مهاجرون مغاربيون بين سندان سوق العمل السوداء ومطرقة الترحيل
٢٧ أبريل ٢٠٠٨تُظهر متابعة ميدانية أجرتها "دويتشه فيله" في عدد من مراكز استقبال اللاجئين ومواقع تواجد المهاجرين المغاربيين غير الشرعيين في ولايات شمال الراين ويستفاليا وهيسن وهامبورغ أن غاليتهم من الشباب، وشملت المتابعة سفينة "سيستا" في دوسلدورف، وهي سفينة مرابطة في ميناء المدينة على نهر الراين، ومخصصة لاستقبال مرشحين يتقدمون بطلبات اللجوء، كما شملت مراكز مشابهة في هامبورغ وفرانكفورت. وفي مركز استقبال اللاجئين في "هيمر" بولاية شمال الراين ويستفاليا الذي يمضي فيه طالبو اللجوء فترة انتظار لحين الرد على طلبهم من قبل دائرة الأجانب ، يوجد أكثر من مائة طالب لجوء 50 في المائة منهم لاجئون عرب نصفهم شردتهم الحرب في العراق ولبنان، أما النصف الآخر فهم من بلدان المغرب العربي، وتتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما.
حتمية العمل في السوق السوداء
ليس هدف المهاجر غير الشرعي عبور الحدود في نهاية المطاف، بل ولوج سوق العمل، وهذا السوق هو أصلا الحلم الذي يقوده منذ بدايات رحلته من بلده الأصلي بحثا عن " الفردوس" في أوروبا. لكن المهاجرين غير الشرعيين يجدون أنفسهم في دوامة أوضاع غير قانونية، فيلجئون للبحث عن العمل في السوق السوداء. ويرصد الخبراء والمنظمات الإنسانية المساعدة للمهاجرين غير الشرعيين مجالات رئيسية يعمل بها هؤلاء أبرزها الخدمات في المنازل وخدمات المطاعم والمقاهي وقطاع البناء وأعمال التنظيف والزراعة. وتتفاوت ظروف المعاملة والتعويضات المادية، ففي مجال الخدمة المنزلية والمقاهي والمطاعم يكون مردودها معقولا، وتكون المعاملة من طرف صاحب العمل جيدة في كثير من الأحيان، بينما تتسم أوضاع العاملين في قطاعي البناء والزراعة بالاستغلال في كثير من الأحيان.
استغلال بلا حدود
تتراوح التعويضات عن ساعة العمل في السوق السوداء ما بين 5 إلى 12 يورو بحسب القطاعات، لكن هنالك قطاعات يكون التنافس فيها كبيراً وتتسم ظروف العمل فيها بالسوء، وخصوصا في قطاع البناء. ويقيم الذين يعملون في قطاعات الخدمات داخل أحياء شعبية، وفي شقق صغيرة ومزدحمة في غالب الأحيان، لأن دخولهم الزهيدة والمعدومة أحيانا لا تكفيهم لتسديد تكاليف إيجارات مناسبة. وغالباً ما تكون إقامة العاملين في قطاع البناء داخل أقبية صحية ليست جاهزة، وهي تشكل جزءاً من الأبنية التي يعملون فيها.
بيد ان تشغيل المهاجرين غير الشرعيين في قطاع البناء، يتم بطرق ملتوية كي يسهل استغلالهم، كما يوضح البريشت كيزر عن منظمة " ليس هنالك إنسان غير شرعي/Kein Mensch ist illegal : "يجري في قطاع البناء استغلال المهاجرين غير الشرعيين بدهاء كبير حيث تكون إحدى كبريات الشركات هي الراعية لمشروع البناء، وهي توزع العقود المختلفة على شركات صغيرة، وفق نظام يحتم اعتماد عمالة رخيصة جدا، ولذلك تستعين الشركات الصغيرة بخدمات المقيمين بصورة غير شرعية في ألمانيا. والشركات الكبرى تعلم ذلك، وهي لا تقوم بنفسها بتشغيل هذه الفئة من العمالة وتترك تلك المهمة للشركات الصغيرة وهذا من الدهاء. ويحدث أحياناً أن توظف الشركات الكبيرة بصورة مباشرة أشخاصا مقيمين بصورة غير شرعية".
وحسب دراسة أنجزها "معهد الابحاث حول الهجرة" بالتعاون مع بلدية مدينة كولونيا حول ظاهرة الهجرة غير الشرعية في المدينة، فقد سجلت ظاهرة تشغيل المهاجرين غير الشرعيين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من قبل الشركات الخاصة تناميا ملحوظا، وارتفعت نسبة المخالفات بأكثر من 20 في المائة ، وتشمل مخالفات العمل شركات خاصة بقطاعات البناء والخدمات والمطاعم والمنازل، ولوحظ ارتفاع في تشغيل النساء بشكل غير شرعي. وأظهرت نتائج الدراسة تقاربا في ظاهرة تشغيل المهاجرين غير الشرعيين في مدينة كولونيا مع ما يحدث في مدينتي فرانكفورت وميونيخ.
كابوس للمنظمات الإنسانية
تفرز الظروف السيئة التي يعيش فيها المهاجر غير الشرعي، مشاكل صحية وإنسانية صعبة، وهو ما تحذر المنظمات الإنسانية من تفاقمه، وخصوصا في أوساط فئات النساء والأطفال. وحسب منظمة "ميدي نيتز" / Medi Netz وهي شبكة طبية منتشرة في اثنتي عشرة مدينة ألمانية، فإن النساء والأطفال يشكلون نسبة 60 في المائة من المهاجرين غير الشرعيين الذين تقدم لهم المنظمة خدماتها الطبية، ومن أكثر الحالات مأساوية التي عالجتها نساء وأطفال من الجزائر والمغرب. وأكدت السيدة سيغريد بيكر فيرث رئيسة فرع "ميدي نيتز" في بون، لـ " دويتشه فيله" ان المنظمة تستقبل سنويا زهاء خمسمائة شخص يعيشون في السرية، وهي نسبة لا تزيد عن 10 في المائة من مجموع المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في المدينة. وتواجه مثل هذه المنظمات تحديات في عملها ، ففي بلد لا يمكن فيه العلاج لمن ليس لديه تأمين صحي، يعتبر المهاجرون غير الشرعيين أنه أحرى بهم عدم المجازفة بالتفكير في علاج قد يسبب السقوط في قبضة الشرطة ومواجهة خطر الترحيل. ويؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى أوضاع كارثية، وخصوصا في أوساط النساء والأطفال.ولهذه الاعتبارات تتوخى المنظمة التستر على هويات المرضى الذين يقصدونها ، ويتولى علاجهم أطباء متطوعون لا يكشفون عن هوياتهم.
ومع نضج تجربة المنظمة أصبحت تجد تجاوبا من قبل عدد من المستشفيات الحكومية أو الخاصة، وأيضا من قبل بعض الدوائر الحكومية المحلية، وهو ما تؤكده مارليس بريديهورست مستشارة بلدية كولونيا للشؤون الاجتماعية والاندماج والبيئة ، إذ شكل تعاطي السلطات المحلية والمستشفيات الحكومية في كولونيا مع المشاكل الصحية والإنسانية للمهاجرين غير الشرعيين، مدخلا لانجاز دراسة شاملة حول أوضاعهم، وقد ساعدت الدراسة على بحث حلول لمشاكلهم، وفي مدن أخرى مثل ميونيخ وهامبورغ جرت محاولات للإحاطة بالمشكلة والتخفيف منها.