"نتفليكس" والسعودية .. حين تتعارض القيم مع المصالح!
٣ يناير ٢٠١٩مباشرة أمام الكاميرا قال الجملتين: "الآن سيكون الوقت المناسب لإعادة النظر في علاقتنا مع السعودية. أقول هذا بصفتي مسلم وأميركي." إنه حسن منهاج، 33 عاماً، يرتدي سروال جينز أسود و حذاء رياضي أبيض. هذا كان مشهداً من الحلقة الثانية من البرنامج الكوميدي، "دليل الوطنية السريع مع حسن منهاج" والتي عُرضت في تشرين الأول/ أكتوبر على موقع "نتفليكس".
في الدقيقة العشرين، تحدث منهاج عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، والذي أعلن مؤخراً مجلس الشيوخ الأمريكي بشكل رسمي عن تورط السعودية، عن احتجاز النشطاء السعوديين، عن دور رياض في الصراع في اليمن - والأهم من هذا كله عن ولي العهد محمد بن سلمان. النقد يأتي من الممثل الكوميدي، المعروف بشكل أساسي من خلال البرنامج التلفزيوني الساخر الأمريكي"The Daily Show".
في حين يشاهد البرنامج عدد لا يُحصى من المشاهدين حول جميع أنحاء العالم، لم يعد بإمكان المستخدمين في السعودية مشاهدة الحلقة على موقع "نتفليكس". وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في البداية، أن موقع "نتفليكس" أوقف بث الحلقة للمستخدمين في السعودية بناء على طلب الرياض. ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن متحدث باسم الموقع قوله :"نحن ندعم بقوة الحرية الفنية في جميع أنحاء العالم ولم نقم بحذف هذه الحلقة في السعودية، إلا بعد أن تلقينا طلباً قانونياً رسميا من الحكومة – للالتزام بالقوانين المحلية للبلد".
وكما صرحت الشركة للصحيفة، فقد اعتمدت وزارة الإعلام في السعودية على قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، والذي ينص على أن "المحتوى الذي من شأنه التأثير على النظام العام والقيم الدينية وعادات وخصوصية المواطنين عبر شبكة المعلومات أو الكمبيوتر" يشكل جريمة جنائية يُعاقب عليها القانون بالسجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات.
"أمر مخيف لكنه غير مفاجئ"
تستمر مشاهدة هذه الحلقة بالنسبة للمستخدمين في السعودية على القناة الخاصة بالبرنامج على موقع الفيديو يوتيوب – وفيما يبدو أن الرياض لم تطلب من الشريك التابع لشركة غوغل حذف الفيديو. الغضب من حذف الحلقة من على موقع "نتفليكس" كان كبيرا، كما كتب أحد المستخدمين في تغريدة له على موقع تويتر: "العديد من العرب منا، كانوا متحمسين للغاية عندما أطلق موقع "نتفليكس" القسم الخاص به في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأننا اعتقدنا أنها طريقة للالتفاف على الرقابة. لكن ما مع حدث الآن، أعتقد أن ذلك قد انتهى".
أحد المغردين، يُدعى إيفان غرير، كتب عن التفاعل السريع لشركات التكنولوجيا في اتجاه إرضاء الحكومات، قال فيها إن "السرعة المتزايدة لاستعداد شركات التكنولوجيا إلى فعل أي شيء لإرضاء الحكومات الاستبدادية أمر مخيف، لكنه غير مفاجئ". من جهتها كتبت كارين عطية، المحررة بصحيفة واشنطن بوست، في تغريدة لها على موقع تويتر على أن حرية التعبير في العالم العربي، التي عمل عليها خاشقجي، لم تكن تتعلق بالصحفيين فحسب، بل أيضا بـ "الفنانين، الكوميديين، رسامي الكاريكاتير، الموسيقيين، الناشطين وأي شخص يريد التعبير وجهات نظره حول المجتمع ".
نشطاء حقوق الإنسان احتجوا أيضاً، وقالت متحدثة باسم منظمة "هيومن رايتس ووتش" لصحيفة الغارديان البريطانية: "أي فنان تظهر أعماله على موقع نتفليكس يجب أن يُظهر غضبه تجاه الشركة، التي وافقت على فرض رقابة على عرض كوميدي لأن العائلة المالكة في السعودية اشتكت من ذلك". ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ممثل منظمة العفو الدولية قوله "إن (موقع) نتفليكس يُخاطر باستسهال سياسة عدم التسامح للمملكة فيما يتعلق بحرية التعبير ويعمل بذلك على مساعدة السلطات على منع الناس من الحق في حرية الوصول إلى المعلومات".
تصرف نتفليكس "يتوافق مع القانون"
من الناحية القانونية وبالنظر إلى قانون الإعلام يختلف النظر إلى هذه الواقعة- لأن خدمات البث ومنصات الإنترنت الأخرى يجب أن تمتثل للقوانين المعمول به في البلد المعني. إذا كانت حلقة برنامج "دليل الوطنية السريع مع حسن منهاج" قد انتهكت فعلاً القانون السعودي، وعن هذه النقطة يقول نيما مافي غودارزي، الباحث المساعد في معهد قانون الإعلام والاتصالات في جامعة كولونيا، ويقول: "كان تصرف نتفليكس متوافقا مع القانون".
وأضاف: "في ألمانيا، لا يرى المرء هذا بشكل مختلف. تصور، أنه من ضمن برامج نتفليكس هناك فيلم وثائقي يُنكر المحرقة. سيكون ذلك جريمة بموجب القانون الألماني. وعلى نفس المنوال سيتم العمل على جعل موقع نتفليكس يحذف المحتوى ولا يدعه متاحاً للمشاهدين داخل ألمانيا".
ويقول بيرند هولتسناغيل، أستاذ قانون الإعلام في جامعة مونستر: "في الوقت نفسه، لا يوجد في العديد من البلدان قوانين جزائية واسعة النطاق فحسب، بل أيضاً لا توجد رقابة قضائية، ومن ثم يمكن للحكومة المعنية بالطبع أن تستخدم ذلك من أجل فرض مصالحها"، ويُضيف: "هذا يجري أيضاً في كل مكان في البلدان التي ليست دستورية وديمقراطية".
لكن المصالح الاقتصادية تلعب دوراً أيضاً. شركة نتفليكس، التي تقدر قيمتها السوقية الحالية بـ 142 مليار دولار، توسعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2016 وحده كانت برامج وأفلام الشركة متاحة في 130 دولة جديدة، بما في ذلك في السعودية. حتى موقع البث "أمازون برايم فيديو" الأمريكي متاح منذ عام 2016 في جميع أنحاء العالم مع وجود بعض الاستثناءات. ويقول هولتسناغيل موضحاً: "أن الشركات تسعى دائما لتحقيق الأرباح". ويضيف بأن الشركات الأمريكية، التي تريد اختراق السوق الصينية، تضطر على حسب الظروف إلى تقديم تنازلات.
الموازنة بين المصالح الاقتصادية والقيم
يرى مافي غودارزي أن هذه المصالح تتطلب من الشركات أن تتصالح مع القيم التي تدعيها، ويقول: "على الشركات الموازنة بين المصالح والقيم". هناك إشكالية، لأن الأمر يتعلق أيضاً بتصدير السلع و المعتقدات الثقافية. موضوع أن الشركات، التي تتوسع حول العالم، عليها التكيف مع القانون الوطني، لم يُوضع محل شك حتى الآن ولم يُطرح للنقاش على نطاق واسع ".
إذا أرادت ماكدونالدز فتح فروع لها في آسيا أو أفريقيا أو أمريكا الجنوبية، فإن احتمال وجود صراع بين القانون والقيم يكون أقل "لأن الشيء الوحيد الذي يجب أخذه بعين الاعتبار في هذه الحالية هو قانون الغذاء أو الصحة المحلي أو كما في العالم العربي، يتم منع استخدام لحم الخنزير. لكن الأمر هنا يتعلق بالفن والثقافة وحرية التعبير، وهنا تتداخل العديد من وجهات النظر الأخلاقية المختلفة مع بعضها البعض". وهذا لا تُظهره الحالة الراهنة فقط.
في نوفمبر/ تشرين الثاني، طلبت محكمة نيودلهي العليا من الحكومة مناقشة عريضة تدعو إلى فرض حظر على ما وصفته بـ "المحتوى المبتذل" على موقع "نتفليكس" و"أمازون برايم فيديو" ومواقع مشابهة. وفي سنغافورة، حذف "نتفليكس" ثلاثة مسلسلات بناء على طلب الحكومة، لأن هذه المسلسلات عرضت المخدرات بطريقة إيجابية. لكن هذه المواقع ليست متاحة في جميع البلدان: فموقع "نتفليكس" غير متوفر في الصين وكوريا الشمالية وسوريا وشبه جزيرة القرم. كما أن موقع "أمازون برايم فيديو" غير متاح في كل من كوبا وإيران بالإضافة إلى الصين وكوريا الشمالية وسوريا.
هيلينا كاشيل/ إ.م