Hintergund/ Minarett - Verbot
٣٠ نوفمبر ٢٠٠٩تباينت قراءات السياسيين الألمان لنتائج الاستفتاء الذي أجري في سويسرا، بين من يعتبر تصويت الأغلبية ضد بناء مآذن المساجد نتيجة "طبيعية" لتنامي الخوف في أوساط المجتمع الأوروبي من "أسلمة المجتمع الأوروبي"، وبين من يعترض على نتيجة الاستفتاء من منطلق تعارضها مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات الدينية. وجاءت أكثر ردود الفعل حدة في ألمانيا من أوساط المسلمين، إذ انتقد أيمن مزيك أمين عام المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا بشدة قرار حظر بناء المآذن وأعرب عن مخاوفه من أنه في حال إجراء استفتاء مماثل في ألمانيا فإن نتيجة من هذا القبيل تعتبر "كارثية".
"الخوف من أسلمة المجتمع وراء التصويت بحظر المآذن"
لكن ما يلفت النظر هو أن معارضي نتيجة الاستفتاء ومؤيديها سواء في ألمانيا أو غيرها من الدول الأوروبية، يتفقون على الخوف من أسلمة المجتمع الأوروبي كعنصر حاسم في تنامي تيار معارض لبناء مآذن المساجد في أوروبا. ويبدو أن تصويت أغلبية من السويسريين تتجاوز 57 في المائة، قد أثارت القلق في أوساط مسلمي ألمانيا، لاعتبارات متعددة، ومنها احتمال عودة الجدل حول بناء مسجد في مدينة كولونيا، كان تصميمه بمنارتين قد أثار ردود فعل متباينة. بيد انه تم التوصل إلى صيغة توافقية لتصميم المسجد بمنارة لا يتجاوز علوها كاتدرائية كولونيا التاريخية ووضع حجر أساس المسجد منذ شهر وينتظر افتتاحه في غضون عامين. ويوجد في ألمانيا أكثر من ألفي مسجد، كما أقر مؤتمر الإسلام والاندماج السنوي الذي ترعاه وزارة الداخلية الألمانية حق بناء المساجد وترك مسألة ارتفاع المآذن للتوافقات على المستوى المحلي بين المسلمين والهيئات الرسمية وغير الرسمية المعنية.
أما العنصر الأعمق في قراءة نتائج استفتاء سويسرا فيكمن في حقيقة الأسباب التي جعلت أغلبية نسبية من السويسريين يصوتون ضد بناء المآذن، كما تقول الدكتورة إلهام مانع، مؤلفة كتاب(باللغة الألمانية): " لن أصمت بعد الآن: الإسلام والغرب وحقوق الإنسان". وقالت الباحثة السويسرية في حوار لموقعنا إن "التصويت ضد المآذن تم على أساس اعتبارها رمزا لمسائل أخرى: كالخوف من ظاهرة أسلمة المجتمع الأوروبي، ومن التيار الأصولي المتشدد، وهو أيضا رفض لمنظور منتشر في أوساط المسلمين ينتهك حقوق المرأة".
وفي حوار لموقعنا انتقد الدكتور نديم إلياس مستشار رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الموقف الذي عبر عنه فولفغانغ بوسباخ القيادي في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (حزب المستشارة ميركل) ومسؤول لجنة الشؤون الداخلية في البوندستاغ ، حيث قال بوسباخ: "ان نتيجة التصويت تعكس الخوف من أسلمة المجتمع وهذا الخوف يجب أن يؤخذ على محمل الجد".
وتتفق الباحثة السويسرية مع الدكتور الياس حول تنامي ظاهرة الخوف من أسلمة المجتمع الأوروبي وكيف تأخذ أشكالا متنوعة في الدول الأوروبية مثل تنامي التيار اليميني المحافظ والمتطرف وتمكنه من الوصول إلى البرلمان الأوروبي. لكنها تختلف معه في الأسباب العميقة التي تغذي ظاهرة الخوف من الإسلام، ملاحظة انه يتعين " أخذ نتائج الاستفتاء والخوف من الإسلام في أوروبا مأخذ الجد" وأضافت: "إن المسلمين يتجاهلون بعض الأسباب الحقيقية لظاهرة الخوف، مثلا في بريطانيا وألمانيا حيث تنتشر ظاهرة الزواج القهري للفتيات في بعض شرائح الجالية المسلمة". وبرأي الدكتور إلياس فإن"القضية الرئيسية لا تكمن في أسلمة هذه البلاد بل ما نلاحظه هو العكس أي أن الإسلام والمسلمين هم الذين يتعرضون للاستفزاز بمثل هذه القرارات" مضيفا إن "الاعتداءات ضد الإسلام تأتي من جهات يمينية متطرفة رافضة للقيم الألمانية والأوروبية ومبادئ حقوق الإنسان والحريات الدينية، ولا يمكن تبرير أفعالها بالخوف من الإسلام".
خصوصية النظام الدستوري السويسري لا تحصنه من الانتقادات
تشير الباحثة السويسرية الدكتورة إلهام مانع إلى وجود اختلاف بين النظام الدستوري السويسري وسائر الدول الأوروبية الأخرى، فقاعدة الديمقراطية المباشرة المعمول بها في سويسرا، كما تقول الدكتورة مانع ، تم الاستناد عليها من قبل فئة صغيرة من المجتمع السويسري للدعوة الى تنظيم الاستفتاء حول بناء المآذن، وتضيف: "هذه القاعدة غير متاحة أصلا في الديمقراطيات الأوروبية الأخرى مثل ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا". لكنها لاحظت انه لو نظم استفتاء في تلك الدول حول نفس الموضوع ربما كانت نتائجه أكثر دراماتيكية، وعللت ذلك بقولها: " ان الخوف من الإسلام ظاهرة منتشرة في المجتمعات الأوروبية".
لكن خصوصية النظام الدستوري السويسري لا تحصنه من الانتقادات المنطلقة من كونية مبادئ الحريات الدينية وحقوق الإنسان، كما يقول البروفيسور غيرهارد روبرتز استاذ القانون العام بجامعة تريا الألمانية في حوار لدويتشه فيله، موضحا ان "قرار الناخبين السويسريين يطرح إشكالية من الناحية القانونية ، لأنه قرار في نهاية المطاف يتعارض مع الحرية الدينية والمبادئ العامة للمساواة". وفي رده على سؤال حول إمكانية نقض نتائج الاستفتاء من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، يرى روبرتز بأن " المحكمة الأوروبية لا يمكنها التدخل في المسائل القانونية لدولة سويسرا ، وعندما تقر الأخيرة طبقا لدستورها قانونا معينا، لا يمكن للمحكمة الأوروبية ان تقول انه يتعين تغيير القانون وبالتالي الدستور". لكن الخبير القانوني الألماني اشار الى ان المحكمة الأوروبية وان كانت تفتقد الى قوة لإلزام سويسرا بتغيير قانون ساري المفعول، فإن اللجوء للمحكمة لإبداء الاعتراض على نتائج الاستفتاء هي إشارة سياسية لسويسرا، ربما كي تقوم من جهتها بمبادرة لإعادة تنظيم الاستفتاء ومراجعة القرار.
الكاتب: منصف سليمي
مراجعة: ابراهيم محمد