مهاجرون مغاربة في قلب الحُمَّى الانتخابية في انزبروك
١٤ أبريل ٢٠١٢"مؤسف ما وقع وسيئ للغاية"، "سأمنحه صوتي لأنه شجاع"، "ما ذنب بلد بكامله وما ذنب أبنائنا؟"، "أريد زيارة المغرب ولكنني أخاف جراء إهانتنا له". تصريحات لمواطنين نمساويين وبعضهم من أصل مغربي، أدلوا بها لموقع DW خلال جولة وسط مدينة انزبروك النمساوية. وتعكس هذه التصريحات القلق الذي يسود السكان في المدينة عشية إجراء انتخابات محلية في المدينة. وذلك في ظل السجال السياسي والاعلامي الذي فجره مرشح حزب الحرية النمساوي لعمادة مدينة انزبروك. حين لجأ إلى اعتماد شعار إنتخابي يقول "حب البلد بدل المغاربة اللصوص".
وقد صرح بنز في وقت لاحق قائلا:"وضعوني في موقف لا اريد ان اكون فيه"، مضيفا "اريد رسميا ان انأى بنفسي عن هذه الحملة والاعتذار عن مضمونها وصياغتها". غير ان أمين سر حزب اليمين المتطرف غيربرت كيكل دافع عن الحملة الاعلانية، اكد لصحيفة دي برس ان "الواقع القائم في انسبروك هو ان ساحة الجريمة تضم كثافة كبيرة لمهاجرين مغربيي الاصل".
شباب مجهولو الهوية في قلب الحملة الانتخابية
يتعلق المشكل، حسب عدد من السكان الذين التقاهم موقع DW في مدينة أنزبروك بشباب يقيم في المدينة بطريقة غير شرعية من بينهم عدد غير قليل من القاصرين. ويتهمهم سكان المدينة ووسائل الاعلام المحلية مهاجرين بالاتجار في المخدرات وأنهم وراء عدد من حالات العنف التي ارتفعت نسبتها في المدينة في الآونة الأخيرة. قرب محطة القطار التقينا خمسة شبان تتراوح أعمارهم ما بين 22 سنة و33 سنة. ثلاثة منهم مغاربة، واثنان من الجزائر. وقد وصلوا إلى المدينة قادمين إليها عبر الحدود الايطالية التي لا تبعد إلا بـ 23 كيلومترا.
مصطفى، ويبدو إسما مستعارا، يبلغ من العمر 27 سنة، يحاول بيع سروال من الجنيز إلى أحد السيدات النمساويات التي تبدو من مظهرها الخارجي، أنها بدون مأوى. هاجر مصطفى من المغرب بطريقة غير شرعية وعمره 11 سنة. تنقل بين أكثر من بلد اوروبي حسب روايته، واعتقل أكثر من مرة، آخرها في مدينة انزبروك التي قضى في سجنها ثلاث سنوات بتهمة الاتجار بالمخدرات. وعن سؤال حول الاتهامات الموجهة إليه من طرف سكان المدينة، رد قائلا:" ماذا ينتظرون منا ونحن نعيش على هذا الحال. ننام في ظروف صعبة، ولا مداخيل مادية لنا".
مغاربة النمسا حائرون
في وسط المدينة التقينا شبانا آخرين. سعيد مهندس، التحق بوالده الذي هاجر إلى النمسا منذ ثلاثة عقود، ونورالدين يتلقى تأهيلا مهنيا وعبد النبي سائق طاكسي. شباب يحملون الجنسية النمساوية. فجأة وجدوا أنفسهم مجبرين على خوض معركة أطلقوا عليها معركة الدفاع عن الوطن يقول نورالدين. ويقول سعيد: "ما ذنب المغاربة الذين يعيشون في النمسا. نتعرض يوميا للاهانات سواء في الشارع أو في مقر العمل.أطفالنا يتعرضون للشتم من طرف زملائهم في المدارس".
يشكو المهاجرون المغاربة سوء الأوضاع التي يعيشونها، خصوصا في ظل حدة أجواء الحملة الانتخابية وحملات بعض وسائل الاعلام. اذ كادت حادثة الاعلانات الانتخابية أن تتسبب في أزمة ديبلوماسية بين المغرب والنمسا. وهي الحادثة التي رفعت بشأنها ثلاث دعاوي قضائية. وضع دفع أوغوست بينتس صاحب الشعار إلى الاعتذار بقوة وسحب اللوحات الاشهارية من الحملة الانتخابية.
خيارات صعبة
من الناحية القانونية، هنالك شبان مهاجرون بطريقة غير شرعية، وهم في وضع مجهولي الهوية. والسلطات النمساوية تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع. على إعتبار أن اتفاقية جنيف لحماية اللاجئين تمنع ترحيل شخص مجهول الهوية، أو طالما أن يمتنع عن كشفها طواعية. مع الاشارة إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة على مدينة انزبروك، إذ ترجع إلى بداية تسعينيات القرن الماضي. والحل يبدو صعبا حسب ما يقول خبراء، وتُطرح مقاربتان متباينتان للتعامل مع هذا الوضع.
الأولى، مقاربة أمنية تتبنى الصرامة وتقوية الجهاز الأمني من أجل التعامل مع هؤلاء. وهذه المقاربة تدافع عنها الأحزاب اليمينية. أما الأحزاب اليسارية ومنظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الانسان كما هو حال الناشطة الحقوقية إنغريد فيليبي التي صرحت لموقع DW قائلة: "إن هؤلاء الشباب ضحايا وضع اقتصادي وسياسي وإن أوروبا ليست بريئة منه. وهو النقاش الذي يطالب بإعادة النظر في سياسة دول الشمال الغنية تجاه دول الجنوب الفقيرة".
وترى فيلبي أن ما وقع في انزبروك خطوة إضافية في حلقة ترويج خطابات العنصرية والهجوم على المهاجرين وخاصة العرب والمسلمين. ولا يمكن مواجهة ذلك في نظرها إلا إذا تحمل المهاجرون أنفسهم المسؤولية وآمنوا بأن الديموقراطية وحق التصويت كفيل بإعادة التوازن. وتعتقد ان من إيجابيات هذه الحملة أنها حمست المغاربة الذين يحملون الجنسية النمساوية، ويقيمون في المدينة، للذهاب إلى التصويت من أجل قطع الطريق أمام الأحزاب اليمينية المعادية للمهاجرين. أو كما قال عبد النبي سائق الطاكسي "رب ضارة نافعة".
محمد مسعاد - انزبروك(النمسا)
مراجعة: منصف السليمي