ميركل تستضيف أول قمة اندماج وسط انتقادات بعض المنظمات الإسلامية
١٤ يوليو ٢٠٠٦"يُمثل هذا المؤتمر في التاريخ الالماني سابقة، فلأول مرة، يُعد لمثل هذا المؤتمر على مثل هذا المستوى الرفيع". هكذا بدأ منير عزاوي، المتحدث الاعلامي باسم المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا، حديثه مع موقعنا عندما سألناه عن رأيه بهذه القمة. "إن هذا اللقاء يُمثل عرضاً سياسياً مُهماً – من جانب الحكومة الألمانية – لامتصاص تضجر الأقليات، ولاسيما الأقلية المُسلمة" كما قال الخبير الألماني في الشؤون الاجتماعية أحمد آرييس في حديثه لموقعنا. إلا أن ذلك كله يرتطم بالواقع المؤسف الذي ما زالت تشهده الأقلية المسلمة في ألمانيا. وأكبر دليل على ذلك الواقع، امتناع الحكومة الألمانية عن دعوة المنظمات الإسلامية الكبرى مثل "المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا" "والمجلس الإسلامي" إلى مثل هذه القمة التي تخص الأقلية.
قمة للاستعراض السياسي؟
تهدف الحكومة الألمانية عبر هذه القمة الى إرساء قواعد وأسس نوع من السلام الاجتماعي الداخلي. وهو هدف مشروع ومُهم، كما يقول آرييس، إلا أنه لن يصب في حل إشكالية الاندماج، الأمر الذي سيُحدث خيبة أملٍ كبيرة لدى الأقلية المسلمة. "إن خيبة الأمل بعد المؤتمر أشد خطراً من المؤتمر ذاته". فمشاكل الاندماج في ألمانيا لن تُحَل على مستوى الحكومة، وإنما ستُحَل فقط على مستوى الولايات الألمانية. والسبب في ذلك، كما يوضح آرييس، هو أن الحكومة ليست مُخولة للبت في مثل هذه القضايا، ومن ثم فهي لا تمتلك الحق في إصدار القوانين المتعلقة بالاندماج، أو في رفع شعار "الاندماج من خلال التعليم"، إنما الولايات والبرلمانات الألمانية الستة عشر هي التي تمتلك ذلك الحق.
ومع كل أسف، فإن هذه الولايات ليس لديها الرغبة أو الإرادة السياسية لتحقيق اتفاقية ما مع المنظمات والمؤسسات الإسلامية، كما يقول آرييس. فبينما حصلت الكنائس والمعابد على مثل هذه الاتفاقية، الأمر الذي يُمكنها من الإشراف الكُلي على التعليم الديني، تُحرم المساجد والمؤسسات الإسلامية من الحصول على ذلك الحق، بدعوى أن المسلمين ليس لديهم منظمة ممثلة واحدة. ويشير آرييس مُكملاً، إن حرمان المسلمين من ذلك الحق يُفقدهم الإشراف الكامل على تعليم الدين الإسلامي في المدارس، ومن ثم يعطي للولايات فرصة التدخل في إعداد الحصص الدينية للتلاميذ المسلمين؛ وهو ما يعد انتهاكاً واضحاً لحق الجماعة المسلمة في ألمانيا، حسب رأيه.
"الاندماج عبر التعليم" أمر إيجابي..ولكن
رفعت المستشارة الالماينة ميركل شعار "الاندماج من خلال التعليم"؛ وهو شعار – من حيث الظاهر – لا غُبار عليه، كما يفيد المتحدث الإعلامي باسم المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا. فالتعليم، من وجهة نظره، أمر أساسي لإدماج المهاجرين المُسلمين، خاصةً في ظل فشل عدد كبير من التلاميذ المسلمين في المدرسة، وإعراضهم عن اجتياز السُلم التعليمي التقليدي. فقلة من التلاميذ المسلمين داخل ألمانيا تتمكن بالفعل من اجتياز شهادة الثانوية العامة المعروفة "بالأبيتور". ومن ثم، ستتحدث الحكومة الألمانية في هذه القمة عن كيفية تطوير البرامج والأنظمة التعليمية التي تُمكن التلاميذ المسلمين من اتمام تعليمهم، والالتحاق تباعاً بسوق العمل الألماني، مما يؤدي إلى اندماج حقيقي، كما يقول آرييس.
ولكن ليس كل ما يلمع ذهباً؛ فالأمر ليس بهذه السهولة أو البساطة. فأولاً، يعتبر هذا الشعار مجرد فقاقيع في الهواء، ما دامت حكومات الولايات لم تتخذ خطوات إيجابية لتطبيق هذا الشعار على أرض الواقع، كما يشير آرييس الذي أكد مرة اخرى على حقيقة أن القضايا التعليمية ليست من اختصاص الحكومة الألمانية ومن ثم، لا يمثل هذا الشعار إلا خبطة إعلامية، ليس الا.
عدم دعوة المنظمات الإسلامية
ومن جانبه، أشار عزاوي الى ضخامة هذا الحدث، إلا أنه انتقد عدم وضوح تفاصيل تلك القمة، كما انتقد عدم دعوتها لأي منظمة أو مؤسسة إسلامية، في الوقت الذي وجهت فيه الدعوة إلى ممثلي المنظمات المسيحية واليهودية الكبرى، مثل الكنيسة الكاثوليكية الألمانية والمجلس الأعلى اليهودي. ويوضح عزاوي قائلاً: "إن مثل هذا التجاهل يبعث برسالةٍ سلبية الى المنظمات الإسلامية في ألمانيا."
وكانت الحُجج التي صيغت من قبل الحكومة الألمانية لتبرير ذلك التجاهل هي أن المؤتمر سيهتم فقط بالقضايا العلمانية أو "الدنيوية"، وليست الإسلامية، وأن ممثلي المنظمات الإسلامية سيُدعون إلى "القمة الإسلامية"، المفترض عقدها في سبتمبر/أيلول القادم، ومن ثم فليس هناك داعٍ لدعوتهم مرتين.
وينتقد عزاوي تلك الحجج، موضحاً بأن الإسلام يهتم بالقضايا "الدنيوية" أيضا، بل إنه يُحتم على المسلمين النظر إلى شئون العالم وحل ما فيها من إشكاليات وأزمات، باعتبار ذلك جزءاً أساسياً من عقيدتهم. فالمسلمون لديهم رؤية في حل المشاكل، مثلهم مثل المسيحيين واليهود. وتعجب عزاوي من توجيه دعوة الحضور إلى منظمة الـDITIB التركية (الاتحاد الإسلامي التركي للتجمعات الدينية)، التي تمولها الحكومة التركية، دوناً عن جميع المنظمات الإسلامية. فهذه المنظمة، كما يشير عزاوي، لا تمثل جميع الأطياف الإسلامية في ألمانيا.
الاندماج عبر المواطنة والمهنية ومحو المخاوف
يعقد آرييس الآمال على المسلمين، الذين وُلدوا في ألمانيا وترعرعوا فيها في تحقيق الاندماج الحقيقي الذي يقبله المجتمع الألماني عن رغبة وليس عن ضغط. "إن ألمانيا بحاجة إلى مواطنين ألمان مقتنعين قناعةً كاملةً بالإسلام، مواطنين لا يتضجرون من معاناة آبائهم، وإنما يعملون ليلاً نهاراً لتقديم النفع والخير للمجتمع الألماني. وليقتدِ المسلمون بالنبي محمد الذي كان مثالاً واضحاً للعمل المتواصل دون شكوى أو تضجر أو تظلم، على الرغم من كل الإيذاء الذي تلقاه في حياته".
وكذلك نادى عزاوي بضرورة تكثيف جهود المسلمين في عمل شبكة تواصل بين أولئك الباحثين والقضاة الألمان، الذين عُرفوا بمساندتهم للقضايا الإسلامية في ألمانيا، وبين السياسيين والإعلاميين الألمان. بمعنى آخر، لابد من توصيل رؤى أولئك الباحثين والقضاة إلى داخل المجتمع الألماني، خاصة أنهم ليسوا معروفين بالدرجة الكافية. فالقاضيان بوكينفورديه ومارينهولتس وقفا بجانب المسلمين في قضية الحجاب. وأساتذة باحثون مثل بيليهفيلد وروهيه وشيفاوير أيدوا حقوق الأقلية المسلمة في إبراز خصوصيتها، كجميع الأقليات. ودعا عزاوي إلى وجوب إيجاد اتحادات إسلامية أكثر مهنية، وأكثر قدرة على إقناع حكومات الولايات ودفعها إلى التعامل مع المسلمين بعين الجدية والمساواة، كما تعامل المسيحيين واليهود. فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه حكام الولايات الألمانية الخمسة عشر، وهم يمدون أيديهم للتعاقد مع الاتحاديات والجمعيات الإسلامية، كما فعل كريستيان فولف حاكم ولاية سكسونيا السفلى؟
إن الهدف في النهاية – كما يشير المتحدث الإعلامي باسم المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا – هو أن تتحول نظرة المجتمع الألماني للمسلمين، من مهاجرين يشكلون عبئا على المجتمع إلى مواطنين ألمان يقدمون الخير والنفع.