ميركل في تركيا مجددا.. هل يتوقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا؟
٨ فبراير ٢٠١٦التقت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الاثنين (الثامن من فبراير/ شباط 2016) رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال زيارتها لأنقرة، التي هدفها هو التباحث مع المسؤولين الأتراك في قضايا على رأسها أزمة اللاجئين. وجاءت هذه الزيارة في ظل استمرار أزمة اللاجئين السوريين العالقين على الحدود مع تركيا، وتفاقم الأزمة الإنسانية مع استمرار إغلاق السلطات التركية حدودها أمام هؤلاء. فألمانيا مشغولة على المستوى الشعبي والرسمي بأزمة اللاجئين.
ووسط تشكيك في جدوى هذه الزيارة اعتبر السياسي الألماني والأوروبي البارز ألكسندر غراف لامبسدورف أن زيارة ميركل لتركيا ليس لها إسهام جدي في مواجهة أزمة اللجوء، وقال لامبسدورف الذي يتولى منصب نائب رئيس البرلمان الأوروبي: "إن تكرار الزيارات إلى تركيا لا يمثل بديلا عن سياسة لجوء منظمة للحكومة الاتحادية، ولا تزال هذه السياسة غير قائمة". مشددا على ضرورة العمل على توفير خفر السواحل الأوروبي المشترك أو تطبيق قانون لجوء وهجرة أوروبي موحد. فما هو الجديد الذي ستحمله هذه الزيارة بهذا الخصوص؟
أبرز ما أسفرت عنه المباحثات بين ميركل والمسؤولين الأتراك حتى الآن هو الاتفاق على إجراءات لمراقبة الحدود وإغاثة اللاجئين، إذ أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أن منظمتي إغاثة من الجانبين ستبدءان على الفور بالعمل، وهما وكالة الإغاثة التقنية الألمانية (THW) ووكالة مكافحة الكوارث التركية الحكومية.
وبلغ عدد اللاجئين الذين استقبلتهم ألمانيا سنة 2015 أكثر من مليون لاجئ. وتشير التقديرات إلى أن 40 بالمائة منهم سوريون. وقد انتقل عدد كبير من هؤلاء عبر البحر المتوسط من تركيا إلى اليونان، ومن ثم نحو ألمانيا سيرا على الأقدام في ظروف إنسانية صعبة.
"تركيا لن تتحمل المسؤولية لوحدها"
وفي الوقت الذي يحتشد فيه 30 ألف سوري على الحدود التركية هربا من تقدم القوات الحكومية شمال سوريا مدعومة بغطاء جوي روسي، قال داوود أوغلو إن بلاده ستسمح لهم بالدخول "عندما تقتضي الضرروة"، دون تحديد وقت لذلك. محذرا من أن بلاده لن تتحمل وحدها "كامل عبء" استقبال اللاجئين السوريين.
ويقول رسول طوسون وهو محلل سياسي تركي وعضو سابق في البرلمان عن الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، إن زيارة ميركل الحالية هي تطور إيجابي والزيارات المتكررة للمستشارة الألمانية تدل على أن ألمانيا مهتمة بقضية اللاجئين أكثر من باقي الدول الأوروبية، رغم أن مشكلة اللاجئين تعني الجميع. ويضيف طوسون في مقابلة مع DW عربية "مع أن الاتحاد الأوروبي وعد تركيا بمنحة قدرها ثلاثة مليارات يورو للمساعدة في التخفيف من تدفق اللاجئين؛ لكنها لم تحصل على سنت واحد، مع أن ما صرفته على اللاجئين السوريين يقدر بقرابة 20 مليار دولار، والأتراك سيذكرون ميركل بذلك في هذه الزيارة".
بينما يعتبر رالف غضبان الخبير السياسي في برلين أن الأتراك "يحاولون ابتزاز الأوروبيين" ويضيف في حوار مع DW عربية "في البداية طلبوا ثلاثة مليارات يورو، وبعدها زادت الطلبات، وهذا ما جعل بعض الدول الأوروبية تتردد في الدفع لأنها لا تعتقد أن الأتراك سيوقفون بالفعل تدفق اللاجئين إلى أوروبا".
ورقة سياسية بيد تركيا
ويتابع غضبان في حديثه مع DW "إن زيارة ميركل لن تغير شيئا لأن الأتراك غير معنيين بحل أزمة اللاجئين بل يعتبرونها ورقة سياسية يمكنهم استخدامها للحصول على وضع سياسي أفضل في المباحثات حول الأزمة السورية، وبالتالي فحسابات تركيا هنا غير حسابات أوروبا." ويؤكد المحلل السياسي في برلين أن "ميركل أخطأت عندما فتحت الحدود أمام اللاجئين إذ راهنت على تركيا، وعلى أن يتم توزيع اللاجئين على الدول الأوروبية، لكن هؤلاء خذلوها ولم يبق لها سوى أردوغان، الذي يضغط عليها."
وكان الاتحاد الأوروبي قد عرض على تركيا، التي يعيش فيها أكثر من مليوني ونصف مليون لاجئ سوري، مساعدة مالية تقدر بثلاثة مليارات يورو، مقابل تحسين حياة اللاجئين فيها، وتشجيعهم على البقاء هناك. وأدت المفاوضات بين الجانبين إلى إحياء موضوع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما طالبت أنقرة بإلغاء التأشيرة على الأتراك المتجهين إلى الدول الأوروبية. ويتهم بعض السياسيين الأوروبيين تركيا واليونان بالتساهل مع دخول اللاجئين إلى أوروبا.
"تركيا تريد توريط روسيا والأسد"
وكانت فيديريكا موغيريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي قد انتقدت إغلاق تركيا حدودها أمام اللاجئين السوريين العالقين، معتبرة أن المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى تركيا تهدف إلى "ضمان أن تكون لديها الوسائل والأدوات والموارد لحماية واستقبال الساعين إلى اللجوء".
لكن الخبير التركي طوسون يقول إن أول ما يتعين على الأوروبيين القيام به لوقف نزوح اللاجئين إليهم هو المساهمة في إسقاط النظام السوري وإبعاد روسيا ومكافحة الإرهاب ليبقى السوريون في بلدهم. وبخصوص اللاجئين العالقين على الحدود مع تركيا يقول طوسون إن تركيا لا يمكنها أن تدخل أكثر من 30 ألف لاجئ دفعة واحدة ودون التدقيق من هوياتهم لأن ذلك سيخلف فوضى، ويضيف "كثيرا ما واجهت تركيا اتهامات بدعم الإرهاب، وهي حاليا تدقق وتحقق مع من يحاولون الدخول وذلك لتفادي تسلل إرهابيين إلى أراضيها وهذا أمر طبيعي.".
لكن رالف غضبان يرى أن موقف تركيا بهذا الخصوص وراءه أسباب سياسية أيضا: "من جهة تريد تركيا توريط نظام الأسد وروسيا إنسانيا بشكل أكبر. كما أنها في حال سمحت لهؤلاء اللاجئين بالدخول إلى أراضيها؛ سيسهل ذلك مهمة الأسد وحلفائه في السيطرة على تلك المناطق بالإضافة إلى أن المناطق ذات الأغلبية الكردية من الشرق إلى الغرب ستتصل ببعضها وستفقد تركيا منافذها إلى الجانب السوري"، حسب تعبيره.