نظام فيدرالي في سوريا.. هل حان وقت الدولة الكردية؟
١٨ مارس ٢٠١٦رغم أن إعلان الأكراد في شمال سوريا الخميس (17 آذار/ مارس) عن النظام الفيدرالي "روج -آفا" في مناطق سيطرتهم في كوباني وعفرين والجزيرة، شمال سوريا، كان متوقعا؛ إلا أن هذه الخطوة قد تخلط الأوراق أكثر في سوريا، التي تعيش صراعا معقدا منذ خمس سنوات.
التوصل إلى هذا الإعلان تم خلال اجتماع عقد في مدينة رميلان في محافظة الحسكة، شارك فيه أكثر من 150 ممثلا عن شمال سوريا. وبحسب مراقبين فإن المجموعات التي توصلت إلى هذا الإعلان تدور كلها في فلك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، الذي ينظر إليه كفرع لحزب العمال الكردستاني في سوريا. كما أن أحزاب المجلس الوطني الكردي، الممثلة في ائتلاف المعارضة السورية لم تشارك في هذا اللقاء.
إعلان نظام فيدرالي من طرف أكراد سوريا فتح النقاش مجددا حول حقوق المكون الكردي في منطقة الشرق الأوسط وحلم الاستقلال وإقامة الدولة الكردية الذي يراود فئة من الأكراد، خاصة أن البعض يعتبر حاليا أن الأكراد أمام فرصة تاريخية لن تتكرر للمطالبة بتقرير مصيرهم.
نقطة اتفاق بين النظام و المعارضة
بعدما عاشوا الإقصاء والاضطهاد لعقود طويلة، تزايد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في سوريا، واستفادوا من مساعدات إقليمية ودولية وهو ما مكنهم من السيطرة على المناطق ذات الغالبية الكردية التي انسحبت منها قوات النظام تدريجيا. والمناطق المعنية بالنظام الفيدرالي المعلن الخميس تتمثل في المقاطعات الكردية الثلاث: كوباني (ريف حلب الشمالي) وعفرين (ريف حلب الغربي) والجزيرة (الحسكة)، بالإضافة إلى المناطق التي سيطرت عليها مؤخرا قوات سوريا الديمقراطية في محافظتي الحسكة وحلب، بحسب سيهانوك ديبو، مستشار الرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديمقراطي.
وفي أبرز ردود الأفعال على هذا الإعلان، أعلنت واشنطن أنها "لن تعترف" بمناطق ذات حكم ذاتي في سوريا. ويأتي الموقف الأمريكي رغم أن واشنطن تدعم وحدات حماية الشعب الكردية، التي أثبتت أنها الأكثر فعالية في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ورغم الخلافات الكبيرة بين وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف، فإن كلا الجانبين يُجمعان على رفض الفيدرالية المعلن عنها. ومن جهتها تخشى تركيا أيضا إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تشجيع النزعات الإنفصالية للأكراد داخل حدودها.
ويقول المعارض السوري البارز والمختص في الشأن الكردي، عبد الباسط سيدا إن إعلان النظام الفيدرالي في شمال سوريا دليل على أنه لا توجد توافقات حتى بين الأكراد أنفسهم. ويضيف في حوار أجرته معه DW عربية "يقف وراء هذه الخطوة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو امتداد لحزب العمال الكردستاني وليس ممثلا لأكراد سوريا. الخطوة اتخذت دون احترام إرادة كل السوريين والقضية الكردية يجب أن يتم حلها ضمن مشروع سوري وطني."
"تفاهمات مع النظام"
ويرى الخبير السوري أن شكل الإعلان نفسه وضبابية هذه الخطوة توضح أنها لم تأت لخدمة القضية الكردية وإنما لخدمة أهداف سياسية. ويضيف: "خطوة كهذه لا يمكن أن تتم دون تنسيق مع النظام لأنه من المعروف أن حزب الاتحاد الديمقراطي ينسق مع النظام على الأقل أمنيا." لهذا يعتقد السياسي السوري أن هذه الخطوة تأتي على الأرجح في إطار تفاهمات مع النظام السوري، كما يقول، "بحيث يتنازل عن هذه المناطق مقابل الحصول أو تعزيز سيطرته في مناطق أكثر أهمية بالنسبة له."
لكن سيهانوك ديبو مستشار الرئاسة المشتركة في "حزب الاتحاد الديموقراطي"، الحزب الكردي الأبرز في سوريا نفى في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أن يكون إعلان النظام الفيدرالي، في كافة المناطق المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، هو بداية لتقسيم البلاد وتكوين دولة كردية كبرى تضم وتستقطب بالمستقبل كافة الأكراد بمنطقة الشرق الأوسط. كما نفى أيضا أن تكون الخطوة قد جاءت تماشيا مع الرؤية الروسية لحل الأزمة السورية.
من جانبه يقول الدكتور محمد حسن، المتخصص في القانون الدستوري والخبير في الشأن الكردي إن الفيدرالية هي مطلب شعبي بالنسبة للأكراد الذين يدركون أنها الحل الأمثل في الوقت الحالي، وليست لديهم أي مساعي أخرى، ويضيف: "التفاهم موجود بين الأكراد على أن الفيدرالية كنظام سياسي لسوريا وعلى إدارة مناطقهم بأنفسهم، وهذا يشكل دعما قويا للأحزاب الكردية في مطالبها السياسية. وتابع الخبير السوري في تصريحات لـDW عربية: "ما ينقص الخطوة المعلن عنها في شمال سوريا هو أنها لم تكن باتفاق شامل مع كافة الأطياف في البلاد، وهذا قد يؤثر على قيمتها القانونية لأن الفيدرالية أساسا هي اتفاق سياسي وليس إعلانا من جنب واحد."
ويؤكد محمد حسن: "لكن يمكن أن تكون فدرالية بحكم الأمر الواقع. وبعدها يتم الاتفاق عليها من كافة الأطراف وذلك من خلال دستور اتحادي يحظى بموافقة الأغلبية في سوريا؛ لهذا فهي تبقى خطوة إيجابية في طريق تحقيق الحكم الفيدرالي."
مسؤولية المعارضة
إعلان النظام الفيدرالي رأى فيه البعض استهدافا لتركيا التي تجمعها علاقات متوترة جدا بحزب العمال الكردستاني وترفض قيام دولة كردية في المنطقة. وفي هذا السياق يقول سيدا "تركيا لديها حساسية من كل ما هو مرتبط بالحزب الكردستاني وبالتالي فمن الطبيعي أن تعارض الإعلان الحالي. لكن الأتراك أكدوا أكثر من مرة أنهم لا يعارضون قيام نظام فيدرالي في سوريا."
ويلقي سيدا باللوم على المعارضة السورية أيضا فيما يتعلق بإهمال القضية الكردية. وهو ما يتيح باعتقاده فرصا للنظام لاستغلال هذا ضد المعارضة: "المعارضة أخطأت في التعامل مع ملف الأقليات بشكل عام سواء المسيحيين أو العلويين أو الأكراد وغيرهم وهو ما يسهل على النظام الترويج بأن الصراع هو بين متشددين ونظام علماني ديمقراطي." ويضيف الخبير السوري أن إعطاء الأكراد حقوقهم الكاملة في إطار مشروع سوري وطني سوف يعزز فرص تحقيق الاستقرار في سوريا والمنطقة، و"لا يمكن الحديث عن استقرار في المنطقة بشكل عام دون إعطاء الأكراد حقوقهم."
وعلى عكس فئة كبيرة من أكراد المنطقة يتحفظ سيدا على فكرة الاستقلال التي يتم الترويج لها في السنوات الأخيرة. ويشرح ذلك قائلا "قضية الأكراد يجب ان تعالج داخل كل دولة. الحديث عن تأسيس دولة كردية أمر صعب وتدخل فيه معادلات إقليمية ودولية معقدة. وفيما يتعلق بكردستان العراق فالظروف ربما مهياة أكبر وهو ما جعل الأكراد هناك يطالبون بتنظيم استفتاء."