نظرة على تاريخ موسيقى الكراوت روك الألمانية
١٦ أغسطس ٢٠٠٨ترتبط الموسيقى الألمانية في أذهان الكثيرين بالموسيقى الكلاسيكية التي أبدع فيها وطورها كبار المؤلفين من أمثال بيتهوفن وباخ وشومان وغيرهم. غير أن للموسيقى الألمانية وجه آخر أقل شهرة، هو موسيقى الروك الحديثة والتي نجحت الفرق الألمانية في ترك بصمة خاصة ميزت أعمالها، لاسيما في الفترة ما بين نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، حتى أن الصحافة الموسيقية البريطانية منحت هذا الاتجاه الموسيقي اسم كراوت روك krautrock.
وكلمة كراوت هي كلمة ألمانية تعني "أعشاب"، وكانت تستخدم في الحرب العالمية الثانية للإشارة إلى الجنود الألمان. ورغم أن التسمية كانت ساخرة في بدايتها، إلا أنها حفرت مكانها في تاريخ الموسيقى وتحولت إلى علامة على اتجاه موسيقي قدم الكثير من الأفكار الطليعية إلى موسيقى الروك، التي كانت حتى ذلك الوقت توصف بأنها موسيقى أنجلوفونية. فمن المعروف أن ملامح موسيقى الروك تشكلت بشكل رئيسي بفضل الموسيقيين الإنجليز والأمريكيين بدءا من أربعينيات القرن الماضي.
وموسيقى الكراوت روك اتسمت بالنزوع الجارف إلى التجريب، ومحاولة اجتراح آفاق موسيقية جديدة غير معروفة، حتى أن بعضهم وصف هذه الموسيقى بأنها أنغام فضائية لا علاقة لها بالأرض. واستمدت موسيقى الكراوت روك معينها من رافدين أساسيين هما: تجريب استخدام الآلات الالكترونية، والتي تميزت بقدرتها على إصدار أصوات غامضة ويمكن وصفها بأنها غير موسيقية، والرافد الآخر هو تثوير شكل موسيقى الروك عن طريق الخروج عن قالب الأغنية واستخراج أقصى ما لدى آلاتها المعتادة وهي الجيتار الكهربائي والبيز جيتار والدرامز أو الإيقاع.
فيما يلي نقترب من بعض الفرق والمغنين الذي شكلوا علامات فارقة في تاريخ موسيقى الكراوت روك الألماني.
فريق آمون دول Amon Düül
تميزت فترة الستينيات والسبعينات كما هو معروف بالأفكار الإبداعية وبالرغبة الشديدة في التجريب وكسر الأطر التقليدية، كما تميزت بالوعي السياسي ومحاول تغير العالم ليصبح مكانا أفضل، وقد انعكست تلك السمات على الإنتاج الموسيقي لتلك الأيام بطبيعة الحال. فريق آمون دول Amon Düül هو مثال يجسد أجواء تلك المرحلة، فقد تشكل الفريق داخل كميونة (commune) فنية أقيمت في مدينة ميونخ أيام الحركة الطلابية عام 1968. وحمل الفريق اسم الكميونة، وهو اسم مشتق من الإله الفرعوني آمون، والاسم التركي للقمر دول.
ومنذ إنشائها والكميونة الفنية ترحب بكافة المواهب الموسيقية سواء أجادوا العزف أم لم يجيدوه، وذاع صيت أغانيها الارتجالية، والتي كانت تعزف في المظاهرات والأحداث الفنية والثقافية. لكن بمرور الوقت بدأت الخلافات في الأمزجة الفنية لأعضاء الفريق تظهر تدريجيا، وتمخض عن هذه الخلافات معسكران، أحدهما مال إلى التمسك بالموسيقى الارتجالية السياسية والتي لا تشترط جودة العازفين، ومعسكر آخر رغب في الاحتفاظ بمستوى موسيقي مرتفع. لذلك انقسم الفريق، وتكونت فرقتان تحملان نفس الاسم لكن الأولى تحمل رقم واحد والأخرى تحمل رقم 2.
تاريخ فريق آمون دول يتسم بالتعقيد الشديد، لكن الفريق يعد واحدا من أكثر الفرق الألمانية إبداعا على مستوى الأفكار، وكثيرون من متابعي الموسيقى يرون أن فريق آمون دول 2 قدم مقطوعات موسيقية بارزة في تاريخ الكراوت روك. واعتمدت موسيقى الفريق بشكل أساسي على الآلات التقليدية للروك، لكنها تمكنت من إخراج أنغام غير معتادة من هذه الآلات. واهتمت بالارتجال المفتوح، فجاءت المقطوعة طويلة وتقريبا بلا كلمات، مما جعلها تعبر عن حالات نفسية أكثر من تعبيرها عن موضوعات ملموسة. ولا عجب أن موسيقى الفريق استخدمت في بعض الأفلام السينمائية التجريبية، منها أفلام صنعها الفريق نفسه، كالفيلم المصاحب لأسطوانتهم الأولى Phallus Dei.
أبرز ألبومات الفريق: Phallus Dei, Yeti
فريق معبد اشرا Ash Ra Tempel
ينتمي فريق معبد اشرا Ash Ra Tempel إلى المدرسة البرلينية، والتي اتسمت بطابعها التأملي. ويعد عازف الجيتار مانويل جوتشينج Manuel Göttsching من ألمع وجوه الفريق. جوتشينج شارك في العزف مع عدد من الفرق الطليعية في برلين، مثل تانجرين دريم Tangrine Dream، وفريق جورو جورو Guru Guru وفريق كان Can، إضافة إلى فريق معبد اشرا Ashra Tempel الذي تشكل عام 1970 وجمع بين جوتشينج والمؤلف الموسيقي كلاوس شولتسه. وحملت موسيقى الفريق الملامح الرئيسية لأعضائه وأهمها الاهتمام بالآلات الالكترونية وتكوين لوحات موسيقية مينيمالية Minimal، حيث كان كلاوس شولتسه متأثرا بالمؤلفين الموسيقيين تيري رايلي Terry Riley وستيف رايش Steve Reich.
درس جوتشينج الجيتار الكلاسيكي، ونجح من خلال عمله في فريق معبد اشرا وغيره من الفرق من تحويل الجيتار إلى أوركسترا كاملة، فكان يستخدم أجهزة التسجيل الالكتروني المتطورة، بما فيها إمكانيات إعادة لعب بعض الأجزاء Looping، لكي يعزف مقطوعات مركبة فقط باستخدام آلة الجيتار الكهربي.
أبرز ألبومات الفريق: Ash Ra Tempel, Schwingungen, Inventions For Electric Guitar
فريق نيو NEU!
تشكل فريق نيو NEU! من أعضاء سابقين في الفريق الشهير كرافت فيرك. ويعد ألبومهم الأول الذي يحمل أيضا اسم الفريق وصدر عام 1972 علامة فارقة في تاريخ موسيقى الكراوت روك، ومصدر الهام للعديد من الموسيقيين المعاصرين أمثال ديفد بوي David Bowie وبراين اينو Brian Eno.
تأرجحت مقطوعات الفريق بين الرغبة العارمة في الفوضى النغمية، وبين الرغبة في خلق إيقاع مضبوط كالساعة. فجاءت مقطوعات الألبوم لتحمل هاتين السمتين، فبعض المقطوعات يسلكها إيقاع ساحر منتظم موشى بجمل بسيطة ومتكررة من آلة الجيتار، والتي تذكر بأجواء فريق كان Can، أما البعض الآخر فيتصف بالفوضى النغمية الشديدة كأنه يعبر عن انفجار كوني حدث للتو.
ومن الأفكار الجديدة التي قدمها الفريق تغيير سرعات المقطوعات المسجلة سلفا، وتقديم نسخ جديدة منها على الأسطوانة نفسها، وهو ما يسمى الآن بإعادة التوزيع أو الـ ريميكسنج Remixing. وبذلك أصبح الاستديو محطة مهمة في الإنتاج الموسيقي حيث يمكن من خلاله تعديل المقطوعات وتلوينها. وهي الفكرة التي مهدت الطريق أمام الاتجاه الذي تشكل في السبعينيات واعتمد على معالجة المقطوعات في الاستديو وتعديل أجزائها وإعادة إخراجها موسيقيا.
أهم البومات الفريق: Neu! Neu! 2, Neu! '75 ,
فريق كان Can
ولد الفريق عام 1968 في مدينة كولونيا وبدأ كفريق روك تقليدي، إلا أنه اتجه شيئا فشيئ إلى روافد غير تقليدية آنذاك أثرت لغته الموسيقية، مثل الموسيقى الفولكلورية العالمية والتسجيلات الحية لأصوات الآلات والشوارع. وبدأ الفريق في الاهتمام بالموسيقى الارتجالية، مبتعدا عن الشكل التقليدي للأغنية الملحنة.
الفريق ضم اثنين من طلبة الموسيقار المعروف كارل هاينز شتوكهاوزن، والذي اشتهر باهتمامه بالموسيقى الالكترونية التجريبية، هما هولجر تشوكاي Holger Czukay وارمن شمدت Irmin Schmidt. هولجر تشوكاي قام بعزف آلة البيز جيتار مع الفريق، واهتم بعزف إيقاعات بسيطة متكررة، وهو ما أصبح ملمحا أساسيا للفريق، حتى أن بعض المقطوعات الطويلة تذكر المرء بالموسيقى الصوفية الشرقية التي تدخل المستمعين في حالة روحية خالصة.
فريق كان حظى بشعبية عالمية تفوق شعبيته في ألمانيا، وتأثرت بأفكاره الموسيقية الطليعية فرق أمريكية وبريطانية عديدة مثل فريق سونك يوث Sonic Youth وفريق ذي فول The Fall، حتى أن الفريق الأمريكي ذي موني سوزوكي The Mooney Suzuki اشتق اسمه من اسم مغني الفريق دامو سوزوكي.
أبرز ألبومات الفريق: Tago Mago, Ege Bamyası, Soundtracks, Flow Motion, Out of Reach
فريق كرافت فيرك Kraftwerk
أولت الفرق الموسيقية الألمانية الصاعدة في فترة الستينيات والسبعينيات اهتماما خاصا بالآلات الموسيقية الالكترونية الحديثة مثل المولّف Synthesizer، ووجدت متعة شديدة في تجريب هذه الآلات واختبار قدراتها الموسيقية ودمجها في ألحانهم، والتي أنتجت موسيقى غرائبية تذكر المرء بموسيقى المرحلة المبكرة لفريق بنك فلويد الإنجليزي. من بين هذه الفرق فريق كان وفريق تانجرين دريم والمؤلف الموسيقي كلاوس شولتسه.
فريق كرافت فيرك Kraftwerk، وتعني بالألمانية محطة الطاقة، كان من طليعة الفرق الموسيقية التي تفرغت بالكامل لتأليف الموسيقى باستخدام أدوات الكترونية. الفريق الذي تكون عام 1968 في مدينة دوسلدورف، يعد الأب الحقيقي للموسيقى الالكترونية الحديثة التي انتشرت في الثمانينات والتسعينات. تشكل الفريق على يد فلوريان شنايدر Florian Schneider ورالف هوتر Ralf Hütter، من خلال اهتمامهما المشترك بالموسيقى التجريبية. وأسس الموسيقيان استوديو خاص بالفريق تحت اسم كلينج كلانج Kling Klang في مدينة دوسلدورف. هناك قام الفريق بتجاربه الموسيقية على أجهزة الكترونية يدوية أو باستخدام برامج كمبيوتر بدائية، وسجل ثلاثة ألبومات تميزت بأصواتها الغريبة وطابعها التجريدي الشديد. وفي عام 1973 خرج ألبوم أوتوبان Autobahn، وتعني بالألمانية طريق السيارات السريع، ليحقق نجاحا هائلا، حيث استخدم الفريق ألحان بسيطة إلى جانب الإيقاعات الالكترونية، الأمر الذي كان وقعه جديداً على الأذن الغربية آنذاك. ويرى بعض المتابعين للموسيقى أن هذا الألبوم مهد الطريق لموسيقى البوب الالكترونية.
موسيقى كرافت فيرك هي موسيقى مصفاة من أي لون من المشاعر، تدشن لبداية عصر جديد هو عصر الكمبيوتر والأتمتة في المدن الكبرى، كما أن كلمات الأغاني القليلة التي تظهر أحيانا في موسيقاهم هي كلمات تلقى بصوت محايد وبارد.
أبرز ألبومات الفريق: Ralf und Florian, Autobahn, Radio-Aktivität, Tour de France, The Man-Machine