ميركل تسعى إلى استمرارية الشراكة الإستراتيجية مع روسيا
١٦ يناير ٢٠٠٦بعد انتخابها أول مستشارة في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية أعلنت أنجيلا ميركل عن عزمها على مواصلة السياسة الألمانية الخارجية في الكثير من محاورها الرئيسية مثل العلاقة الخاصة مع باريس، والدور الألماني داخل الإتحاد الأوروبي، علاوة على إحياء "الصداقة الإستراتيجية" مع واشنطن بصفتها الحليف الأطلسي الأكبر. غير أن ميركل أعطت في الوقت نفسه إشارات لا لبس في رسالتها السياسية حول ضرورة تحقيق المزيد من "التوازن في منظومة العلاقات الألمانية على الصعيد الدولي عامة، والأوروبي خاصة"، وهو ما عبرت عنه بقولها: "أريد تحقيق النجاح، يجب أخذ موقف كل بلد في الحسبان، وإذا نسي أحد بلداً ما ومصالحه فإننا لن نصل إلى أي نجاح". وفي هذا الإطار يبدو أن ميركل تحرص على تمثيل أفضل لدول شرق أوروبا الصغيرة في عملية اتخاذ القرار السياسي الأوروبي من أجل تبديد مخاوفها المبررة من عودة الهيمنة و"الإمبريالية الروسية".
نقاش حي دون تجاهل اختلاف وجهات النظر
على الرغم من أن براغماتية ميركل أجبرتها على إختيار الطريق الوسط بين ممارسة النقد المباشر وتكريس علاقات خاصة مع شركائها على غرار سلفها شرودر، إلا أن المراقبين ينظرون بترقب إلى أسلوب ومحتوى تعاطيها مع روسيا خلال زيارة اليوم، وخاصة حين تطرح مواضيع شائكة على بساط البحث مثل التراجع في تطور الديمقراطية في روسيا في السنوات الأخيرة والحرب البشعة المنسية إعلاميا التي يشنها الكرملين من أجل إحكام سيطرته على الشيشان، علاوة على صياغة موقف دولي مشترك للتعاطي الفاعل مع التصعيد الأخير في أزمة الملف النووي الإيراني. ومن جانبها أعلنت ميركل أنها تسعى خلال زيارتها الأولى لموسكو إلى "نقاش حي من دون تجاهل اختلاف وجهات النظر مع الشريك الروسي".
فقدان الثقة في الشريك الروسي؟
لا شك أن أزمة الغاز الأخيرة بين وروسيا و أوكرانيا التي لم تطال الدول الأوروبية بشكل مباشر، كانت كفيلة بلفت أنظار هذه الدول إلى خطورة تبعيتها لموسكو وشدة اعتمادها عليها فيما يتعلق بتزويدها بأحد أهم مصادر الطاقة الحيوية المتمثلة بالغاز الطبيعي، لاسيما بعد أن اتضح أن موسكو قد تلجأ إلى التلويح بسلاح النفط واستخدامه كوسيلة ضغط سياسي من أجل خدمة سياستها الخارجية كما فعلت مع أوكرانيا. وفي هذا السياق يعتقد المراقبون أن روسيا سعت للضغط علي أوكرانيا ليس بهدف تحقيق عائد مادي من وراء محاولتها بيعها الغاز لها بأسعار مرتفعة، وإنما عقابا لها لمحاولتها الخروج عن فلك موسكو وسعيها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما عزز من هذا الاعتقاد الاتفاق الذي توصل إليه البلدان من أجل حل الأزمة والذي لم يجلب مكاسب مادية كبيرة لموسكو.
قلق ألماني من "التطور السلطوي" في روسيا
ووفقاً لرؤية روبرشت بولنز، رئيس اللجنة الخارجية في البرلمان الألماني، وعضو الحزب الديمقراطي المسيحى الحاكم، فإن "التطور في روسيا في السنوات الأخيرة مقلق جداً"، مشيراً إلى "تقييد الحريات العامة وحقوق المواطنة، وتشديد قوانين مراقبة عمل ونشاطات المنظمات غير الحكومية". غير أن بولنز المعروف بحنكته السياسية، والذي يعد أحد أكثر السياسيين رصانة ومهنية في التعاطي مع الملفات الساخنة في العلاقات الدولية، اشار في مقابلة أجراها معه التلفزيون الروسي أمس إلى أن "العرض الروسي بتخصيب اليورانيوم الإيراني على الأراضي الروسية يمثل فرصة لحل أزمة الملف النووي الإيراني بطريقة سلمية".
روسيا قوة عظمى بمواردها الطبيعية
لا غرو أن المستشار شرودر إرتبط بصداقة خاصة مع الرئيس الروسي بوتين الذي وصفه شرودر بأنه "ديمقراطي لا شك فيه"، وهو ما أثار سجالاً حاداً حول طبيعة تقييم شرودر للنزعات السلطوية التي شهدتها روسيا تحت حكم بوتين. وهنا ينبغي الإشارة إلى خطوة ذات أبعاد تتجاوز العلاقات الروسية- الألمانية، وهي التوقيع على اتفاق لبناء خط أنابيب لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا بطول 1200 كم من حقول فايبورغ في شمال شرق روسيا، بكلفة تتجاوز 4 مليارات يورو. هذا الخط الذي تبلغ طاقته التصديرية 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، أثار تساؤلات وتقديرات متباينة حول حدود هذه الشراكة وما ينتج عنها من تبعية ألمانية من إمدادات الطاقة الروسية.
أما الجانب الروسي فهو يسعى إلى تعزيز حضور روسيا الدولي عبر تعزيز علاقاتها الثنائية، والتوقيع على مزيد من الاتفاقيات الاقتصادية مع الدول الأوربية وإنجاز الكثير من العقود والاتفاقيات الاقتصادية والأمنية والعسكرية مع محيطها الآسيوي وخاصة قوي المستقبل القريب الصين والهند. لذاك فهو يأمل من خلال زيارة ميركل في "استمرارية التطور في الشراكة الإستراتيجية" وفقاً لتعليق أحد مساعدي بوتين أمس. كما يرى الجانب الروسي أن "توسيع التعاون الاقتصادي سيكون في بؤرة محادثات ميركل مع الرئيس الروسي بوتين".
"شراكة إستراتيجية" وليس "صداقة إستراتيجية"
وفي معرض تحليله لآفاق زيارة ميركل نوه المختص في الشئون الروسية، إنغو مانتويفل، إلى دقة تعبيرات ميركل وتفريقها بين "الشراكة الإستراتيجية" و"الصداقة الإستراتيجية" في وصفها للتطور المستقبلي في العلاقات الروسية الألمانية. فطالما لا تتقبل روسيا قيم الحرية والديمقراطية التي تميز الهوية الأوروبية المعاصرة، فإنه من الصعب استخدام تعبير الصداقة في هذا السياق، على حد قول ميركل. غير أن مانتويفل يشير إلى وعي ميركل بــ"أهمية الدور الروسي كقوة عظمى بمواردها الطبيعية، علاوة على ثقلها السياسي وامتلاكها حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي". وفيما يتعلق برد فعل بوتين على هذا التغيير الطفيف في العلاقات الروسية الألمانية، نوه مانتويفل إلى أن "بوتين سياسي برغماتي. فبالرغم توقع عدم إرتياحه لذلك، إلا أنه سيتقبله، لأنه لا يقف عائقاً أمام دمج وتفعيل دور روسيا كقوة عظمى بمواردها الطبيعية في منظومة الاقتصاد العالمي".