألبسة وأسرة قديمة وحاويات كبيرة للماء.
ويصف شهود عيان الأحداث على السياج الحدودي في مليلية بأنها معركة بين رجال الشرطة الحدودية والمهاجرين. وسقط العديد من الجرحى و23 على الأقل من المهاجرين لقوا حتفهم أثناء محاولة تجاوز السياج الشائك. وترفع بعض منظمات حقوق الانسان المغربية اتهامات ثقيلة ضد رجال شرطة الحدود.
خيار مستحيل
وبعد سنة من تلك الأحداث يبدو الوضع هادئا في الناظور المدينة المغربية المحاذية لمدينة مليلية حيث لم يعد يوجد المهاجرون الأفارقة والباحثون عن اللجوء إلى أوروبا. لم يعد لهم أثر في الغابات ولا في المدينة، كما يقول طالب اللجوء موسى البالغ من العمر 30 عاما وينحدر من غينيا ويعمل في مطبخ مطعم يغسل الأواني. ورغم أنه يمتلك وثائق لجوء إلا أن الوضع ليس سهلا. ويضيف موسى بالقول: "القيود في كل مكان، ليس بإمكانك الذهاب ببساطة إلى الخارج ولا يمكنك فعل ذلك إلا ليلا. ويجب عليك الانتظار حتى الساعة التاسعة ليلا. وحتى من أجل شراء مواد غذائية وجب عليك التخفي من الشرطة التي قد تعتقلك أو ترحلك" في أي لحظة.
وموسى لديه زوجة وبنت، وبما أن الوضع في شمال المغرب صعب بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة وطالبي اللجوء بعث موسى زوجته وبنته مقابل 4500 يورو بقارب سريع، كما يحكي. وهما الان في اسبانيا وتتلقيان العناية من منظمات إغاثة. أما موسى فيفكر الآن في خطواته القادمة، علما أنه سبق له أن عاش لمدة سنتين في الغابات، وفقد أمواله بعد أن خدعه أحد المهربين المتنكرين. وفي الناظور تعرض موسى للاعتقال، ما يجعل البقاء في المغرب أمر ليس بالواقعي. عن ذلك يقول موسى: "حتى لو أردت شراء بعض المواد الغذائية، فإذا كانت تساوي في الحقيقة درهما واحدا فإنهم يحاولون بيعها لك بدرهمين. يجب أن تدفع أكثر عندما تكن أسود البشرة".
ومن يعيش كمهاجر أو طالب لجوء بالقرب من الحدود فإنه يعرف في الغالب عثمان با المنحدر من السنغال، ويعيش منذ أكثر من عقد في المغرب. عاش عثمان 11 عاما في غابات غوروغو وحاول عشر مرات الوصول إلى أوروبا بدون نجاح.
دوريات شرطة واعتقالات
أما عثمان با فيقول إنه كان يسد رمقه في المغرب بالأكل من سلات المهملات والخبز الملوث بالبول الذي تسبب له في المرض. واليوم يملك عثمان با وثيقة إقامة ويعمل في مجال الهجرة وأسس منظمة غير حكومية في المغرب تعنى بالمهاجرين من دول جنوب الصحراء ويتلقى الدعوات عالميا للمشاركة في مؤتمرات. أما طفلاه فيتحدثان بطلاقة الدارجة المغربية ويذهبان إلى المدرسة.
ويقول عثمان با: "الاتحاد الأوروبي سيقول العمل جيد في الناظور لم يعد يوجد أحد في الغابات. أما بالنسبة لحقوق الانسان فإن ذلك كارثة. والقليلون الذين مكثوا مجبرين على التخفي طول الوقت في الأنفاق وفي الغابات ولا يمكنهم التحرك بحرية. والمغاربة الذين باعوا لهم في السابق السمك والماء لم يعودوا موجودين وحتى منظمات الإغاثة لم تعد تدخل إلى تلك الغابات، الوضع تغير تماما".
والرد على كارثة مليلية جاء في شكل دوريات شرطة أكثر واعتقالات، وهذا أدى إلى تراجع عدد المهاجرين الأفارقة في الغابات حول الناظور ومليلية. لكن الأزمة الإنسانية لكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء، كما يقول عثمان با لم يتغير فيها شيء.
يُذكر أن منظمة العفو الدولية اتهمت بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للمأساة الجمعة (23 يونيو/ حزيران 2023) إسبانيا والمغرب بالتستر على عدم التحقيق كما ينبغي في الأحداث التي وقعت على حدود جيب مليلية الإسباني العام الماضي، عندما لقي عشرات المهاجرين واللاجئين حتفهم خلال محاولة عبور جماعية. وذكرت منظمة العفو الدولية أن 37 على الأقل لاقوا حتفهم ولا يزال ما لا يقل عن 76 في عداد المفقودين. وقال المغرب إن 23 شخصا لقوا حتفهم في تدافع عندما سقط مهاجرون من السياج، بينما أكدت إسبانيا عدم حدوث وفيات على أراضيها.
دنيا صداقي/ م.أ.م