نباتات الجاتروفا- البذور السامة المفيدة
١٠ يناير ٢٠١٣على مدى ستة أشهر استخدمت شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا الوقود الحيوي في رحلاتها بين مدينتي فرانكفورت وهامبورغ، لكن هذه المرحلة التجريبية انتهت مطلع عام 2012. وفي جميع أنحاء أوروبا أحاطت ظلال سلبية باستخدام الوقود الحيوي، ومن المرجح أن يتراجع استخدام مزيج وقود الديزل الحيوي من عشرة في المئة إلى خمسة في المئة. ولا يزال النقاش محتدما حول استغلال الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي على حساب المحاصيل الغذائية. فهل يعني هذا أن التوقف التام عن إنتاج الوقود الحيوي أصبح وشيكا؟
يدور الجدل في الغالب حول المحاصيل التي تستخدم لإنتاج الإيثانول كالذرة أو قصب السكر، وأيضا حول تلك المستخدمة لإنتاج وقود الديزل كبذور اللفت وزيت النخيل.لكن هناك نباتات مختلفة وهي الجاتروفا curcas ، التي لا تصلح للاستخدام كغذاء لأن ثمارها سامة، إلا أن هذه الثمار تحتوي في الوقت نفسه على نسبة عالية من الزيت، وهي بالإضافة إلى ذلك لا تتطلب عناية خاصة، إذ تنمو الجاتروفا حتى في التربة الفقيرة التي قد لا تكون مناسبة لزراعة المحاصيل الغذائية. وتبدو بذور هذه النباتات الزيتية مناسبة للزراعة في المناطق المقفرة في البلدان النامية، حيث يمكن لصغار المزارعين تحقيق دخل إضافي عن طريق زراعتها وبيعها. وهناك بلدان عديدة كالهند والإكوادورعلى سبيل المثال التي قامت بزراعة نباتات الجاتروفا كمحصول للطاقة. ولكن ما هي الآفاق المتاحة عمليا لاستخدام زيت نباتات الجاتروفا؟
خيبة أمل المزارعين في الهند مرارا وتكرارا
تحدثت تقارير في التسعينيات بحماس كبير عن الجاتروفا، كما يقول جورج فرانسيس العضو المنتدب لمجموعة LiveEnergiesالتي تدير مشروعات لإنتاج الوقود الحيوي. وكان فرانسيس الهندي الأصل في ذلك الوقت يعد الدراسات العليا في جامعة هوهنهايم بجنوب ألمانيا، وشارك هناك مع باحثين آخرين في استكشاف ما إذا كان زيت بذور نباتات الجاتروفا البرية مناسباً لإنتاج وقود الديزل الحيوي عالي الجودة.وفي وقتوجيز تكللت التجارب بالنجاح، إلا أن المرحلة الثانية من المشروع كانت أكثر تعقيدا، إذ كان لا بد من زراعة الجاتروفا في الهند لمعرفة حجم المحصول المحتمل بعد زراعتها في الأراضي قليلة الخصوبة. ويوضح فرانسيس بأن "الأمر لم يكن سهلا، لأن الجاتروفا نبات يحتاج بعد زراعته إلى نحو ثلاث سنوات حتى يصل إلى قدرة إنتاجية عالية. ويمكن في السنوات الأولى حصاد بضع مئات فقط من البذور من النبات الواحد.وفي وقت لاحق، يمكن للنبتة الواحدة التي تنمو في ظروف جيدة توفير أكثر من ثلاثة كيلوغرامات من البذور، مع نسبة تتراوح بين 30 إلى 35 في المئة من الزيت، وهذا يعادل النسبة المتوفرة في المحاصيل الزيتية الأخرى.
ويسرد فرانسيس تجربته قائلاً: "في عام 2008 ذهبت إلى الهند للمساعدة في عمليات تنظيم زراعة الجاتروفا، وكنت ساذجا لاعتقادي بأن المزارعين ليس لديهم شيئا ليخسرونه، وعندما نطلب منهم زراعة أراضيهم البور مجددا بنباتات الجاتروفا، فإنهم سيفعلون، خصوصا أننا قمنا بتوفير الشتول. إلا أن المزارعين كانوا مترددين في هذا الشأن. ولم تكن الأسباب شخصية، إذ ليس لديهم شئ ضدنا، لكن هؤلاء المزارعين مروا بتجربة سيئة جدا في الماضي مع نصائح المنظمين الأجانب الذين حاولوا فرض أصناف نباتية جديدة عليهم. وبالرغم من الوعود بجني محصول وفير، إلا أن النتائج على أرض الواقع كانت مختلفة."
وفيما بعد وجد فرانسيس أن نباتات الجاتروفا يلزمها قليل من الري خصوصا في فصل الصيف الجاف. لكن في صيف ذلك العام كان المزارعون قد تركوا قراهم وذهبوا إلى المدن للعمل، لأنهم لم يحصدوا شيئا من حقولهم. إلا ان المزارعين عادوا للاهتمام في موسم الصيف التالي الذي كان جيدا، وقد اهتموا بأفضل الحقول، ولم يعيروا اهتماما يذكر لنباتات الجاتروفا.وهكذا حصلنا من كل نبتة على كيلوغرام واحد من البذور، أي أقل من ثلث ما يمكن أن يتحقق في ظل توفر ظروف جيدة."
تجربة مختلفة في مانابي
وجاءت المبالغة في التعويل على نبتة الجاتروفا في الهند بمثابة إشارة تحذير وصلت لأنحاء أخرى بعيدة من العالم. فالإكوادور على سبيل المثال سلكت نهجا مختلفا، حيث لم تلجأ إلى تشجيع زراعة نباتات الجاتروفا لاستخراج الزيت منها وإنتاج وقود الديزل الحيوي، بدلا عن ذلك لجأت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في الإكوادور منذ عام 2009 إلى تشجيع المزارعين في محافظة مانابي الساحلية حيث تنمو الجاتروفا من عقود على ترسيم الأراضي الزراعية واستخدام تلك النباتات السامة لإبقاء الحيوانات بعيدا عنها. وكما تقول غابرييلا كامبوتسانو التي تعمل في الوزارة وتملك كذلك خبرة كبيرة بالمشروع بحكم عملها كمهندسة، فإنه "كان من الصعب تشجيع المزارعين على جني ثمار الجاتروفا من الأسوار الطبيعية المحيطة بحقولهم. وكان علينا أن نشرح لهم كيفية العناية بتلك النباتات لزيادة إنتاجية البذور". في السابق كان المزارعون يقومون بقطع جميع فروع الجاتروفا الصغيرة وبربط الفروع الرئيسية بالأسلاك لتشكيل الأسوار العازلة لحقولهم. لكن الآن يمكن للنباتات أن تنمو أيضا جانبيا بعد قصها بطريقة مختلفة، وهذا يساهم في زيادة كمية المحصول.
وهكذا حظيالمشروع في نهاية المطاف بالقبول،وبينما شاركت في السنة الأولى 50 عائلة فقط تمكنت من حصاد 24 طنا من ثمار الجاتروفا، بلغ عدد الأسر المشاركة عام 2012 حوالي 1500 أسرة تمكنت من حصاد ما مجموعه 215 طنا.وقام هؤلاء المزارعون ببيع محصولهم للدولة والحصول على دخل جيد، وهم أحوج ما يكون إلى أي دخل إضافي لوجودهم في إحدى أفقر المناطق في البلاد. وعند انتهاء فترة العطلات وعودة الأطفال إلى المدرسة، لا يوجد شيء يمكن حصاده سوى الجاتروفا، وكما تقول كامبوتسانو فإن "العديد من الأسر تلجأ إلى جمع ثمارالجاتروفا وبيعها، وبالدخل تتمكن الأسرة من شراء المواد التعليمية اللازمة للمدرسة.إن طقوس جمع ثمار الجاتروفا تحولت إلى ما يشبه الاحتفال، ويمكن مشاهدة المزارعين وهم يحملون الأكياس الضخمة المليئة بثمار الجاتروفا على ظهور الحمير التي يستخدمونها كوسيلة نقل."
ويطلق على مشروع زراعة الجاتروفا في الإكوادور اسم "مشروع الطاقة المتجددة لغالاباغوس" الذي يعرف اختصارا بـ ERGAL. وحتى عام 2020 من المخطط أن تتحول جزر الإكوادور جميعها إلى استخدام الطاقة المتجدد حصرا. وبالفعل نجحت جزيرة فلورينا Floreana، وهي من أصغر جزر غالاباغوس، في الاستغناء بشكل نهائي عن الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري. وهناك تم إدخال تعديلات على مولدات الديزل، وأصبحت تعمل الآن بزيت الجاتروفا النباتي النقي. وكما توضح كامبوتسانو، فإن الخطط المستقبلية ترمي إلى زيادة إنتاج الزيت إلى الحد الذي يسمح بتعميم استخدام الوقود البيولوجي على نطاق أوسع في جزر غالاباغوس الكبرى. الجاتروفا لها مستقبل كبير في هذا البلد."
أيضا الهند لم تتخلى عن زراعة الجاتروفا على الرغم من الإخفاقات الأولية، إذ يعكف الباحثون على تحسين المحصول.وكما يقول آروب غوش من معهد أبحاث الكيماويات بولاية غوجارات، فقد تم الآن تعميم زراعة أفضل النباتات، وسوف يستمر زراعة هذه الأصناف على الأرض البور، ولكن مع مراعاة الاحتفاظ بالبعد المناسب بين النباتات، ومع الحرص على تغذية التربة بالمواد الضرورية واتباع الأساليب المثلى في تشذيب الفروع. ويضيف غوش: "لدينا الآن في جميع حقولنا التجريبية الجديدة، محصول ثابت من البذور عالية الجودة." وحاليا يتم تشغيل الحافلات السياحية في حديقة غير Girالوطنية في ولاية غوجارات بوقود الديزل الحيوي المستخرج من الجاتروفا.